مطابقة القانون الدستوري و الالتزامات الدولية لمقتضيات مشروع القانون 22.20 المسرب

الإثنين 4 مايو 2020 - 23:52
مطابقة القانون الدستوري و الالتزامات الدولية لمقتضيات مشروع القانون 22.20 المسرب
 
  • سفيان الحمداوي
 خلال السنوات الثلاث الماضية ، تبنى الشعب المغربي طريقة وقناة جديدة للاحتجاج على الأحداث والأمور غير العادلة أو المبالغَ فيها أو غير المعقولة. في الوقت الحاضر، توفر التقنيات الرقمية فرصًا جديدة “كوسيلة حاسمة لتمكين الاحتجاجات أو كمنصة للاحتجاجات. بشكل غير متوقع ، تم تنظيم عدد من حملات المقاطعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد منتجات وشركات مغربية محددة بسبب دوافع مختلفة. يعتقد غالبية الأشخاص الذين شاركوا في هذه الحملات أن السوق المغربي قد استخدم كسوق احتكارية من قبل بعض رجال الأعمال لتنمية ثرواتهم.
إلا أن المواطن المغربي فوجئ ،هذا الأسبوع، بمشروع قانون جديد يجرم أي عمل احتجاجي أو دعوة له ضد المنتجات أو الشركات الوطنية من خلال تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوحة أو الشبكات المماثلة. السؤال المطروح الان هو : ما مدى مطابقة هذا المشروع القانوني الجديد للدستور المغربي اولا ثمللالتزامات الدولية؟
 
جاء التعديل الدستوري المغربي سنة 2011 بمبادرة من جلالة الملك محمد السادس نصره الله ضمن حزمة من الاجراءات الاصلاحية التي همت مختلف اقطاب الدولة و جل ميادين التنمية. و من ضمن ما جاء في خطابه 9 مارس 2011  نصره الله حول التعديل الدستوري أنه “يستند على سبع مرتكزات أساسية:]…[، ترسيخ دولة الحق و المؤسسات و توسيع مجال الحريات الفردية و الجماعية و ضمان ممارستها و تعزيز منظومة حقوق الانسان بكل ابعادها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و التنموية و الثقافية و البيئية و لاسيما دسترة التوصيات الوجيهة لهيئة الانصاف و المصالحة و الالتزامات الدولية للمغرب”.
 
بفضل توجيهات ملك البلاد حفظه الله، استطاعت الهيئة الدستورية المكلفة باعداد نصوص دستورية بطريقة تشاركية ساهمت فيها مختلف الفاعلين و المقررين حيث تضمنت النسخة الحالية ميثاقا قويا وحقيقيا للحريات والحقوق الانسانية  الأساسية. اذ تضمن أزيد من 58 مادة متعلقة بالحريات و الحقوق للشعب المغربي. فالباب الثاني من الدستور يقر ترسانة من الحقوق و الحريات التي تجعل من المغرب دولة الحق و القانون و تضمن للمواطنين المغاربة الكرامة و النزاهة و التحرر من اي قيود او اضطهاد كيفما كان نوعه. و من بين الحريات و الحقوق التي ضمنها الدستور المغربي هي حرية الفكرو الرأي و التعبير و “حق نشر الاخبار و الافكار و الاراء بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”.
 
