حسن طارق .. المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية يبنيان الديمقراطية التشاركية

الأربعاء 2 يوليو 2025 - 13:16

يرى وسيط المملكة المغربية، الدكتور حسن طارق، أن المؤسسات الوطنية شكلت، منذ بدايات التسعينيات، تحوّلاً نوعياً في المشهد المؤسسي المغربي، إذ أضحت فضاءات جديدة للتفاعل بين الدولة والمجتمع، خارج القنوات التقليدية للتمثيل السياسي والإداري. وقد ساهمت هذه المؤسسات، بدءاً من تجربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمجلس الوطني للشباب والمستقبل، في مواكبة تطلعات مجتمع مدني صاعد، وجد لنفسه التعبيرات المناسبة لترسيخ حضوره كفاعل مستقل عن ثنائية الدولة والمجتمع السياسي.

وأورد طارق ضمن مقال توصلت به هسبريس، بعنوان: “المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني: مداخل للتفكير في آفاق جديدة للديمقراطية المغربية”، أن مسار نشوء المؤسسات الوطنية يتقاطع مع دينامية تطوّر المجتمع المدني، حيث مثّلت هذه المؤسسات تجسيداً لإرادة الدولة في تطوير آليات الحوار والمشاركة والانفتاح على المبادرة المدنية، بينما مثّل المجتمع المدني القاعدة الاجتماعية للديمقراطية التشاركية من خلال دفاعه عن المطالب المدنية وتعبيره عن حاجات المجتمع وتنظيم تطلعاته. وقد أفضى هذا التلاقي إلى بلورة فضاءات مشتركة للحوار وتقاطع الخبرات الجامعية والمطالب الجمعوية مع متطلبات التدبير العمومي.

اليوم، وفق وسيط المملكة، تُعد العلاقة بين المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني أحد مسالك تدعيم المسار الديمقراطي بالمغرب، بما تمثله من أفق مفتوح لتجديد معاني المشاركة وتطوير العلاقة بين الدولة والمجتمع. وفي هذا الإطار، يظل انفتاح مؤسسات مثل وسيط المملكة على المجتمع المدني خياراً استراتيجياً لترسيخ الثقة وتعزيز قيم الحوار المسؤول، بما يسهم في إعادة بناء معادلات الدولة والمجتمع ضمن رؤية تؤسس للحق والإنصاف والمسؤولية.

نص المقال:

لقد شكلت المؤسسات الوطنية في خريطة التطور المؤسسي المغربي، وخاصة انطلاقا من بدايات التسعينات – عندما أخذت ‏سلطة الاستشارة بعدا أكثر فعالية وتأثيرا، سواء في اتجاه صناعة السياسات أو في اتجاه تدبير الحوار العمومي – مع تجربتي ‏المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمجلس الوطني للشباب والمستقبل، لحظة مفصلية في مواكبة تطلعات مجتمع مدني ‏ناهض كان قد بدأ يجد التعبيرات المناسبة ليرسخ حضوره خارج ثنائية الدولة والمجتمع السياسي.‏

وإذا كان المجتمع المدني الناشئ حينها قد بدا محمولا فوق أجيال شابة بمطالب وأفكار جديدة وبصيغ عمل وأشكال للتعبئة ‏مبتكرة، فإن المؤسسات الوطنية في لحظة انبعاثها الثانية بعد مسار طويل من الهشاشة والتردد – امتد من بداية الاستقلال إلى ‏نهاية الثمانينات – قد شكلت عمليا أحد التحولات الكبرى للأداء المؤسسي للدولة، التي سمحت بحالة من إعادة التكيف ‏الوظيفي الذي مكن من اختراع مساحات جديدة من التفاعل بين الدولة والمجتمع خارج الدورة التقليدية لاستقبال ومعالجة ‏الطلب الاجتماعي.‏

في الواقع، فإن ما يجمع بين سياقات نشأة كل من المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني في التاريخ الراهن للمغرب السياسي ‏ليس مجرد تزامن فاقد للدلالة، بل هو في العمق انسجام بين ديناميتي تطور المجتمع من جهة والدولة من جهة أخرى. لقد ‏أفضى ذلك إلى استثمار الذكاء الجماعي في بلورة فضاءات مشتركة للحوار والتقاسم والإدماج والمشاركة والانفتاح، تسمح ‏داخل سقف المشترك الوطني وبعيدا عن إكراهات الزمن الانتخابي بتقاطع حجج التدبير العمومي مع الخبرة الجامعية ‏والمطالب المدنية.‏

