الخصوصية الثقافية المغربية

السبت 13 ديسمبر 2014 - 14:45

إن عرض قضية الثقافة لمناقشتها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا، ليدل على وعي جديد إن لم نقل على بعث هو لا شك أحد مظاهر الصحوة التي يشهدها المغرب كغيره من الأقطار العربية والإسلامية؛ ولكنه في جميع الأحوال، مرتبط إن لم يكن رد فعل لخيبات متوالية وتجارب فاشلة، ورد فعل كذلك للتحديات الكثيرة التي تعترض هذه الأقطار، ساعية إلى تمزيقها وتفتيتها، لابتلاعها بتجبر وطغيان، والتي تحث مواجهتها على الرجوع إلى الذات وما يشكل كيانها من قيم ومقومات.

والحديث عن الثقافة المغربية في أصولها لا يعني في نظرنا استعراض تاريخ هذه الثقافة،بقدر ما يعني النفاذ إلى عمقها، لإدراك مدى تجذرها وحركيتها والدعائم المرتكزة عليها،للاقتناع بها والانطلاق منها،نحو آفاق المستقبل، مما يقتضي في البدء توضيح مصطلحات ” الثقافة ” و “الأصول ” و “الخصوصيات “، وتحديد الأبعاد التي نرى أن يثار في سياقهما هذا الحديث، وكذا توضيح المنهج الذي يوضع به هذا السياق  .

إن لكل بلد ما يميزه في المجال المادي، كالعمارة وما إليها من منشآت غالبا ما تدخل في نطاق الحضارة، كما أن له في الميدان الأدبي ما يطبعه من خصائص تبرزها المفاهيم والأفكار والقيم وما يرتبط بها من مبدعات وأنماط سلوكية وممارسات واعية أو عفوية، وما تعكسه من عادات وتقاليد وما إليها من نظم اجتماعية وغيرها،هي التي اعتاد الناس أن يطلقوا الثقافة؛وإن كنا لا نرى ما يبرر هذا التفريق، لما بين الحضارة والثقافة من تداخل وتكامل.

ومن ثم يمكن القول بأن الثقافة وهي ظاهرة طبيعية، تتضمن مجموع العناصر الإنسانية التي تشكل فكر الإنسان وسلوكه وتضبط علاقاته مع غيره، أي مع الكون والحياة والناس.وهي عناصر تكتسب بالتعلم والممارسة، إلى جانب ما يتوارث بالفطرة والغريزة، في تمايز بين المجتمعات، وقابلية وللتواصل والاحتكاك،وتبادل التأثر والتأثير، وقدرة على صنع هذه العناصر وإخضاعها تلقائيا للحاجات بالتكييف والتطوير والتغيير.

إن الثقافة بهذا نشاط إنساني وفعالية تحرك الوجود، في تفاعل يفضي إلى التنوع والتعدد، وإلى التباين والاختلاف، وفق معطيات مختلفة بيئية وفكرية ونفسية، وحتى جسمية،هي التي تتيح إنشاء ثقافة بخصوصيات معينة، قد تلتقي مع غيرها في تكامل يتحقق معه التماثل والوحدة، ومعهما تتسنى للأفراد والمجتمعات حياة ذاتية خاصة، وحياة عامة مشتركة من خلالها يكون التواصل والتعارف في نطاق ما يجمع من مصالح لازمة ومنافع ضرورية.

وعلى الرغم من أن مظاهر هذا النشاط ـ سواء في بعدها المادي أو الأدبي ـتتعرض عبر الأزمنة المتعاقبة لقليل أو كثير من التطوير وربما التغيير، فإنها تظل محتفظة بملامح ثابتة قد تتفرد بها دالة على طبيعة الإنسان الذي يتسم بها أو تتسم بها حياته، مما قد يؤدي في البحث الأنتروبولوجي بصفة خاصة إلى استنتاجات تصل إلى حد تحديد انتماء هذا الإنسان إلى جنس معين أو سلالة محددة.

