تواكب حفلات الزفاف في المغرب طقوس باذخة تشترك فيها كل الطبقات الاجتماعية من ذلك السيارة الفاخرة التي تقل العروسين إلى بيت الزوجية وتكون مكللة بالزهور بأشكال مختلفة، وقد بلغ الاهتمام بتزيين السيارة حتى أصبح اختصاصا وولد منافسة بين بائعي الزهور، ويبرر المغاربة هذا البذخ بأن الزواج فرحة العمر، لذلك لابد أن يرتبط بذكريات تسكن ذاكرة العروسين.
تزيين سيارات العرسان في المغرب موضة حلّت محل الناقة والهودج في احتفالات الأعراس، وأضحت العربات اليوم في بلاد جبال الأطلس ونهر أبي رقراق، خصوصا في أيام الصيف، تحظى بالفنية العالية والجمالية المثلى في التزيين والديكور.. يتداخل الورد مع القماش وأثواب الحرير والموسلين والشيفون والأورجنزا حتى تبدو السيارة كالعروس تتجاذب الحسن والجمال مع العروس الحقيقية التي تركبها.
“العرب” تابعت مزينة سيارات الزفاف الشابة يسرى في مراحل إعدادها سيارة خروج عريسين مغربيين من بيت عائلتهما إلى فندق للاحتفال بزفافهما الميمون.
كان كريم يلح على يسرى للإسراع في تزيين السيارة التي ستخرج بأخيه العريس وعروسه من بيت العائلة إلى فندق خمس نجوم وسط مدينة طنجة، حيث إقامة العروسين المحتفى بهما، لكن يسرى كانت تنصح الملحاح بالصبر والتأني، لأن تزيين سيارة العرائس عمل فني يتطلب الدقة والإتقان، وأن العُرس مناسبة غالية في عمر الإنسان، تلتصق ذكراها بالعروسين مدى الحياة، وأن من سيأتي بعدهما من الأبناء والأحفاد ستشكل له صور العرس وفيديوهاته ذكرى تاريخ حياة اجتماعية مرت مع السنين.
لذلك كانت يسرى تنصح كريما بالصبر والتروي، مؤكدة عليه أن تزيين سيارة العروسين يتطلب مستوى رفيعا من الخدمة الفنية والجمالية التي تليق بمناسبة زواج أخيه وذكراه التاريخية.
ثم بعد ذلك نادت يسرى على مساعدها سفيان، الشاب الذي وجدناه منهمكا في فرز الجيد اليانع من الورود، من الذابل المتراخي، والذي كان ينفخ في صغار الورود حتى تنفتح وتتباعد وريقاتها أكثر عن بعضها البعض، ثم يزيل عنها الشوائب العالقة بها، ويقلم فروعها الزائدة، ثم يسلمها إلى يسرى التي كانت تصنع للورود قاعدة من الإسفنج الأخضر المبلل بالماء لتسهيل ولوج سيقان الورود فيه، هذا بعدما كانت المُزَيِّنَة قد شدتها إلى الجهة الأمامية للسيارة، فوق غطاء المحرك مباشرة، بأشرطة اللصاق المقوى، بعدما كانت قد غرست في جوانب الإسفنج لذلك أشرطة دوائر صغيرة ومتوسطة المقاسات، صنعتها يسرى من قصب السمار اللين الطيع القابل للتشكيل.
ولا تقتصر يسرى وشريكها نوفل في تزيين سيارات العرسان على الاشتغال بالورود والأزهار فحسب، بل تعتمد في زينة سيارات عرائسها على الأثواب الشفافة رفيعة الصنع، فشرائط الحرير والموسلين والشيفون والأورجنزا، حاضرة بقوة في عملية تهيئة زينة سيارة العروسين وإعدادها، فقبضات الأبواب تشد بأشكال تحاكي أشكال الورود وتقلدها، إلى درجة أنها تجعل السيارة عربة استثنائية يعرفها مستعملو الطريق فيفسحون لها الطريق، ويتوقفون لمرورها في أجواء عبور سيارات الفخامة، وهي تشبه مزارع الورد وجنات الأزهار، بل هناك من المارة بشوارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط، ومرس السلطان بالدار البيضاء، ولالة رقية بمراكش وولي العهد بفاس، من يقف مصفقا لمرورها وهي تمشي الهوينا مضيئة أضواءها كرموش العروس الحسناء التي تركبها.
وفي تصريح لـ “العرب” تفتخر يسرى بعملها، وتؤكد أنها شغوفة سعيدة به، إنه بالنسبة إليها شغل جليل يباركه الرب، لكونه عملا يساهم في الاحتفال باستقرار “حبيبين توفقا ونجحا في الانسجام والألفة، فأعلنا زواجهما لبناء أسرة سعيدة وناجحة. إنه عمل جليل ومحترم من ورائه أجر عظيم”.
تقول يسرى، إن الفن يخدم العائلة، فمن الخطأ اختزاله في لوحة أو قصيدة أو منحوتة.
الفن دنيا فسيحة يتجلى بعضه في تزيين سيارة العروسين، احتفاء بحبهما وسعادتهما، لذلك “أجد نفسي، أنا وزملائي وزميلاتي العاملين والعاملات في هذا المجال “نقوم بعمل فني اجتماعي، يتمم ما قام به الشركاء والعدول في عملية الاحتفال بالعروسين وإدخالهما القفص الذهبي”.
إن العرس ارتباط واقتران بين الرجل والمرأة، احتفت به كل الديانات السماوية، وقدسته ورفعته إلى مراتب عالية في الحياة الاجتماعية.
إن الزواج في نظر نوفل، زميل يسرى في تزيين سيارات الزفاف، تركيبة رياضية، ومعادلة حسابية “شخصين في واحد”، رجل زائد امرأة يساوي استقرارا نفسيا واجتماعيا، بل وماديا (ماليا) أيضا، لكنه اليوم أصبح يسير في طريق المنفعة الفردية والاستغلال المفرط، والطمع والجشع، ومهور الزواج أصبحت شيكات على بياض، لذلك نكتفي نحن بتزيين سيارات العرسان، وندعو لهم بالسعادة والاستمرار والاستقرار .
مملكتنا.عرب