إذا كان المجتمع المدني هو القاعدة الاجتماعية للديمقراطية التشاركية، من زاوية الطلب الجمعوي والمواطناتي على المشاركة، ‏والتأثير في السياسات والدفاع عن حاجة المجتمع للتنظيم، وهيكلة تطلعاته، ومنحها صوتا مسموعا داخل الفضاء العمومي، ‏فإن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وضمنها هيئات الوساطة، تمثل تعبيرا مؤسسيا لهذه الديمقراطية التشاركية وتجسيد لهذا ‏الطلب على المشاركة والتأثير في القرار العمومي.‏

يبدو المجتمع المدني من حيث الهوية والاهتمامات والطبيعة العضوية، هو الأقرب للمؤسسات الوطنية باعتبارها ابتكارا في ‏دينامية تحولات هندسة الدولة الوطنية، يسمح في العمق بتأمين أشكال جديدة للتفاعل مع المجتمع، خارج ما تضمنه تقليديا ‏القنوات الانتخابية والسياسية، أو الآليات الإدارية والتنظيمية، منفتحة بذلك على صيغ للمشاركة المواطنة خارج دورات ولاية ‏التمثيل النيابي أو مساطر التأطير الإداري المباشر.‏

ليس من الغريب أن هيئات الوساطة، في الكثير من التجارب المقارنة، تعتمد على منظومة دعم متكامل من فعاليات المجتمع ‏المدني لتمثيلها في نقط القرب المحلي من المرتفقين، حيث يصبح المجتمع المدني بمثابة امتداد عضوي ووظيفي للوساطة ‏المؤسساتية.

وغير بعيد عن ذلك، تمثل تجربة المجلس الوطني لحقوق الإنسان على مستوى العضوية المركزية بالمجلس أو عضوية اللجان ‏المحلية، حالة لمأسسة انفتاح منظم لهيئات الحكامة على فعاليات المجتمع المدني.‏

في مرجعية ذلك، يصبح هذا الانفتاح في الوقت نفسه مؤشرا على فعالية المؤسسات الوطنية ذات الطبيعة الحقوقية وأحد ‏عناصر تقييم أدائها وهندسة بنائها التنظيمي، وكذا دليلا على استقلالياتها؛ ذلك أن ارتباطها بدينامية المجتمع وجعلها آلية منفتحة على المبادرة المدنية والمواطنة يبقى في الخلاصة عنصرا من عناصر ‏تحصين هويتها الاستقلالية.‏

لا بد في هذا السياق من استحضار مقتضيات المادة 18 من القانون رقم 14.16 المنظم لمؤسسة وسيط المملكة، التي تمكن ‏الجمعيات – إضافة إلى أعضاء البرلمان ورؤساء الإدارات وهيئات الحكامة – من الحق في إحالة التظلمات الموجهة إليهم، التي ‏تدخل ضمن مهام وصلاحيات الوسيط، على أنظار المؤسسة.‏

إن استحضار تزامن سياقيْ انبثاق المجتمع المدني وبروز الظاهرة المؤسساتية للمجالس الوطنية كتطوير لتقليد الاستشارة، لا ‏ينبغي أن يحجب النظر إلى زوايا أخرى للتقاطعات التي تجمع الديناميتين في الزمن المغربي للعقود الأربعة الماضية.‏

وفي هذا الإطار، استندت المؤسسات الوطنية في تأطير مواردها البشرية (‏le personnel administratif‎‏) وقيادة برامج ‏عملها إلى العديد من الأطر التي تلقت تكوينها في مدرسة المجتمع المدني، بعد أن استأنست بمهارات الفعل الجمعوي في ‏التواصل، والترافع، والتأطير، والتكوين، وبعد أن تشبعت – أساسا – بقيم الالتزام من أجل قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ‏والتنمية.‏

كما يظهر أثر ذلك جليا في مخرجات وأدبيات وتقارير هذه المؤسسات، التي تأثرت بتقاليد البحث العملي «‏la ‎recherche-action‏» التي طورتها التجارب الرائدة داخل الحقل الجمعوي المغربي، في سياق تفاعلها الترافعي ‏واستراتيجيات التأثير التي اعتمدتها في العلاقة بالسياسات العمومية.‏

