ما فتئت الدبلوماسية المغربية المتوخاة تجاه البلدان الأفريقية تثبت نجاحها ونجاعتها يوما بعد آخر رغم المحاولات التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي بإيعاز جزائري لعزل المغرب عن محيطه. دبلوماسية ثنائية ومتعددة الأطراف بدأت تؤتي أكلها مع تزايد عدد الدول الأفريقية التي أضحت تؤيّد موقف المغرب المتعلّق بوحدته الترابية وحقّه في السيادة على أقاليمه الصحراوية، وآخرها الموقف التوغولي الداعم للرؤية المغربية.
يواصل المغرب تحركاته السياسية والدبلوماسية على المستوى الأفريقي لدعم قضية وحدته الترابية وتعزيز أواصر الأخوة والتعاون مع مختلف البلدان الأفريقية. ولا يتعلق الأمر بالجولة التي قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس في أفريقيا، حيث تم التوقيع على العشرات من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات مع عدد من الدول التي شملتها الزيارة الملكية فحسب، بل يندرج ضمن مختلف زيارات المسؤولين الأفارقة إلى المغرب والمحادثات التي يجرونها مع نظرائهم المغاربة في مختلف المجالات.
وقد تكثفت هذه التحركات، خاصة بعد المحاولات الأخيرة التي أقدمت عليها القيادة السياسية الجزائرية للنيل من سمعة المغرب، مستغلة مؤتمر الاتحاد الأفريقي الذي انعقد، مؤخرا في جوهانسباغ، لإعادة توجيه أصابع الاتهام بشكل مغرض إلى المغرب تحت زعم وهمي تُحاول من خلاله الترويج لكون المغرب هو من يقف حجر عثرة أمام الحل السياسي لقضية الصحراء، وأنّه لا يختلف في ذلك عن الدول التي تمارس السيطرة والهيمنة في حقّ الشعوب.
دبلوماسية ناجعة
لأنّ المزاعم التي تسعى القيادة الجزائرية مرارا إلى ترويجها حول المغرب منافية للحقيقة ولا تقوم على أي أساس مادي موضوعي، فلطالما سعى المغرب إلى تفنيدها وردّها على أصحابها من خلال توضيح الصورة للمجتمع الدولي والبلدان الصديقة. وقد اغتنمت وزارة الخارجية والتعاون المغربية، في هذا الصدد، فرصة زيارة وزير الخارجية التوغولي، روبرت دوسي، الأسبوع الماضي، إلى المغرب لإعادة التأكيد على مواقف المملكة الثابتة تجاه قضية الصحراء المغربية ومحاولة تفنيد مزاعم القيادة السياسية الجزائرية في هذا الخصوص.
واعتبر وزير الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار أنّ الجزائر لا تتورع عن تشويه صورة المغرب في أفريقيا مستغلة في ذلك الاتحاد الأفريقي لشنّ حملات دعائية منافية للحقيقة حول الموقف المغربي من النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، خلال محادثات أجراها مع نظيره التوغولي حول القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك في مختلف المجالات.
وجاء بيان وزارة الخارجية المغربية الصادر إثر اللقاء المغربي التوغولي، لإعادة تأكيد موقف المغرب الثابت من وحدته الترابية ورفض أي تدخل للاتحاد الأفريقي في هذه القضية، مشيرا إلى “أنّ المغرب قوي بحُقوقه، وبمغربية صحرائه، وقوي بوحدته الوطنية وقدسية وحدته الترابية”، مؤكدا أنّه “من المحزن أن تستغل الجزائر الاتحاد الأفريقي للمساس بصورة المغرب، وبما تعترف به المجموعة الدولية برمتها حول قضية الصحراء”.
وأعرب وزير الخارجية التوغولي، روبرت دوسي، من جهته، عن استعداد بلاده للوقوف إلى جانب المغرب بشأن قضية الصحراء، لافتا إلى أنّ التوغو تدعم مبادرة المغرب الخاصة بالحكم الذاتي الموسع للصحراء، كما أنها ستفتح سفارة لها بالعاصمة المغربية الرباط في أقرب وقت ممكن.
وتأتي هذه الزيارة في سياق تعزيز موقف المغرب الإيجابي والثابت تجاه مختلف البلدان الأفريقية حيث التضامن الفعّال والعمل على إقامة شراكات في مختلف المجالات هو عنوان المرحلة، دون الاهتمام بمواقف الاتحاد الأفريقي من قضايا المغرب الوطنية. ذلك أن أحد أهداف القوى السائدة فيه يتعلق بالعمل على قطع أواصر العلاقات التاريخية العريقة بين المغرب ومختلف البلدان الأفريقية.
وهو أمر دفع بالرباط إلى اعتماد دبلوماسية ناجعة؛ ثنائية ومتعددة الأطراف، تجاه البلدان الأفريقية مما ساعدها على رفع وصاية الاتحاد الأفريقي على عدد من الدول التي استطاعت أن تجد لها حيّزا دبلوماسيا وسياسيا مستقلا يعبّر عن قرارها السيادي بعيدا عن كل تبعية أو وصاية. وهو ما سمح لها بالقيام بخطوات ملموسة على طريق تفهم وقبول موقف المغرب المبدئي من قضية الصحراء التي لا تندرج ضمن خانة قضايا تصفية الاستعمار وتقرير المصير التقليدية.
