المغــــــرب … بين السياحـــة و السنطيحـــــة
حينما تطل علينا التقارير و الإحصائيات التي تهم السياحة في المغرب، أحاول دائما أن أغض بصري عن ذلك، في مشهد غريب و كأن السياحة في بلدنا أصبحت مثل تلك الفتاة المتبرجة التي تحاول إظهار مفاتنها الخارجية لتغطي قبح و خبث أعماقها.
فآخر التقارير التي أصدرها الموقع العالمي hoppa.com، المتخصص في تتبع سير ارخص الوجهات السياحية و أغلاها، وضع مدينة مراكش في المرتبة الرابعة عالميا بعد كل من بوتسوانا و نيويورك و دبي كأغلى وجهة سياحية في العالم.
التقرير الذي بني على عدة معطيات، كـكلفة التاكسي لمسافة 3 كلم، و متوسط سعر الليلة الفندقية لشخصين، ثم سعر وجبة غذاء، و فنجان القهوة، وضع مدينة مراكش في المركز الرابع من 50 بلد شمله الإحصاء، متقدما على باقي المدن العالمية الأكثر استقطابا للسياح كـ لندن، باريس، ابوظبي، سيدني و سنغافورة…
لقد أصبحت اجزم أن المغرب هو بلد المتناقضات، فالعوائق الكثيرة التي تشوب بين محيط السياحة في المغرب واضحة، إلا أن هناك من وضع إستراتيجية خاطئة منذ البداية و يحاولون إيهامنا بان السياحة في المغرب في تقدم.
تقرير موقع hoppa أصبح يكشف لغز من ألغاز فشل السياحة في المغرب، رغم انه البلد الوحيد الأكثر أمانا في المنطقة، فان كانت دبي و نيويورك أغلى الوجهات السياحية في العالم، فهذا طبيعي، فكلنا نعلم أنها سياحة المال و الأعمال، و نعلم جودتها، كما أننا نعلم أن عدد السياح المستقطب في السنة و الذي يفوق 12 مليون سائح في نيويورك، و 13 مليون سائح في دبي، في حين ان مدينة مراكش التي بالكاد تستقطب 3 ملايين سائح في السنة، نصفهم من مغاربة المهجر. ثم إن مدينة مراكش ليست أغلى وجهة سياحية داخل الوطن فلا مجال لمقارنتها بمدينة الدارالبيضاء أو الداخلة مثلا.
التقرير أيضا كشف عن ارخص الوجهات السياحية في العالم و الذي ضم مدن شرم الشيخ، كيب تاون، اوكلاند، كوالالمبور، بانكوك و تينيريفي في حين تصدر الترتيب مدينة بودابست الهنغارية كأرخص وجهة سياحية في العالم، بمعدل صرف 40 اورو في اليوم، تكفيك لقضاء يوم كامل بين الإقامة في الفندق مع الوجبات و احتساء القهوة.
هذا يأخذنا إلى فك لغز آخر من ألغاز فشل السياحة في المغرب، فالرحلات الجوية من و إلى المغرب، تعرف ارتفاعا ملحوظا في السعر مقارنة بنفس مسافات باقي الرحلات الجوية العالمية، و هو راجع إلى الثمن المرتفع لوقود الطائرات “الكيروزين” في المطارات المغربية، و هذا ما اقر به الاتحاد الدولي للنقل الجوي المعروف اختصارا ب IATA في إحدى مراسلاته التي وجهها مؤخرا للحكومة المغربية.
الرحلات الجوية الداخلية أيضا تعاني من نفس المشكل، و هو ما يهدم السياحة الداخلية ببلدنا و يحد من فرص ربط شمال المغرب بجنوبه، فعلى سبيل المثال تذكرة الطائرة ذهابا من الدارالبيضاء إلى الداخلة ستكلفك على الأقل 2000 درهم، و هو أكثر بكثير من تذكرة تخول لك الذهاب في رحلة مباشرة من الدارالبيضاء إلى باريس أو بروكسيل. في حين أن مقارنة نفس المسافة مع دول أخرى كاسبانيا مثلا، في رحلة منطلقة من مدينة مالقا المتواجدة في أقصى الجنوب، إلى كورونيا المتواجدة في أقصى الشمال الغربي، لن تكلفك تذكرة الطائرة سوى ما يعادل 400 درهم فقط.
هذا دون نسيان معدل دخل الفرد بالنسبة للمغرب و اسبانيا مقارنة مع كلفة هذه الرحلات، ف 40 اورو بالنسبة للسائح الاسباني لا تساوي شيئا و ربما هو يوم عمل فقط، بينما 2000 درهم بالنسبة للمغربي ربما هي شهر من العمل.
هذه القراءة تطرح تساؤلات عديدة يجب معالجتها حتى نستطيع الوصول إلى ما نطمح له في اقرب وقت ممكن، و حتى لا نضيع فرصة استقطاب 80 ألف سائح روسي الذي غادر شرم الشيخ مؤخرا، و الذي أصبح محط أنظار مسئولي السياحة بالمغرب.
بقلم عثمان بنجلون
مملكتنا.م.ش.س
