22.20 لا تمسوا فايسبوكي فهو خط أحمر .. ربما سقط الجميع في فخ العنوان
سفيان شكيح
النقاش الدائر الآن حول نص مشروع القانون المتعلق بوسائل التواصل، والحجج التي يحشدها المشاركون فيه، تدعونا الى العودة إلى السؤال الجوهري:
كيف نشارك سياسيا في القضايا التي تمس بحياتنا اليومية ؟
هناك حجة تعود الى الواجهة بعدة صيغ، تقول إن الحكومة تتوصل في النهاية إلى تمرير مشاريعها بمنطق الأقلية والأغلبية أثناء مسطرة التشريع. وبالتالي فلا ينبغي ان نستغرب جرأتها على اقتراح مشاريع قد تنطوي على مقتضيات مجنونة تضرب عرض الحائط بكل الضمانات الحقوقية والدستورية والديمقراطية،… وتجهز على المكتسبات الهشة التي توصلنا إليها في هذه المجالات.
ومنذ ما عرف بالربيع العربي، سنة 2011 ونحن نسمع عن فضائل وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرتها الفذة على الحشد والتعبئة والإطاحة بالأنظمة والدول، ونقرأ التحاليل التي تبرهن على انتصابها بديلا للعمل السياسي التقليدي ووسائطه، من أحزاب وتنظيمات ميدانية. ما لم نقرأه في هذه التمجيدات هو ان وسائل التواصل الإفتراضي، هي أيضا ادوات للتلاعب بالرأي العام، وتخريب العمل المنظم الذي ما زال وحده يبرهن عن فعاليته السياسية الملموسة.
لقد تم الترويج بشكل مغرض للفكرة القائلة إن هذه الوسائط، في صيغتها الخام، اي الافتراضية، وحدها كافية لتعويض الفعل السياسي المادي والميداني، وأنها قادرة على تغيير كل شيء.
والحال انها في كل التجارب التي مرت بنا منذ 2011 لم تبرهن سوى على قدرتها الفعلية على التخريب، دون البناء. فكل الدول التي تم تخريبها انطلاقا من الفيسبوك خلال ما سمي بالربيع العربي، ما زالت تعيش حالة اللادولة، او حالة عدم الاستقرار، وتشكل مرتعا لتدخل قوى أجنبية متنافسة.
هشاشة وسائل التواصل من حيث قدرتها على الانضباط والقيادة المنظمة، يجعلها أداة طيعة في يد كل ذي مشروع، كيفما كانت طبيعة هذا المشروع، بما فيها الدول والأنظمة التي نظن اننا نريد الإطاحة بها ! وهذا هو مربط السؤال.
هل حقا وسائل التواصل كافية بذاتها لإحداث التغييرات التي تنشدها الشعوب دون حاجة إلى أي عمل سياسي منظم؟ هل هذه الوسائل لها عقل ووعي بمسارات الاختيارات التي تتبلور فيها؟ أم أنها مجرد سوق للخواض (كما نقول في لغتنا العامية)؟ هل هي وسائل محايدة، يتساوى الجميع في الاستفادة من منافعها؟ أم أن هذا مجرد وهم دأب الذباب الإلكتروني المافيات بالذات على تغذيته منذ عقد من الزمن، لكي تصل بنا إلى الوضع الحالي؟
أصغر مرتاد للفيسبوك او التويتر (بمقياس السن طبعا) يعرف ان هناك صفحات مدعومة وهناك تقنيات لدعم محتويات دون أخرى. ينبغي ان نستنتج من ذلك ان الذي يدفع اكثر هو الذي يستحوذ أكثر. وهذا امر لم يعد يحتاج الى برهان.
ما أريد أن اخلص اليه، بعد هذه التأملات، هو التساؤل: ألم يحن الوقت للتخلي عن وهم ان الرأي العام الفايسبوكي هو رأي عام سياسي؟ لا يمكن الحديث عن رأي عام سياسي دون فعالية سياسية، اي دون قدرة فعلية على إحداث التغيير في الواقع السياسي، من خلال المؤسسات والآليات السياسية، القائمة أو البديلة التي ينبغي ان نقيمها. وفي كل الأحوال، لا بديل لنا عن هذا الفعل السياسي المنظم، ان نحن كنا بالفعل راغبين في التأثير على مجرى القرارات السياسية التي تتخذ في حقنا.
إذا بقينا متمسكين بالرهان على الفايسبوك او التويتر من أجل التغيير او حتى التعبير عن عدم الرضى، فنحن متمسكون بالوهم. لأن ما نتوهم أنه رأي عام، ليس في الواقع سوى تموجات عابرة، يمحو بعضها بعضا. وفي الحالات الاكثر فعالية، تبقى في حاجة إلى فعل سياسي يستخلص نتائجها او يقطف ثمارها، كما حصل مع حركة القمصان الصفر الفرنسية، وغيرها من الحركات المشابهة.
ما هي الخلاصة؟
ها نحن عاكفون على استنكار مشروع قانون يهدد فسحتنا الفايسبوكية، ونحن شبه متيقنين في أعماقنا أن من يريدون تمرير ذلك القانون، سيتمكنون من ذلك لأن البرلمان والحكومة بأيديهم. لكننا لا نسأل أنفسنا ولو من بعيد: من الذي ترك لهم هذه الفرصة؟ وما دورنا نحن في ذلك؟
وعودا على بدء: انا متأكد انه سيزيد تضليلنا بجعلنا نظن أن فايسبوكنا هو ركننا الركين، بل سيزداد إيهامنا بانه هو سبيلنا الوحيد الى الفعل السياسي، وأننا نخوض الآن معركة حقيقية للذود عن حريته، وأننا ننتصر فيها. لأن هذا الوضع مريح للجميع، ولا سيما للفاعلين السياسيين الفعليين وليس الإفتراضيين، الذين يريدون الاستحواذ على الدولة، ما دمنا سنترك لهم الجمل بما حمل…
من هنا تبدأ المصداقية النضالية:
ليس من حق اي مناضل جاد ومسؤول، خاصة حين يكون ممن عركوا الواجهة الحقوقية، أن يشارك في نشر الأمية القانونية والدستورية، بإدعاء أن قانونا مثل القانون 20/22 يتم التخطيط لإصداره خلال فترة الطوارئ الحالية، وهو يعرف يقينا أن ذلك مستحيل..
هذا هو التضبيع..
وهو جريمة في حق الشعب…وفي حق النضال أيضا.
مملكتنا.م.ش.س