الرباط ــ تفاعلا مع الأرقام التي كشف عنها تقرير حديث لشركة “تراند مايكرو إنكوربوريتد”، المتخصصة في الأمن السيبراني، الذي أكدت من خلاله عن نجاحها في التصدي لأكثر من 52 مليون تهديد سيبراني متنوع في المملكة المغربية خلال العام الماضي، قال أنس أبو الكلام، خبير دولي في الأمن الرقمي، إن “تقرير شركة تراند مايكرو سجل زيادة ملحوظة في التهديدات السيبرانية على مستوى العالم، حيث ارتفعت نسبة اكتشاف التهديدات بـ 55 في المائة، وزادت نسبة حظر الملفات الخبيثة بـ 242 في المائة”.
وسجل الخبير الرقمي الأستاذ الجامعي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمراكش أن “هذه الأرقام تسلط الضوء على النشاط المتزايد للقراصنة السيبرانيين، وتؤكد الحاجة الملحة لتعزيز الجهود في مجال الأمن السيبراني لحماية البنية التحتية الرقمية والمواطنين في المغرب”.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول أبرز مميزات الجرائم السيبرانية عن نظيرتها التقليدية، لفت الخبير عينه إلى أن “الجريمة السيبرانية تتميز بسمات عدة؛ أولها أنها عابرة للجغرافيا، إذ يمكن للمجرمين السيبرانيين العمل من أي مكان في العالم، مما يجعل تعقبهم صعبا، أضف إلى ذلك تنوع الأهداف والسرعة التي تميز هذا النوع من الجرائم الذي يستفيد من التقنيات الحديثة، حيث يستخدم المجرمون السيبرانيون تقنيات متطورة مثل التصيد الاحتيالي، وبرامج الفدية، وهجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS) لاستهداف ضحاياهم”.
وأشار أيضا إلى “التأثير الواسع للجريمة الرقمية. وبالتالي، فإن كل هذه الاختلافات تجعل من الجرائم السيبرانية تحديًا كبيرًا يتطلب استراتيجيات أمنية متطورة ومرنة لمكافحتها”، مشددا على أن “المغرب يعتبر من الدول التي تواجه تحديات متزايدة في مكافحة هذه الجرائم السيبرانية”.
وشدد أنس أبو الكلام على أن “المؤكد أن هذه الهجمات السيبرانية التي تستهدف المغرب ستزداد بشكل كبير، وذلك لأسباب عدة؛ أولها أن التزام المغرب بتنظيم العديد من الأحداث العالمية والمحافل الدولية، ولا سيما كأس العالم وكأس إفريقيا، سيثير حماس المهاجمين الذين سينشئون مواقع زائفة (على سبيل المثال لشراء التذاكر) ويرسلون روابط تصيد (على سبيل المثال لمشاهدة المباريات أو المشاركة في التكهنات الرياضية) والتطبيقات الضارة (على سبيل المثال، تنزيل تطبيقات مشاهدة المباريات) لخداع المستخدمين وابتزاز الأموال منهم، أو إصابة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم”.
ومن بين الأسباب الأخرى التي تجعل المغرب مستهدفا من المجرمين السيبرانيين، ذكر المتحدث ذاته، “تواصل نشاط بعض الجماعات الإرهابية الصغيرة أو نشطاء القرصنة الأفراد أو المرتبطين بشكل غير مباشر بدول معادية في التعبئة أكثر فأكثر لمهاجمة صورة المغرب والإضرار بمصالحه أو مصالح مؤسساته، كالمؤسسات المالية على سبيل المثال”.
وقال: “إن المغرب يعد هدفا جذابا للقراصنة السيبرانيين لمجموعة من العوامل الأخرى؛ أهمها النمو الرقمي السريع الذي تشهده المملكة، مما يخلق ثغرات يستغلها المجرمون السيبرانيون”، مضيفا أن “النمو الاقتصادي يزيد هو الآخر من استخدام التكنولوجيا، وبالتالي الزيادة في فرص الاختراق والاحتيال الإلكتروني”.
في السياق نفسه، لفت الخبير ذاته إلى أن “تطور البنيات التحتية المغربية يجعلها أهدافًا رئيسية للهجمات التي تهدف إلى تعطيل الخدمات الأساسية، قس على ذلك تطور وتوسع الشركات والمؤسسات المغربية، بما فيها المالية، على المستويين الإفريقي والدولي، ثم التوترات الجيو-سياسية وإعلان بعض الدول والمجموعات الإرهابية، منها المجاورة، عداءها للمغرب، وفشلها في التفوق عليه، وبالتالي اهتمامها بالتجسس عليه أو تعطيل أنظمته الحيوية”.
ولمواجهة هذه التحديات، شدد المتحدث لهسبريس على “أهمية تعزيز قدرات الأمن السيبراني عبر الاستثمار في تقنيات الكشف عن الهجمات السيبرانية ومنعها، وتدريب الخبراء في مجال الأمن السيبراني، ثم توعية الجمهور بالممارسات الجيدة للأمن السيبراني للحد من مخاطر التصيد الاحتيالي والهجمات الأخرى”، إضافة إلى “تعزيز السيادة الإلكترونية من خلال تشجيع إحداث سحابات مغربية وقطاعات جامعية وشركات مغربية متخصصة في مجال الدفاع السيبراني، وتطوير السياسات والتشريعات، وتعزيز التعاون الدولي على هذا المستوى”.
وأشار أبو الكلام إلى مجموعة من الدول الصديقة التي يمكن للمغرب أن يستفيد من تجربتها في الأمن الرقمي، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الخليج، وإستونيا المعروفة ببنيتها التحتية القوية للأمن السيبراني واستخدامها الرائد للحكومة الإلكترونية، ثم إسرائيل وسنغافورة وبعض الدول الاسكندينافية كالنرويج وفنلندا.