بمثل هذه الأبعاد التي تكون للثقافة وغيرها يمكن استخلاص ملامح الشخصية في جوانبها المختلفة، والمقصود بها الملامح الثابتة وإن ثبوتا نسبيا بالقياس إلى السمات المتغيرة. وانطلاقا من تلك الملامح يمكن التمييز بين وشخصية وأخرى، أي بين مجتمع وآخر، وربما فرد وآخر؛ دون إغفال المقومات التي غالبا ما تطبع المنتمين إلى مجتمع بعينه، والتي تجعل منهم أصحاب تفكير تركيبي أو ذهنية ذاتية، وكذا أصحاب سلوك قد يتسم بالهدوء والاعتدال أ, الحدة والتطرف.

ذلكم أن أي مجتمع يشكل لنفسه ثقافة تستجيب لحاجاته الفكرية والنفسية والاجتماعية . وبقدر ما تكون هذه الاستجابة تكون قوة الثقافة.وبقدر ما تكون مضامين هذه الثقافة متكاملة وهادفة لغايات، يكون اتجاه الثقافة في خط علمي عملي، أو في خط وهمي خرافي، وإن كانا معا يسعيان إلى تنظيم المعارف والعلاقات وأنماط الحياة المختلفة، وربطها جميعا بالمعتقدات التي يقع الاطمئنان إليها عند تفسير الخوارق التي تستعصي على إدراك البشر.

وإن دراسة ثقافة ما لتقتضي التوسل بمناهج متعددة، تاريخية وإتنولوجية ولغوية ونفسية وأنتروبولوجيية،وخاصة منهج الأنتروبولوجيا الثقافية التي تدرس الظاهرة الثقافية من حيث مكوناتها وخصائصها وعلاقاتها بغيرها، وما عرفته من تطور خلال الأزمان، وفق معايير ومقاييس إذا ما حللت الثقافة في ضوئها أمكن التحفز من الماضي لاستشراف المستقبل.

وليس من شك في أن الثقافة في عمومها، ومن خلال تتبع شتى ظواهرها في بلد معين، تكشف مدى ملاءمة ما لهذا البلد من معطيات بيئية،مع ما يعتمل فيه من عناصر تاريخية،وكذا مع المقومات البشرية لساكنيه،وحاجتهم إلى التواصل وأدوات لهذا التواصل.

وقد يتجمع ذلك كله في الواقع الذي تصبح الثقافة اختزالا له ولعلاقة الإنسان به، عبر أشكال تعبيرية مختلفة مكتوبة وشفوية، ومن خلال تلك الأدوات وفي طليعتها اثنتان:

ـ اللغة،ليس فقط باعتبارها ألفاظا لها دلالات،ولكن باعتبارها رموزا تخفي مفاهيم ورؤى يختلف الكشف عنها من مجتمع لآخر، وربما من فرد لآخر، حسب القدرة على التفكير والإعراب عنه.

ـ المعتقد الذي هو في الحقيقة يشكل روح تلك الثقافة وجوهرها،والكل المتحكم في الأجزاء، مهما تكن هذه الأجزاء متنوعة ومتعددة وغنية خصيبة .

بقلم الشريف مولاي محمد الخطابي

 

 

Loading

مقالات ذات صلة

الخميس 8 سبتمبر 2022 - 15:49

شخصيات دينية اسلامية ومسيحية تشيد بالدور الرائد لجلالة الملك في الدفاع عن الطابع الخاص لمدينة القدس

الأربعاء 3 أغسطس 2022 - 18:48

العرائش .. توزيع إعانات مالية على أصحاب المنازل المتضررة من حريق غابة جبل العلم

الخميس 28 يوليو 2022 - 11:08

مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا

الثلاثاء 19 يوليو 2022 - 08:57

البرلمانية زينب امهروق توصل معاناة 60 أسرة من ساكنة عيون ام الربيع المتضررين من عدم ربطهم بالشبكة الكهرباء