وسط موجة متسارعة من الانتكاسات التي عصفت بمشروعها أمام تصارع طموحات قيادتها الانفصالية مع قيود الواقع المغربي في الصحراء، اختارت جبهة البوليساريو تأجيل عقد المؤتمر السابع عشر للجبهة لمدة عام كامل، وذلك خلال دورة طارئة عقدتها مطلع الأسبوع الجاري، بقيادة إبراهيم غالي الطامح إلى الاستمرار على رأس القيادة.
وأشارت ما تسمى “الأمانة الوطنية” للجبهة، في بيان، إلى أنها تطرقت إلى “الاستحقاقات العديدة خلال باقي السنة الجارية والسنة المقبلة، وتوقفت عند التطورات الخطيرة على المستويات الدولية والجهوية، وجسامة التحديات التي تواجه القضية الوطنية”، معتبرة أن “كل هذه المعطيات والحقائق تتطلب من الشعب الصحراوي استغلال كل الاستحقاقات والمناسبات الوطنية المقبلة لجعلها محطات تعبئة وتجنيد، في كل ساحات الفعل الوطني، في الداخل كما في الخارج، والالتفاف بكل قوة حول مبادئ وأهداف ممثله الشرعي والوحيد، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، حسب تعبير البيان.
انطباع بالسيطرة
قال مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، قيادي عسكري سابق في جبهة البوليساريو، إنه “إذا استثنينا مؤتمرات حالات شغور منصب الأمين العام للجبهة، فإن جميع مؤتمرات الجبهة كان يُمدد لها سنة؛ لأن الهدف منها هو التجديد للقيادة وأن تستمر البوليساريو في حكم المخيمات”، مضيفا أن “البوليساريو لم تدعُ قط إلى مؤتمر استثنائي لمناقشة قضية طارئة ولم يُتخذ قرار قط في قضية مصيرية في مؤتمر عادي”.
وأوضح ولد سيدي مولود، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “رسالة قيادة البوليساريو من تأجيل المؤتمر، وقد كانت مطالبةً شعبيا بمؤتمر استثنائي منذ عام، هي أن تعطي الانطباع بأن كل الأمور تحت سيطرتها وأنها تدير ملف النزاع بشكل جيد، وبالتالي ليس هناك ما يستدعي عقد المؤتمر في آجاله القانونية”.
وأضاف أن “اتخاذ قرار تأجيل المؤتمر بعد زيارة المبعوث الأممي للصحراء إلى المخيمات وقبل شهر من انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي حول الصحراء، يحتمل إحدى القراءتين: فإما أن البوليساريو لديها معطيات بأنه لا جديد سيطرأ في جلسة مجلس الأمن المنتظرة، أو أنها تريد إرسال رسالة إلى الداخل بأن الأمور تسير كما تريدها الجبهة ولا داعي للقلق، وإلى الخارج بأن البوليساريو لن تتأثر بأية قرارات لا تتواءم مع أهدافها”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “الأهم عند قادة البوليساريو هو استمرار حكمهم في المخيمات، أما القضية فهي في يد الجزائر تديرها كيف ما تشاء”، مسجلا أن “زعيم البوليساريو لا يمكن منافسته، خاصة وأنه وحده من يملك كل صلاحيات التعيين في المناصب وتوزيع المنافع، ولو كانت الانتخابات في المؤتمر عامة لأمكن الحديث عن منافسة، أما وأنها محصورة على حوالي 2000 مندوب، أغلبهم منتقون، فالنتيجة معلومة مسبقًا، أي إن تغيير القيادة يكون دائما رهين حالة الشغور أو وجود إدارة جزائرية لذلك”.
نقاش داخلي
أوضح عبد الفتاح فاتيحي، مدير “مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية”، أن “تأجيل المؤتمر مؤشر على وجود نقاش داخلي قد يعصف باستمرارية القيادة الحالية على رأس الجبهة، التي تحاول أن تخفي هذا النقاش الحقيقي الذي بدأ يطرح حتى من طرف أصوات كانت تعد من النخبة التقليدية لهذه الجبهة الانفصالية، والتي باتت تطالب بإعادة النظر في العديد من المواقف الراديكالية والإذعان لواقع التطورات الإقليمية والدولية”.
وشرح فاتيحي أنه “لا يمكن الحديث عن مؤتمر ناجح في ظل الظروف الراهنة والمواقف الدولية التي تدفع باتجاه تبني مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية كحل وحيد لطي هذا النزاع الإقليمي”، مبرزا أن “البوليساريو تعيش اليوم وضعا سياسيا وخارجيا غير مسبوق في تاريخها إثر توالي سلسلة الاعترافات بمغربية الصحراء وفقدان الأطروحة الانفصالية الزخم الذي كانت عليه، إلى انكشاف ارتباطاتها المشبوهة بالحركات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة في الساحل”.
وأبرز المصرح لهسبريس أن “الجهة تعاني أيضا من ضغط سياسي داخلي حاد مرتبط بتنامي السخط الشعبي داخل المخيمات من ممارسات القيادات واستمرار نهبها للمساعدات الإنسانية. وبالتالي، فإن القيادة الحالية تدرك أن أي إجراء لأي مؤتمر في الوقت الحالي لا يمكن أن يأتي إلا بنتائج عكسية لطموحاتها. وبالتالي، فهي تحاول تهريب موعده إلى وقت لاحق”.
وخلص فاتيحي إلى أن “قرار البوليساريو تأجيل مؤتمرها ليس مجرد خطوة تنظيمية عابرة، بل هو أسلوب مألوف لإدارة الأزمات الداخلية والتحديات المتراكمة، وإعادة ضبط الأصوات السياسية على المستوى الداخلي، ما يكشف هشاشة مركز القرار لدى البوليساريو، ويعكس افتقارها إلى القدرة على تقديم حلول جديدة بعيدا عن المواقف الراديكالية، وهو ما يجعلها تعتمد على التأجيل كآلية مؤقتة لامتصاص الصدمة وإعادة تنظيم الصفوف”.
مملكتنا.م.ش.س