الأمم المتحدة – تشكل مسألة استخدام حق النقض (الفيتو) الذي تمتلكه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والذي يخول لها إسقاط أي قرار من دون إبداء أي سبب، أداة مركزية في إدارة الصراعات الدولية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشاريع القرارات ذات البعد الإقليمي أو الدولي الحساس، كمشروع القرار الأمريكي المتعلق بالصحراء المغربية، الذي تراهن البوليساريو ومعها الجزائر على تدخل روسي أو صيني لإجهاضه، وهو ما بدا جليا من رسالة “ممثل” الجبهة الانفصالية لدى الأمم المتحدة إلى فاسيلي نيبينزيا، السفير الروسي الدائم لدى هذه الأخيرة الرئيس الحالي لمجلس الأمن، ثم الاتصال الهاتفي الأخير بين وزيري الخارجية الروسي والجزائري.
وعلى الرغم من القوة النظرية لهذا الحق، إلا أن التاريخ الدبلوماسي يوضح أن الدول، ومنها روسيا والصين، اعتمدت استراتيجية انتقائية في ممارسته في السنوات الأخيرة؛ إذ استخدمته موسكو في مناسبات عديدة ضد قرارات متعلقة بـ”سوريا الأسد” وأوكرانيا، فيما استخدمته بكين، التي لا تميل إلى ممارسة هذا الحق، لدعم توجهات حليفها الروسي في بعض الملفات أو لحماية مصالحها ومصالح بعض حلفائها.
ويستبعد خبراء في العلاقات الدولية، تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن، لجوء الصين أو روسيا لاستعمال حق النقض ضد أي قرار أممي ينتصر لحل الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، خاصة في ظل المصالح الكبيرة التي تربطهما بالمغرب على المستوى الاقتصادي، ثم تبني الرباط سياسة متوازنة وغير منحازة في ملف الحرب في أوكرانيا باعتراف وزير الخارجية الروسي نفسه، إلى جانب التزامها بمبدأ “الصين الواحدة” في قضية تايوان، وهي كلها معطيات تجعل أي تدخل سلبي من جانب موسكو أو بكين مكلفا لهما من الناحية الدبلوماسية والاقتصادية، ويضر بصورتهما كقوتين دوليتين تحرصان على الأمن والاستقرار في العالم.
رؤية ومصالح
قال محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، إن “مشروع القرار الأمريكي المقدم إلى مجلس الأمن، الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، يشكل محطة دبلوماسية محورية تؤكد التحول الواضح في مواقف المجتمع الدولي نحو تبنّي مقاربة واقعية لمعالجة هذا النزاع الإقليمي. لذلك، فالمبادرة المغربية، التي قدمها المغرب سنة 2007، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، لم تعد اقتراحا تفاوضيا فحسب، بل أصبحت الإطار المرجعي الأساسي للحل السياسي الممكن، لما تحمله من ضمانات للكرامة والتنمية والاستقرار”.
وأضاف عطيف، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا التوجه الأمريكي يعكس إدراك القوى الكبرى المتزايد لقدرة المغرب على توفير بيئة سليمة وآمنة في منطقة حيوية من العالم، باعتباره طرفا جادا وفاعلا مسؤولا”، مؤكّدا أن “دعم واشنطن لهذه المبادرة يندرج ضمن رؤية استراتيجية أوسع لإعادة التوازن في شمال إفريقيا، حيث يُعتبر المغرب حليفا موثوقا يتمتع بالاستقرار السياسي والمصداقية الدبلوماسية. ومن هذا المنطلق، يسعى مشروع القرار الأمريكي الجديد إلى تثبيت هذا الاعتراف ضمن الشرعية الدولية، وتوجيه رسالة واضحة بأن مقاربة المغرب للحل تحظى بدعم متنام ومتعدد الأطراف”.
أما على صعيد المواقف الدولية الأخرى، فقد شدد الأستاذ الجامعي ذاته على أن “احتمال لجوء روسيا أو الصين لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار الأمريكي، يبدو غير وارد عمليا؛ بحيث تبنت روسيا في السنوات الأخيرة نهجا أكثر براغماتية، مفضلة الامتناع عن التصويت للحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المغربية، في حين تعبر الصين عن دعم ثابت لمبدأ السيادة ووحدة الدول الترابية، ما يجعل موقفها أقرب إلى روح المبادرة المغربية. فضلا عن ذلك، هناك مصالح اقتصادية واستثمارية لموسكو وبكين مع المغرب، لا سيما في مجالات الطاقة والبنية التحتية، تمنعهما من تعطيل مسار أممي يخدم الاستقرار الضروري لتعزيز نفوذهما في إفريقيا”.