وإذا كان من الضروري – في سياق معين – تقييم الأداء العام لهذه المؤسسات الوطنية، فلا شك أن المتتبعين سيقفون على ‏تشخيص أولي يتمثل في ارتكازها – من البدايات إلى تكريس الحضور داخل النسيج الوطني – على ثلاث رافعات مركزية هي: ‏الخبرة الجامعية، والتراكم البشري والتنظيمي للإدارة المغربية، بالإضافة طبعا إلى التقليد الجمعوي للمدارس الكبرى للمجتمع ‏المدني منذ بدايات الاستقلال (الجمعيات التربوية، الحركة الحقوقية والنسائية، منعطف “الفضاء الجمعوي”، الديناميات ‏المحلية/التنموية…).‏

ولا شك، من جهة أخرى، أن الانخراط المغربي رسميا ومدنيا في تمرين أممي مثل آلية الاستعراض الدوري الشامل على ‏مستوى مجلس حقوق الإنسان، أو في العديد من الواجهات الدولية الأخرى، قد سمح بدوره بالكثير من التقارب بين المجتمع ‏المدني والمؤسسات الوطنية الحقوقية، وعلى مستوى إنتاج المقاربات والخطاب وبلورة اللغة والمرجعيات المعيارية ‏والمنهجية.‏

ولعل عمق هذا التقارب يتعلق في الواقع، في دينامية التحول الذي عرفته تجربة المجتمع المدني المغربي وهو ينتقل من نمط ‏من التعبئة قائم على مركزية القيم والمشروع المجتمعي، ضمن ما يعرف بجمعيات “الفكرة”، إلى نمط أكثر اشتباكا مع واقع ‏السياسات، تتبعا وتقييما وترافعا وبحثا عن التأثير. وهذا ما أوجد عمليا قاعدة واسعة للمشترك الذي يجمع الممارسة المدنية ‏التي باتت أكثر ارتباطا بمخرجات الفعل العمومي الوطني أو المحلي، بالمؤسسات الوطنية المنشغلة بالأساس بتأطير الحوار ‏العمومي حول السياسات، بمرجعية حقوقية ومعيارية.‏

ضمن مسار هذا التأمل، تتبدى العلاقة بين المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية كأفق مفتوح لا يكتمل عند حدود النصوص أو ‏الترتيبات الشكلية، وإنما يمتد في جوهره إلى تلك اللحظة التي يلتقي فيها العقل الجمعي بإرادة الإصلاح، فيصوغ وعيا ‏مشتركا يعيد تعريف معاني المشاركة ويحررها من عوائق التردد والانتظارية. وفي هذا التلاقي تتأسس إمكانات المعنى ‏العميق للديمقراطية كتعاقد دائم على تجديد العلاقة بين الدولة ومجتمعها، حيث تُصبح التقاطعات بين الاجتهاد المدني، والانفتاح ‏المؤسسي، إسهاما لافتاً في كتابة سيرة ذكاء جماعي تنيرها قيم الحق والإنصاف والمسؤولية.‏

ولعل هذه العلاقة، وهي تتأطر بالضرورة ضمن العنوان الكبير للعلاقة بين الدولة والمجتمع، تبدو أكثر انتماءً للمستقبل، ‏بالمعنى الذي يجعلها أحد مسالك تدعيم المسار الديمقراطي، من مدخل المشاركة المدنية، وبالمعنى كذلك الذي يجعلها إمكانية ‏تاريخية لإعادة بناء وترتيب معادلات الدولة والمجتمع، من زاوية المؤسسات الوطنية باعتبارها المكون الدستوري الذي يقوم ‏شرطه الوظيفي على القرب من تعبيرات المجتمع وحساسياته، ومن زاوية المجتمع المدني الذي تنهض فكرته الأصلية على ‏تمثل أدوار الوساطة بين انتظارات ومطالب المجتمع وبين أجوبة الدولة وسياساتها.‏

ضمن هذا الأفق، سيظل انفتاح مؤسسة وسيط المملكة على المجتمع المدني خيارا أصيلا، يجسد اليد الممدودة للحوار المسؤول، ‏ويرسخ الثقة كقيمة تؤسس لآفاق أرحب للتلاقي بين الدولة والمجتمع.‏

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الخميس 3 يوليو 2025 - 08:39

برنامج الدعم الاجتماعي المباشر سجل مستوى رضا عام يصل إلى 87.46 بالمائة (مسؤول)

الخميس 3 يوليو 2025 - 08:09

المغرب يسجل تطورات “انحراف حراري” في بيانات شهر يونيو الماضي

الخميس 3 يوليو 2025 - 00:04

انطلاق فعاليات النسخة الثانية من معرض المغرب لصناعة الألعاب الإلكترونية بالرباط

الأربعاء 2 يوليو 2025 - 22:30

الحاجب .. إطلاق تشغيل المشروع الهيدروفلاحي لحماية سهل سايس