السياسة لا تحترم البكّائين .. الجزائر تخرج بـ”خفّي حنين” من مجلس الأمن .. فهل سقطت أخيرًا أسطورة “المناورات العاطفية” ؟

الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 - 16:49

محمود هرواك

خرجت الجزائر من مجلس الأمن مثل من يعود من رحلة العمر بخفّي حُنين! سنتان من التمثيل الدبلوماسي انتهتا كما تنتهي العواصف العاطفية في روايات رديئة: ضجيج كثير وانتصارٌ لا يجيء.

منذ اللحظة الأولى، حاولت الجزائر استغلال ورقة فلسطين، لا حبًّا في فلسطين، بل حبًّا في اختراق أروقة مجلس الأمن وتلميع صورتها أمام المنظمات الحقوقية والصحافة الدولية. وقد انطلت الحيلة في البداية؛ فتعاطفت بعض المنظمات معها وكأنها فجأة أصبحت وصيّة على العدالة الكونية. لكن ما حصل لم يكن سوى تعاطف عابر… مثل شفقة رجل على امرأة يتقن البكاء أكثر مما تتقن الحب!
ثم انتقلت الجزائر إلى الورقة الثانية: الاستعراض الدرامي باسم الدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير. كثرت الاجتماعات التي دعا إليها ممثلها أثناء الحرب على غزة، وتحولت أروقة الأمم المتحدة إلى مسرح هوليوودي، بطلُه من ورق، ودموعه من ملح رخيص، وكاميراته تبحث عن تصفيق لا عن حلّ.
كانت الجزائر تتخيل أن هذا “البطولة المصطنعة” ستتحول لاحقًا إلى رصيد دبلوماسي يمكن استثماره في ملف الصحراء المغربية… لكن السياسة لا تشبه روايات الخيال، والدبلوماسية لا تكافئ الممثلين..
وبعد كل ذلك الحشد والضجيج، فشلت الجزائر للسنة الثانية على التوالي في فرض رؤيتها بشأن الصحراء، وغابت مرة أخرى عن التصويت. بل ازداد الفشل مرارة هذه السنة بعد صدور قرار مجلس الأمن الذي أكّد بوضوح أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الإطار الوحيد للتسوية، تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية.
هنا سقط القناع تمامًا… فبعد أيام قليلة من خروجها من مجلس الأمن، سارعت الجزائر للتصويت لصالح مشروع قرار أمريكي رفضته الفصائل الفلسطينية نفسها، تلك التي طالما تغنت بها وتباهت بصداقتها. في لحظة واحدة، بدا كل التاريخ الكاذب عاريًا… كانت فلسطين وسيلة، لا قضية.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد. لقد حاولت الجزائر أيضًا التقرب من ترامب؛ تمنَّت أن يضعها في قائمة “الأصدقاء الجدد” للبيت الأبيض، أن يربّت على كتفها كما فعل مع دول عربية أخرى دعمت سياسته. لكن ترامب مثل التاريخ لا ينسى.. وحين وجّه شكره إلى الدول العربية التي ساهمت في جهود السلام، شكر الجميع… واستثنى الجزائر. لم يذكر اسمها. لم يلمّح إليها. كانت كأنها غير موجودة في دفتر الحلفاء الجدد.
إنه أسوأ عقاب يمكن أن يُوجَّه لدولة تحلم بالاعتراف: التجاهل.
هكذا انكشف كل شيء:
فلسطين كانت قناعًا، والصحراء كانت الهوس الحقيقي.
وحين يتعلق الأمر بالصحراء، تتحرك الجزائر بجنون العاشق المستعد لحرق العالم: وزير خارجيتها، رئيسها، مندوبها الدائم، سفراؤها، إعلامها، صحافتها، ومرتزقتها.
تهديد بالحرب… ضجيج… تعبئة… رسائل… اتصالات… كواليس… ضغوط… بيانات… ثم في النهاية: امتناع عن التصويت.
ومع ذلك تستمر في الحملة الدبلوماسية بعد صدور القرار، متوهمة أن الإعلام قادر على تغيير الجغرافيا والتاريخ.

السياسة في معناها الحقيقي ليست حلبة صراخ ولا لعبة استعراض. السياسة خطط طويلة النفس، لا دموع على المسرح. السياسة لا تحترم الدول التي تغيّر مواقفها كما يغيّر المرء جواربه، ولا تلك التي تقطع علاقاتها الدبلوماسية كما لو كانت في خصام مع جار في الحيّ.
ولهذا لم تعد الدول تعتبر الجزائر شريكًا موثوقًا. دولة يمكنها أن توقّع اتفاقيات اليوم وتقطعها غدًا. أن تمدح دولة صباحًا وتسبّ رئيسها مساء. أن تستدعي سفيرًا في لحظة غضب، وترسل وفدًا في لحظة ضعف. أن توظف الجماعات المسلحة وتتهم غيرها بالإرهاب.
ولهذا أيضًا اختار الاتحاد الأوروبي الانحياز للمغرب؛ لأنه لا يمكن لدول العالم أن تراهن على دولة تتصرف بالانفعال والقفز والمزايدات العاطفية. المغرب بنى علاقاته الدولية على الاستمرارية والاتزان والرؤية الاستراتيجية، فخرج من منطقة الحياد الرمادي وأصبح شريكًا موثوقًا لواجهة أوروبا والعالم.

سقطت الجزائر من سفينة فلسطين حين احترقت ورقتها، ومن سفينة ترامب حين لم تُستدعَ إلى الطاولة، ومن مجلس الأمن حين فشلت في التأثير على قراراته.
خرجت بخفّي حنين، لأن العالم لا يجازي الممثلين، بل الجادّين.
ولأن السياسة مثل الحب لا تمنح قلبها لمن يُتقن البكاء، بل لمن يُتقن الوفاء!

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الإثنين 17 نوفمبر 2025 - 09:56

تباين تصريحات البوليساريو يعكس هشاشة القيادة وتزايد الضغوط الدولية

الأحد 16 نوفمبر 2025 - 21:01

صحراويون يراسلون المبعوث الأممي

الأحد 16 نوفمبر 2025 - 11:51

الحكومة تواصل تنزيل برامجها وتضع التنمية الترابية في صلب دينامية “المغرب الصاعد” (السيد أخنوش)

الإثنين 10 نوفمبر 2025 - 20:53

الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية لجلالة الملك من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي (تصريحات)