وخلص عطيف إلى أن “التحليل الموضوعي للتطورات الراهنة يُظهر أن ميزان الدبلوماسية يميل لصالح المغرب، الذي نجح في ترسيخ قضيته الوطنية ضمن منطق الشرعية الدولية، معتمدا على دبلوماسية هادئة وفعالة، ومشروع تنموي شامل في أقاليمه الجنوبية. والجدير بالذكر أن المغرب قد انتقل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة المبادرة، مقدما نموذجا يحتذى به في الجمع بين الواقعية السياسية والتنمية الميدانية. وبالتالي، يمثل مشروع القرار الأمريكي تأكيدا دوليا على أن الحل السياسي الواقعي والمستدام يكمن في مبادرة الحكم الذاتي المغربية، باعتبارها الخيار الوحيد القادر على تحقيق السلم والاستقرار في شمال إفريقيا”.
مخاطر ومواقف
أوضح جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أنه “بالنظر إلى مضمون مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن، باعتبار واشنطن صاحبة القلم، الذي وزعته على أعضاء المجلس والمؤيد لخطة الحكم الذاتي المغربية، فإن احتمال استخدام روسيا أو الصين للفيتو يبقى واردا، ذلك أن مجلس الأمن يعد ساحة سياسية تستخدم فيها الملفات المعروضة كأوراق ومساومة وضغط على المستوى الدولي، زد على ذلك علاقات روسيا المتوترة مع أمريكا بسبب الحرب في أوكرانيا، حيث إن استخدام الفيتو سيزعج أمريكا ويظهر قدرة الدولة الروسية على التأثير في النفوذ الأمريكي في المنطقة”.
في المقابل، شدد المصرح لهسبريس على أن “السيناريو المرجح بالنظر لسلوك الدولتين في ملف الصحراء ومصالحهما الحالية، هو السماح بتمرير هذا القرار مع بعض التعديلات وامتناعهما عن التصويت؛ هذا السيناريو سيجنب الطرفين أي مواجهة ولا يظهرهما كمعرقلين لمسار التسوية، كما أن التعديل المحتمل سيظهر أن القرار لم يمر كما أرادته واشنطن”.
وتابع: “السيناريو الآخر هو امتناع الصين وروسيا عن التصويت بدون تعديلات جوهرية، وهذا السيناريو في نظري مستبعد؛ إذ سيظهر البلدين على توافق تام مع أمريكا، وهي مسألة غير صحيحة بالنظر إلى واقع العلاقات الحالية”، مبرزا أن “السيناريو الأقل ترجيحا هو إشهار الفيتو الروسي والصيني؛ هذا الأمرُ إذا تمَّ له مخاطر كبيرة لموسكو وبكين، سيفهم كتصعيد مباشر ضد أمريكا وحلفائها، كفرنسا وإسبانيا، الداعمين لمقترح الحكم الذاتي، بالإضافة إلى أن ملف الصحراء ليس حيويا للبلدين كتايوان بالنسبة للصين أو أوكرانيا بالنسبة لروسيا”.
وقال القسمي: “من المنظور الواقعي في العلاقات الدولية، فإن أي تحرك أمريكي لدعم حليف استراتيجي كالمغرب قد يفهم كخطوة أمريكية لتوسيع هيمنتها في منطقة شمال إفريقيا، إلا أن هناك أسبابا ترجح عدم استخدام أي من البلدين حق النقض؛ فالمغرب طور مع روسيا علاقات مهمة في قطاعات عديدة، دون أن ننسى موقفه المتوازن وعد انضمامه للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، وهو ما ثمنته الدولة الروسية وساهم في تعميق علاقات البلدين التي كان آخر فصولها التوقيع على اتفاق مهم للصيد البحري. أما بالنسبة للصين، فقد التزم المغرب في مبادئ سياسته الخارجية مبدأ ‘الصين الواحدة’؛ إذ يعترف بسيادة الصين على تايوان، وهي القضية الأكثر قدسية لبكين، وبالتالي فمن المستبعد أن تستخدم الصين الفيتو في قضية السيادة الأولى لدولة تحترم سيادتها”.
![]()



