قـــلــعـــة شـــالـــة بالعاصمة الرباط أسطورة الخيرات

الأربعاء 28 أكتوبر 2015 - 13:05

يرغب الإنسان في الاحتفاظ بنوع من الذاكرة الجمعية وما تحفظه من أساطير ينزلها من عالم الخيال إلى الواقع ليعطي وجوده في هذا العالم امتلاء ومعنى، بل يجعلها في الكثير من الأحيان ملاذا لعجز حل به جراء مرض أو عقم، فهذه الفترة القصيرة التي يحياها الفرد أو الجيل ليست معلقة في الفراغ، بل هي نقطة في سياق طويل ذي مغزى حفظته لنا الأساطير.

الأسئلة التي لم تُعرف إجابات لها تدور حول قلعة قديمة تقع في ضواحي مدينة الرباط تُدعى شالة، وهو المكان الذي تقصده النساء طلباً للشفاء أوللحمل أو للبحث عن عريس تأخر قدومه.

خمس أساطير مهمة في الميثلوجيا المغربية، هي “عيشة قنديشة، بغلة القبور، بابا عيشور، مغارة إمي نفري، وقلعة شالة”.

وقلعة شالة أهم بكثير من الأساطير السابقة، لكونها واقعا موجودا، ويمكن لمن يشاء أن يزورها، ويطلع على زواياها، وما تبقى من معمارها، ليزيل بعض الغموض الذي أشيع عنها من قصص غريبة.

يقول الباحث في التاريخ المغربي زكي مبارك أن القرطاجيين سموا القلعة “سلفيس” وعندما دخلها الرومان سموها “سلا كولونيا” وتعني حصن سلا، ثم سميت بمسميات عديدة من بينها ماهو مذكر، ومؤنث للقلعة كـ”سل” و”سلة”.

وسماها الأمازيغ شالة، وهي تعني بالأمازيغية كثيرة الخيرات، وتعود إلى قرنين قبل الميلاد.Chellah_interior_hill

بقيت شالة مهجورة خمسة قرون حتى جاء القرن العاشر ميلادي فتحوّل المكان إلى قلعة ضمت المجاهدين الذين واجهوا قبيلة برغواطة.

وجاء معمارها الحالي على يد السلطان المريني أبويوسف يعقوب سنة 1248 ميلادي الذي جعل من القلعة مدفنا لدفن ملوك بني مرين وأعيانهم، وشيد فيها مسجدا، وقبة لدفن زوجته الإنكليزية، التي أسلمت، وغيرت إسمها إلى “شمس الضحى”.

وفيها النصف المتبقي من قاعدة تمثال زوجة الحاكم الروماني جوبا الثاني. سكنها الفينيقيون، وبعدهم جاء الرومان، والزناتيون والمرابطون والمرينيون، وهي مقامة على ثمانية هكتارات مزروعة بالأشجار المزهرة.

وأشار مبارك إلى الحقبة المتأخرة من تاريخ القلعة، والتي صارت مكانا لخلوة الصالحين والصوفيين والأولياء، ومدفنا لبعضهم، كسيدي الحسن إمام، فطيمة الرقراقية، وسيدي يحيى بن يونس وغيرهم.

ولا تزال أضرحتهم شاخصة في القلعة، وأعطت قبور هؤلاء الصالحين فكرة القداسة لمياه الحوض، الذي كان حوضا لوضوئهم.

ويمكن للزائر أن يرى الينبوع السحري الذي أطلق عليه اسم “عين الجزة” وهو ما تبقى من دار الوضوء القديمة.

ويطعم الزائرون أسماكه التي تشبه الأفاعي أجزاء من البيض المسلوق، الذي يباع في القلعة لإطعام هذه الأسماك، وهي تسبح مؤدية رقصات جماعية تسحر العيون.

وتمس الأسماك الأجساد الطالبة للشفاء، التي تستحم في الحوض مسا لطيفا، ويقول من قصدها للشفاء أنه تم المطلوب، وأنه نال مراده بذلك المس لهذه الأسماك التي تسمى أسماك النون.شالة-1

تقول عائشة السعدية “إنه حوض مبارك” والسعدية هي التي آل إليها الإشراف على “عين الجزة” قبل شهور قليلة بعد أن بلغ الكبر والمرض مبلغه بأختها، مما جعلها عاجزة عن الإشراف عليه، وبدورها ورثت خدمته عن زوجها المتوفى.