إن حرية التعبيرو الرأي حق أساسي من حقوق الإنسان الدولية ذات قيمة وضرورة جوهرية للعمل الصحي للديمقراطية والمجتمع المدني. كما انها ضرورية لتحقيق حقوق الإنسان الأخرى مثل حكامة العدالة ، التعليم ، المستوى المعيشي اللائق ، المساواة ، والكرامة الإنسانية. فما جاءت به بعض تسريبات المقتضيات الاولى للمشروع القانوني 22.20 خصوصا المادة 14 و المادة 15 تصوب الى إلغاء تام لهذا الحق الدستوري و تراجع صارخ عن مكتسبات حقوقية توسمت بها المملكة المغربية منذ عقود.
كما هو متضح من النص التشريعي المطروح ان المقترِح لم يلتزم بالاليات اللازمة لصياغة نصوص تشريعية صحية اهمها و اولها ملاءمتها و تنسيقها و توافقها مع النصوص القانونية الاخرى. مسودة مشروع قانون 22.20 تقصي بشكل جلي و واضح حرية المواطن في التعبير عن رأيه في ما يتعلق بمنتوجات او شركات وطنية تتعامل معه بشكل مباشر، اي بمعنى اخر استهلاك المنتوجات  او التعامل مع شركات دون الحق في ابداء رأي عنها او ربما عدم تقييمها بتاتا. فالدعوة الى المقاطعة أو التجمهر الالكتروني
[كما افضل تسميته] شكل من أشكال التعبير الجماعي و الذي يدخل طبعا في نطاق و حدود حرية التعبير و الرأي و يلمس بشكل أو بأخر حق التظاهر. و من زاوية أخرى، فرضا أنه تم المصادقة على هذا المشروع القانوني، هل تم القيام بدراسة شاملة لاثر النص التشريعي على كافة المستويات؟ دراسة الاثر هي آلية استباقية تهدف الى “فحص و قياس الفوائد المرتقبة و التكاليف و الاثار المتوقعة للتشريعات الجديدة او المعدلة كما انها اداة تشريعية مفيدة تدعم صانعي القرار ببيانات واقعية هامة تساعدهم العمل في اطار شامل يمكن من خلاله تقييم خبراتهم و عواقب قراراتهم”. بهذا نلخص القول و نأكد ان ما تم تسريبه من بعض المقتضيات الاولى للمشروع القانوني 22.20 [نتحدث فقط على المادة 14 و 15] غير مطابق تماما مع الدستور.
حرص جلالة الملك محمد السادس نصره الله أن يعطي لهذا الامر ما يستحق من العناية الدقيقة لما يوجد من ترابط وثيق بين التنميةالشاملة والديموقراطية وحقوق الإنسان لذلك قام بتعزيز الحماية في مجال حقوق الإنسان ، تجسيدا لالتزام المغرب الراسخ بأن حماية كرامة الانسان هو محور اهداف الدولة. لذلك صادق المغرب على أهم الاتفاقيات والآليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و فعل العديد من البروتوكولات الملحقة بها، وأزاح العديد من التحفظات عن الاتفاقيات الدولية بل في المقابل ساهم في تطوير مبادئ حقوق الإنسان الدولية عن طريق خبراء مغاربة يشتغلون داخل مؤسسات و منظمات دولية.
لذا، فهذه الحريات و الحقوق التي رسخها الدستور المغربي خاصة المتعلقة منها بحرية التعبير و الرأي و الفكر و حق الوصول الى المعلومات و حريات الاجتماع و التجمهر و التظاهر السلمي تمكّن الأفراد أوالجماعات من التعبير عن المعارضة والتظلمات ، وتبادل الآراء و الافكار، وكشف العيوب في الحوكمة والمطالبة علنا بأن تقوم السلطات أو المؤسسات الاخرى، عامة كانت أو خاصة،بتصحيح المشاكل و المعيبات وأن تكون مسؤولة عن أفعالهم.نجد مثلا ان هذه الحريات و الحقوق محفوظة و مرسخة في عدة مواثيق و معاهدات دولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)الذي صادق عليه المغرب سنة 1979 و بذلك أصبح للمغرب التزامات في مجال حقوق الإنسان على المستوى العالمي.
لذا يُلزم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  المغرب بحماية حقوق الإنسان الأساسية والحفاظ عليها ، مثل: الحق في الحياة والكرامة الإنسانية ؛ المساواة أمام القانون ؛ حرية التعبير و الرأي والتجمع. ولدى التصديق ، أصبح العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية “القانون الاسمى” بموجب الفقرة المذكورة في تصدير الدستور المغربي و التي تنص على وجوب المعاهدات المصَادَق عليها ان “تسمو […]على التشريعات الوطنية و العمل على ملائمت[ها]”.بهذا نلخص القول و نأكد ان ما تم تسريبه من بعض المقتضيات الاولى للمشروع القانوني 22.20 [بالخصوص المادة 14 و 15] غير مطابق تماما مع الالتزامات الدولية.
لكن لا يجب الاغفال عن حق الدولة باستخدام”سلطة عدم التقيد” التي تسمح للحكومات بتعليق تطبيق بعض الحقوق مؤقتًا في الظروف الاستثنائية لـ “حالة الطوارئ” وتخضع لشروط معينة. على الرغم من أن حرية التعبير و حريات الاجتماع و التجمهر و التظاهر السلمي أساسية ، إلا أنها ليست مطلقة. فعلى سبيل المثال، تسمح المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بفرض قيود على حرية التعبير ان كانت ضرورية لحماية: حقوق الآخرين أو سمعتهم أو الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
 
فباعتبار الازمة الاقتصادية و الشلل الذي أصاب جل القطاعات الحيوية بالمغرب بسبب تفشي فيروس كوفيد-19، بامكان السلطات اتخاذ إجراءات عبر اخضاع بعض الحريات لقيود مؤقتة و ضرورية ومتناسبة مع الأوضاع الحالية من أجل إنقاذ قطاعات اقتصادية معينة. فاي ضرر يلحق بالمنتوجات او البضائع او الخدمات الوطنية بعد هذه الازمة الصحية قد يسبب اضرار وخيمة و جسيمة على استقرار و أمن البلاد.
 
  •  محلل سياسي و باحث في القانون الدولي العام

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 19 مارس 2024 - 10:04

باريس .. السيد اليزمي يؤكد على “الدور متعدد الأوجه” للجاليات المغربية بالخارج

الثلاثاء 30 يناير 2024 - 14:19

الحاجيات المتزايدة للمنظومة الصحية تستدعي وضع نظام حكامة يضمن التنسيق بين الأطراف المتدخلة في التكوين (مجلس)

الخميس 28 ديسمبر 2023 - 18:39

بوجدور .. وحدة تابعة للقوات المسلحة الملكية تقدم المساعدة لـ59 مرشحا للهجرة غير النظامية من إفريقيا جنوب الصحراء

الأحد 24 ديسمبر 2023 - 21:16

“M’otion” فضاء جديد بمراكش مخصص لكبار المبدعين المغاربة