محمود هرواك
في سماء الطرب العربي، ووسط زحام الأصوات المتنافرة، تطلّ دنيا بطمة كما تطلّ شمعة لا تخشى الريح، أو كما يتوهج الكوكب في حضرة شمسٍ تغار من بريقه. هي الحكاية التي بدأت من أزقة المغرب الموشّاة بملح الأطلسي، وامتدت لتصير نشيداً تتناقله الحناجر من الرباط إلى الخليج.
من بذرة إلى شجرة وارفة
لم تولد دنيا بطمة فنانة عابرة؛ وُلدت مشروعاً، قدراً، نشيداً مسافراً. منذ انطلاقتها عبر برنامج آراب آيدول، أدرك الجمهور أن بين يديه صوتاً غير عادي، صوتاً يذكرهم بالليالي الأندلسية حيث كانت القصور تفيض طرباً، وبالأسواق الشعبية حيث يغني البسطاء للفرح والحب والقدر. تلك اللحظة كانت الشرارة التي جعلت من دنيا اسماً يتردد في المحافل الكبرى، وتحوّلت مع الوقت إلى مدرسة غنائية لها هوية خاصة، تنسجها من طابع مغربي أصيل يغازل المشرق العربي.
العاصفة … ثم الشروق
ولأن الأساطير لا تكتمل إلا بالامتحانات، عرفت دنيا بطمة سنوات قاسية تخللتها العواصف، بلغت ذروتها عند تجربة السجن. غير أن هذه المحطة لم تكن سوى امتحانٍ روحي، كسفر صوفي في دهاليز النفس، حيث يخرج المرء أنقى وأقوى. خرجت دنيا كما تخرج العنقاء من رمادها: بابتسامة لا تعرف الانكسار، وبإصرار يجعل الأعداء يتوارون في الظلال.
هي لم تعد تلك الفتاة الصاعدة فحسب، بل صارت امرأة تعرف قدرها، وجماهير تلتف حولها، وصوتاً يفرض حضوره رغم كل الضوضاء. إنها معادلة قلّما يمنحها القدر لفنان: شعبية جارفة وحضور أسطوري، في زمن تذوب فيه النجومية سريعاً.
حفلات تكتسح … وجمهور يصفق بحب
اليوم، حين تصعد دنيا بطمة إلى منصات الحفلات، لا تصعد وحدها؛ تصعد معها ذاكرة المغرب، وملامح مراكش، وعبق الأندلس. تتمايل الأضواء معها، ويصفق الجمهور كما لو أنه يعلن البيعة لفنها. في الخليج كما في المغرب، في المشرق كما في أوروبا، تُستقبل دنيا بلهفة وكأنها سيدة الحفل التي طال انتظارها.
ليس غريباً أن يتحدث الفنانون عن غيرتهم منها، فنجاحها لا يُقاس بالأرقام وحدها، بل بالهالة التي تسبقها إلى أي مكان.
نضج التجربة … وأفق المستقبل
بعد العواصف، بدا أن دنيا تدخل مرحلة جديدة: نضج فني وشخصي. صارت تختار أغانيها كما يختار الحكيم كلماته، وتتعامل مع فنها باعتباره رسالة وطنية قبل أن يكون مهنة. للمغرب مكانة في قلبها تتجلى في كل إطلالة، في كل أغنية، في كل كلمة تعلن فيها أن حبها لوطنها أكبر من أي جغرافيا.
أما المستقبل، فهو عند دنيا بطمة ليس سوى امتداد لحلم أكبر: مشاريع فنية عالمية، تعاونات كبرى، وتأكيد أنها ليست مجرد صوت عابر، بل أسطورة في طور التدوين.
ابتسامة التحدي !
يقولون: “لا تحزن إن فرّقك القدر عن بعضهم، إنهم مجرد أوراق في فصلك، أما جذعك فهو أنت.”
وهكذا فعلت دنيا: لم تجعل الأعداء أو الشائعات يسرقون بريقها. بسمتها اليوم ليست زينة عابرة، بل إعلان تحدٍّ ورسالة لكل من يترصدها: أن الفن لا يُهزم، وأن الأصوات الحقيقية تعيش أطول من الضوضاء.
مسك الختام الأسطورة التي تُكتب الآن !
في زمنٍ يتغير بسرعة الضوء، حيث تُستهلك النجوم كما تُستهلك الأخبار، تبقى دنيا بطمة قصة مختلفة. هي الفنانة التي تعلّمت كيف تصنع من ألمها جناحين، وكيف تكتب تاريخها وسط أمواجٍ عاتية. إنّها الشجرة التي لم تنحنِ، والنغمة التي لم تنطفئ، والأسطورة التي لا تزال تُكتب فصولها بمدادٍ من المجد.
لقد خرجت من السجن، نعم… لكن الحقيقة أن السجن هو من خرج منها، تاركاً إياها أكثر صلابة، أكثر إشراقاً، وأكثر التصاقاً بالجمهور الذي أحبها.
وإذا كان الفن في جوهره هو القدرة على إعادة صياغة الوجود بلغة الجمال، فإن دنيا بطمة هي إحدى لغات هذا الوجود… لغة لا تشيخ، بل تزداد فتنةً مع الزمن.
مملكتنا.م.ش.س