مدريد ــ يبدو أن إسبانيا قررت القطع مع ممارسات نشطاء جبهة “البوليساريو” فوق أراضيها الذين ألفوا خرق القوانين الداخلية لهذا البلد الأوروبي جهارا نهارا، بعدما كانوا يحتمون تحت مظلة الموقف الإسباني السابق من قضية الصحراء المغربية والذي كان يعد مكسبا قويا بالنسبة لهم ولقياداتهم، قبل أن تسطع شمس الدبلوماسية المغربية في سماء مدريد كاشفة عن موقف إسباني تاريخي جديد داعم للمغرب، على الرغم من المحاولات الانفصالية لحجبه بغربال الادعاءات والضغوطات؛ بل وحتى الاستجداءات أحيانا.
وفي هذا الصدد، رفضت السلطات الإسبانية تجديد إقامة الناشطة الانفصالية أميناتو حيدر التي طالما ارتدت لحاف الدفاع عن حقوق الإنسان خدمة لأجندة سياسية معروفة لم تعد تخفى على أحد، حيث أكدت وسائل إعلام إسبانية وأخرى محسوبة على “البوليساريو” خبر رفض تجديد إقامة الناشطة سالفة الذكر.
واعتبرت أميناتو حيدر، عن طريق محاميتها الناشطة في صفوف التنظيمات الموالية للجبهة هي الأخرى والمسماة “فاطمة محمد سالم”، أن الأمر يتعلق بـ”قرار سياسي”، مستنكرة ما اعتبرته “عدم أخذ السلطات الإسبانية للوضعية الاعتبارية للناشطة كونها مدافعة عن حقوق الإنسان”، معلنة في الوقت ذاته عن عزمها الطعن في هذا القرار.
ضغط انفصالي ومناعة إسبانية
في قراءته لهذه الخطوة الإسبانية، قال سعيد إدى حسن، محلل سياسي مختص في العلاقات المغربية الإسبانية، إن “قضية أميناتو حيدر تعكس مدى عدم احترام نشطاء جبهة “البوليساريو” للقانون الإسباني؛ ذلك أنها إنما خرقت قانون الإقامة في إسبانيا بمكوثها خارج هذا البلد الأوروبي لمدة طويلة”، مسجلا أن “القانون الإسباني واضح في هذا الإطار؛ وبالتالي فإن عدم تجديد إقامتها كان لأسباب قانونية أكثر منها سياسية”.
وأضاف إدى حسن أن “حيدر حصلت، سنة 2009، على إقامة لأسباب إنسانية من أجل التطبيب؛ غير أن استغلتها، وعلى غرار ما فعله الكثيرون من نشطاء هذه الجبهة الانفصالية، لممارسة أنشطة سياسية بل وممارسة الضغط على الحكومات الإسبانية”، موضحا أن “السلطات الإسبانية كانت تغض الطرف عن هذه المسألة لاعتبارات عديدة؛ منها أساسا الدعم الذي كانت تحظى به الجبهة لدى بعض القوى السياسية”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “محامية حيدر، الناشطة هي الأخرى في صفوف الجبهة، اعترفت هي نفسها بخرق موكلتها لقانون الإقامة الإسباني”، معتبرا أن “الخطير في هذا الأمر هو أن نشطاء “البوليساريو” يعتبرون أنفسهم فوق القانون ولوحوا باللجوء إلى القضاء للطعن في قرار السلطات الإسبانية، على الرغم من علمهم المُطلق واليقيني بخرقهم للقوانين الجاري بها العمل”.
