باريس – موقف رسمي عبرت عنه فرنسا اليوم الثلاثاء بخصوص قضية الصحراء المغربية، ويأتي في إطار دينامية يقودها الملك محمد السادس لوضع حد للنزاع المفتعل، لينضاف إلى مواقف الولايات المتحدة والعديد من البلدان العربية، والإفريقية والأمريكية، وبلدان الكاريبي، ودول في أوروبا؛ بما يشمل إسبانيا.
ويشكل موقف فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، تطورا هاما وبالغ الدلالة لدعم السيادة المغربية على الصحراء، وهو القرار الذي لا يمثل انتصارا على أي أحد، ولا هزيمة لأي أحد؛ بل يجسد الحقيقة التاريخية والشرعية القانونية.
وبهذا الموقف يؤكد الرئيس الفرنسي التزام فرنسا تجاه المغرب والقضية العادلة لوحدته الترابية، ويؤكد الرؤية المشتركة للبلدين، ويضخ نفسا جديدا في العلاقة الإستراتيجية التي تربطهما.
وفي هذا الإطار قال تاج الدين الحسيني، الخبير في العلاقات الدولية، إن “الرئيس ماكرون جاء واضحا جدا في رسالته حينما قال إن حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية، وهذا يعني أن الأمر يتعلق باعتراف دولة”.
وأضاف الحسيني ضمن تصريح لهسبريس أن “الأمر يرتبط باعتراف رسمي يخضع لضوابط القانون الدولي العام، الذي يعتبر رئيس الدولة أعلى نموذج لتحقيق الاعتراف بالسيادة الوطنية لدولة ما”.
وأوضح الخبير ذاته أن “الاعتراف الفرنسي له أهمية استثنائية لأن الرئيس اعتبر أن دولته أي فرنسا ستتحرك بانسجام مع هذا الموقف وطنيا ودوليا، ومنذ الآن ستصبح خريطة المملكة المغربية كاملة هي المنشورة في جميع المؤسسات والتنظيمات الوطنية الفرنسية، وسيتم التعامل مع المغرب على هذا الأساس، أي إن الصحراء جزء لا يتجزأ منه، سواء في توجيه الاستثمارات أو توقيع الاتفاقيات أو نشاطات السياحة وباقي أشكال الاستثمار”.
وأورد المتحدث ذاته: “دوليا لا أحد ينكر أن فرنسا دولة مهمة، فهي عضو دائم العضوية في مجلس الأمن، تتوفر على حق الفيتو، وعضو في مجموعة أصدقاء الصحراء، التي تتوفر على دول كبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا، ويقع على عاتقها صياغة قرارات مجلس الأمن؛ ناهيك عن كونها ترتبط بعلاقات متشابكة مع العديد من الدول، سواء في إطار المجموعة الفرانكفونية أو الاتحاد الأوروبي والتعاون الدولي وأعضاء النادي النووي الدولي”.
وشدد الحسيني على أن “هذا الاعتراف القوي والمباشر والرسمي سيكون له ما بعده”، مؤكدا أن “فرنسا تجاوزت الموقف الإسباني بكثير، إذ إن إسبانيا أشارت إلى أنها تعتبر الحكم الذاتي الأكثر جدية ومصداقية، فيما باريس تقول اليوم على لسان رئيسها إنه الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام ومتفاوض بشأنه، وبالتالي قطعت الطريق أمام أي وسائل أخرى للتسوية باستثناء ما اقترحه المغرب”.
وأكد الخبير نفسه أن “هذا النوع من الاعتراف يندرج في إطار تطبيق المقتضيات والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن منذ سنة 2007 إلى يومنا هذا”، موضحا كذلك أن “جل قرارات مجلس الأمن تتحدث عن حل سياسي واقعي، وهي العناصر نفسها التي تخص بها الحكم الذاتي وتصفه بكونه مطبوعا بالواقعية وبالجدية، وبالتالي عندما نطابق هذين الصغيتين نجد أن قرارات مجلس الأمن منذ 17 سنة تسير في الاتجاه نفسه”.
كما قال الحسيني: “فرنسا تطبق القانون الدولي، بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن ومسؤوليتها الأمنية والإستراتيجية كدولة أساسية في حلف الناتو، وبحكم عضويتها في النادي العالمي النووي”.
من جانبه قال إدريس لكريني، الخبير في العلاقات الدولية: “أعتقد أن هذا الموقف الهام الذي صدر عن فرنسا بشكل رسمي يعكس الرفض الدولي المتزايد للخيارات الانفصالية، التي أبانت عن إفلاسها في كثير من المناسبات الدولية؛ وهو يعكس كذلك الاقتناع أو القناعة بأهمية مشروع الحكم الذاتي باعتباره حلا واقعيا ومستداما لهذا النزاع”.
وتابع لكريني ضمن تصريح لهسبريس: “يمكننا كذلك أن نقول إن الموقف الفرنسي هو أيضا نتاج طبيعي لتحركات دبلوماسية مغربية مسلحة بعدالة القضية. في سياق إرساء علاقات ندية، وفي سياق إرساء شراكات متوازنة، استطاع المغرب حقيقة أن يحول الأزمات إلى فرص حقيقية، سواء مع الطرف الإسباني أو مع الطرف الفرنسي اليوم”.
وأكد الخبير ذاته بدوره أن “الموقف الفرنسي ستكون له تبعات وانعكاسات إيجابية على مسار هذه القضية العادلة، أخذا بعين الاعتبار الوزن الإقليمي والدولي لفرنسا، خصوصا أن الرئيس الفرنسي تعهد بأنه سيمضي قدما في اتجاه استحضار هذا الموقف في سلوكيات فرنسا على المستويين الإقليمي والدولي، وبالتالي ستكون لذلك انعكاسات بكل تأكيد على مواقف عدد من الدول داخل أوروبا”.
وزاد المتحدث متوقعا: “قد نكون أمام مقاربة جديدة للاتحاد الأوروبي لهذا النزاع المفتعل. ثم كذلك لا ننسى أن فرنسا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، هذا الجهاز الأممي المعني بحفظ الأمن الدولي، والمعني كذلك حصرا بتدبير هذا الملف”.
وأضاف المحلل ذاته: “طبعا ستكون هناك انعكاسات إيجابية على هذا المستوى في ما يتعلق بتبني المجلس قرارات أكثر وضوحا وتصب في مصلحة المغرب، وفي الطرح العادي الذي يدافع عنه. وأعتقد كذلك أن هذا الموقف الفرنسي ينضاف إلى كثير من المواقف الدولية الوازنة، كموقفي الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، وهو حتما سيساهم في تقزيم الطروحات الانفصالية، وسيساهم حتما أيضا في عزل البوليساريو والجزائر، خصوصا أنهما مازالا متمسكين بمقاربات متجاوزة ولم يعد لها أي أساس، إن على المستوى الواقعي أو على المستوى القانوني”.
مملكتنا.م.ش.س