ذكرت السعدية الكثير من الحكايات حول بركات الحوض، فقد رافقت أختها، واستقبلت معها الكثيرات اللائي جئن للبحث عن الشفاء بالاستحمام من أمراض جلدية أو جئن للتبرك بأسماك النون، لمعالجة عقمهن.

واستمعت لكثيرات منهن رجعن بعد عام أو عامين لزيارة القلعة يصطحبن أطفالا، قلن أنهن أنجبنهم بعد استحمامهن بالحوض، وأنهن يصدقن الروايات، التي تحكي عن أسماك النون، وكون هذه الأسماك تمظهرا لجنيات يسكنَّ هذا الحوض المبارك.

وذكرت أن امرأة تأتي بين وقت وآخر لإطعام الأسماك بعد أن رزقها الله بطفل، بعد زيارتها القلعة واستحمامها.

ويوجد ركن ظليل بأشجار كثيفة الأغصان يسمى “ركن العاقرات” يقع قريبا من الحوض يستر النساء عند تغيير ملابسهن بعد الاستحمام. وأخرى شفاها الله تعالى من مرض جلدي خطير عجز الطب عن شفائه، لكنها شفيت بعد خمس زيارات للقعلة استحمت خلالها بماء العين.

والكثيرات ممن ألقين بالقطع النقدية إلى الحوض وطلبن من الله تعالى أن يرزقهن بالزوج، وتحقق لهن ذلك.

يقول يوسف إدغضور وهو باحث في علم الأحياء، “أن أسماك النون ماهي إلا أسماك تدعى بالحنكليس تعيش قريبا من هذا الحوض في نهر أبي الرقراق، وأن لا علاقة لها بما يحدث للمستحمات في العين”.

ويشير سي محمد مرشد سياحي، أن وجود هذا النوع من الأسماك في مياه العين يعود إلى باعة البيض المسلوق في القلعة، فهم عادة يحملون بعض هذه الأسماك من النهر القريب بين الحين والآخر، ويضعونها في ماء العين، فتصير سببا لرزق يأتيهم من خلال بيعهم البيض المسلوق في المكان.

وأشار الباحث في علم النفس الغالي أحرشاو حول إشكاليات المعتقد، “الثقافات الإنسانية والكفاءات المعرفية التي تحكم إنتاجها بناء على منظورالأنثروبولوجيا المعرفية، لا يمكنها أن تتم خارج مدار نوع من المقاربة المعرفية لمكونات ومحددات هذه الأخيرة”.

فعلاقة بعض الأمراض البدنية بأمراض نفسية يعاني منها الناس، نابعة من هذه الإشكالية المفاهيمية، فهم يجدون في بعض الأمكنة ما يحقق لهم قناعات نفسية بأنها قادرة على شفائهم، مما يحقق لهم الشفاء فعلا بعد زيارتهم لهذه المواقع أو القيام ببعض الممارسات، كالاستحمام بماء يعتبرونه مقدسا، أو بماء مقروء عليه من قبل فقيه، أو غير ذلك من وسائل يبتكرها السلوك الخيالي للإنسان.

مملكتنا.م.ش.س/عرب

Loading

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 19 مارس 2024 - 10:04

باريس .. السيد اليزمي يؤكد على “الدور متعدد الأوجه” للجاليات المغربية بالخارج

الثلاثاء 30 يناير 2024 - 14:19

الحاجيات المتزايدة للمنظومة الصحية تستدعي وضع نظام حكامة يضمن التنسيق بين الأطراف المتدخلة في التكوين (مجلس)

الخميس 28 ديسمبر 2023 - 18:39

بوجدور .. وحدة تابعة للقوات المسلحة الملكية تقدم المساعدة لـ59 مرشحا للهجرة غير النظامية من إفريقيا جنوب الصحراء

الأحد 24 ديسمبر 2023 - 21:16

“M’otion” فضاء جديد بمراكش مخصص لكبار المبدعين المغاربة