في هذا الصدد، أشار المحلل السياسي المختص في العلاقات المغربية الإسبانية إلى أن “اختيار أميناتو حيدر لمحامية بلون سياسي، وهي قبل كل شيء ناشطة سياسية وقيادية في ما يسمى اتحاد المحامين الصحراويين في إسبانيا، يحمل رسالة إلى مدريد مفادها أن جبهة “البوليساريو” تُلقي بثقلها في هذا الملف. وهذا ما سيزيد من حذر الحكومة الإسبانية؛ لأنه لا حكومة في العالم يمكن أن تسمح بالضغط عليها من طرف أية جهة أجنبية”، مستبعدا في الوقت ذاته أن يرضخ القضاء الإسباني لضغوط هؤلاء النشطاء.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول ما إن كانت هذه الخطوة ستشكل تمهيدا لقطع مدريد مع ممارسات استغلال ولوج ترابها لأسباب إنسانية من أجل ممارسة أنشطة سياسية مشبوهة، قال المتحدث ذاته إن “قرار السلطات الإسبانية يحمل رسالة مهمة إلى “البوليساريو” بأنها أولا ليست فوق القانون وبأن الدعم الذي كانت تحظى به من طرف بعض النخب والأحزاب السياسية بدأ يتلاشى”، لافتا إلى أن “هذه الأحزاب بدأت تفهم بأن الجبهة الانفصالية إنما ورطتها لمدة سنوات، وأن استمرار النزاع بهذا لن يضر إلا بالمصالح القومية للدولة الإسبانية”.
وخلص المصرح لجريدة هسبريس الإلكترونية إلى أن “مدريد، ومنذ تولي بيدرو سانشيز لرئاسة الحكومة، بدأت تنحو منحى الواقعية السياسية بما يخدم مصالحها التي لا يمكن أن تكون إلا مع المملكة المغربية وفي إطار الشراكة مع هذه الأخيرة، بما يخدم المصالح السياسية والاقتصادية للبلدين الجارين”.
توجه صادق وقطع لحبل العداء
تفاعل سعيد بركنان، محلل سياسي، مع الموضوع ذاته بالقول إن “الدول الشريكة للمغرب، على غرار إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، باتت توجه رسائل سياسية مهمة قد تغير خريطة الأحداث لما يقع في الجوار الإقليمي للمملكة المغربية وعلى الأمد القريب”، مسجلا أن “امتناع مدريد عن تجديد إقامة أميناتو حيدر يُترجم صدق التوجه الإسباني نحو إيجاد بيئة ملائمة وسليمة للحل السياسي الذي يدفع به المغرب والمتمثل في الحكم الذاتي”.
ولفت بركنان الانتباه، في تصريح لهسبريس، إلى أن “هذه الخطوة الإسبانية الجديدة تؤكد كذلك أن مدريد بدأت تستوعب الملامح التي يقوم عليها رسم المستقبل الاستراتيجي للمنطقة، والذي تسعى أمريكا بدورها إلى تهييئ جميع الظروف المساعدة على إعادة بعث دورها فيها ومن بوابة في العلاقة مع المغرب ودول غرب إفريقيا من أجل منافسة الوجود العسكري الروسي والاكتساح الاقتصادي الصيني في منطقة الساحل والصحراء وباقي مناطق إفريقية أخرى”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الدولة الإسبانية تعطي انطلاقة حقيقية لهذا المشروع الذي يروم تنزيل حقيقي للحكم الذاتي في أقرب وقت من خلال تحجيم دور دعاة الانفصال وتقليص إمكانياتهم في استغلال إسبانيا كمنصة لإطلاق صواريخ العداء اتجاه المغرب موازاة مع الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في انتزاع دور فاعل وإيجابي للجزائر في هذا الشأن”.
في هذا الصدد، اعتبر المحلل السياسي ذاته أن “إسبانيا بدأت في تنزيل هذا التصور الاستراتيجي لحل مشكل الصحراء المغربية بقطع حبال العداء للرباط التي تتغذى عليها جبهة “البوليساريو” وأطروحتها الانفصالية؛ من أجل صناعة أمن إقليمي وبيئة مواتية لسوق اقتصادية قوية ومنافسة تتوافق والرؤية الأمريكية لمستقبل المنطقة ككل”.
مملكتنا.م.ش.س/وكالات