ولا يغدو الحديث عن تقرير المصير، في هذا السياق، سوى الترجمة الفعلية لموقف مناهض للوحدة الوطنية المغربية ومعاكسة طموح الشعب المغربي إلى تحقيق مزيد من التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
ثـــــبـــات عـــلـــــى الــــمـــــبـــــدأ
مازال المغرب حريصا في كل المناسبات على التأكيد أنّ الاتحاد الأفريقي، من وجهة نظر المملكة، ليس إلا منظمة إقليمية فاقدة لأي شرعية أو مصداقية تجاه الصحراء المغربية، لأنها تتحرك باعتبارها طرفا مباشرا في هذا النزاع الإقليمي منذ قبول منظمة الوحدة الأفريقية عضوية “دولة البوليساريو الوهمية”، والذي على إثره انسحب المغرب منها عام 1984 رغم أنه كان عضوا مؤسسا لها، إيمانا منه بأنها لم تعد تلعب الدور التحرري المنوط بها بعد أن تحولت إلى ألعوبة في يد القيادة السياسية الجزائرية ومن يدور في فلكها من حلفاء واتباع في القارة الأفريقية على وجه الخصوص.
وقد جدد المغرب هذا الرّفض، السنة الماضية، عندما دفعت كلّ من الجزائر وجنوب أفريقيا بالاتحاد الأفريقي إلى اعتماد مبعوث له إلى الصحراء، على غرار منظمة الأمم المتحدة، حيث أكدت الرباط حينها أن ملف الصحراء المغربية يقع تحت عهدة الأمم المتحدة ولا يجوز لأي منظمة إقليمية أو دولية أخرى التدخل والعمل على التأثير في مجرياته، وخاصة إذا كان هذا التدخل من طرف مؤسسة منحازة بصورة مطلقة لأطروحات الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية، وهو ما أفقدها كلّ صفة من صفات النزاهة والمصداقية والجدية في التعامل مع قضايا إقليمية في مستوى النزاع الإقليمي المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، منذ استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية منذ جلاء المستعمر الأسباني عنها منتصف سبعينات القرن الماضي.
وعلى الرغم من تلك الجهود المبذولة، إلاّ أنّ القيادات الجزائرية عموما لم تكف، منذ ذلك الحين، عن مناهضة المغرب والعمل على نشر حالة من انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال تسليح وتدريب عصابات مسلحة تنطلق من أراضي تندوف الخاضعة للإدارة الجزائرية لتنظيم هجماتها الإرهابية داخل المغرب.
وهو ما اعتبره المغرب خطا أحمر على المستويين الشعبي والرسمي، على اعتبار مسألة الحفاظ على الوحدة الوطنية للشعب المغربي قضية حياة أو موت، كما عبّر عن ذلك العاهل المغربي محمد السادس في أحد خطب ذكرى المسيرة الخضراء بالتأكيد على أن “قضية الصحراء المغربية هي قضية وجود وليست قضية حدود بالنسبة إلى الشعب المغربي قاطبة”.
لكن وبعد بعد اقتناعه بعدم إمكانية تطبيق خطة الأمم المتحدة حول تقرير المصير، دعا مجلس الأمن الدولي إلى اعتماد أسلوب المفاوضات السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي متوافق عليه، يمكن أن يضع حدا لهذا النزاع الإقليمي الذي عمّر طويلا، وأضحى يهدّد المنطقة بأسرها في أمنها واستقرارها.
وفي سياق استجابته لهذه الدعوة الأممية، تقدم المغرب عام 2007 بخطة الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية. وهي خطة أشادت بها مختلف الدول المحبة للسلام والأمن باعتبارها خطة جدية وقابلة للتجسيد على الأرض متى توفرت لدى الجميع نوايا حسنة وإرادة سياسية في التوصل إلى الحل السياسي،
ويأتي الموقف التوغولي الأخير لدعم هذه الخطة رغم كل المساعي التي بذلتها كلّ من الجزائر وجنوب أفريقيا داخل الاتحاد الأفريقي وخارجه لتشويه سمعة المغرب. وهي مزاعم يثبت التاريخ والواقع، عدم صحّتها.
ومما لا جدال فيه أنّ كسب خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لمزيد من المؤيدين داخل الساحة الأفريقية يعتبر انتكاسة للسياسات الانفصالية لجبهة البوليساريو والقوى التي تقدم لها الدعم في مختلف المجالات وعلى رأسها القيادة الجزائرية. كما يؤشر على أن محاولات الاتحاد الأفريقي لفرض أجندة الانفصال على الأفارقة لم تتوقف عن التراجع والتآكل منذ مدّة غير يسيرة، وهو ما يعتبر عاملا إيجابيا يساعد المغرب لأنه سيسرع في التحاق المزيد من الدول الأفريقية بموقفه وبمبادرة الحكم الذاتي الموسع في الصحراء تحت سيادته .
مملكتنا .ع.ر.ب