دنيس روس عــــــرّاب السياسة الخارجية الأميركية وتعقيدات الشرق الأوســــــــــــــط
هو عرّاب السياسية الخارجية الأميركية ومهندسها لعقود من الزمن. كان قائداً ومفاوضاً طيلة أكثر من اثني عشر عاما لأصعب الصراعات. اتّهم بأنه محامي الشيطان، ولهذا الشيطان جنسيتان، إسرائيلية تارة وفلسطينية تارة أخرى. تنقّل بين عدد من المواقع في الحكومات الأميركية، الجمهورية منها والديمقراطية، ليكون أحدثها منصب المساعد الخاص للرئيس باراك أوباما ورئيس مجلس الأمن القومي للمنطقة الوسطى والمستشار الخاص لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، إنه السفير دنيس روس.
مؤخراً أصدر روس كتابه “محكومة بالنجاح”، وهو كتاب يتناول العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية من زمن الرئيس ترومان إلى الرئيس أوباما. نشر هذا الكتاب في أكثر الأوقات حساسية وتوتّراً بين البلدين. إذ تشهد تلك العلاقات انحداراً كبيراً، خاصة على الصعيد الشخصي بين الرئيس الأميركي أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
محادثة هاتفية كارثية
تحدّث روس في كتابه عن محادثة هاتفية جرت بين الرئيسيين وكانت مدتها تسعون دقيقة، جرت بعد الإعلان عن الاتفاق المؤقت بين واشنطن وطهران حول ملفّها النووي بفترة وجيزة. وصف روس المحادثة بأنها كانت من أصعب المحادثات وأكثرها كارِثية. فقد شابها الكثير من التوتر والصدام. وقال إن مستشارة الأمن القومي سوزان رايس قالت لرئيس رابطة مكافحة التشهير أيب فوكسمان إن نتنياهو استخدم فيها كل الكلام القاسي والعنصري ضد الرئيس أوباما.
في وقت لاحق وضّح السفير روس وعبر وسائل الإعلام بأنه لا يعتقد بأن نتنياهو عنصري. وقال روس إنه التقى مع نتنياهو بعد المحادثة بوقت قليل، واصفاً وجه الأخير آنذاك بأنه كان دون معالم أو تعبيرات. قال نتنياهو لروس لحظتها إن هذا الاتفاق النووي الإيراني “خطأ تاريخي”.
أوباما ونتنياهو وإيران
في لقاء “العرب” مع روس تحدث عن العلاقات بين واشنطن وتل أبيب والخلاف بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء نتنياهو. قال روس لـ”العرب” إن العلاقات الإسرائيلية – الأميركية لم تتضرر بشكل جذري. ولكن هناك انخفاض في شعبية أوباما لدى الجمهور الإسرائيلي. وأن الداخل الإسرائيلي بدأ يقتنع بأن أوباما لا يمكن الاعتماد عليه.
حـــــرب واشنطن لا تحسم بخسارة داعش الأراضي والمدن، و لكن بالقوى التي ستحل مكان داعش. وفي حال سقطت الموصل في العراق أو الرقة في سوريا، فما هي القوى التي ستأخذ مكان داعش، خاصة وأننا نفتقر إلى الشركاء السنة على الأرض
وأكد روس على ذلك حين قال “لقد انخفض مستوى الثقة بأوباما. والآن يسود اعتقاد بأن الإدارة الاميركية ساذجة في ما يخص التهديدات التي تحيط بالشرق الأوسط”.
وأوضح روس أن وجهة نظر أوباما تخالف تلك التصورات فهو يعتقد بأنه “صديق مقرب لإسرائيل. وأنه ما يزال ملتزماً حيال أمنها، وهذا ما دفعه إلى إبرام خطة عمل شاملة ومشتركة مع إيران. منطلقا من أن هذا الاتفاق يصب في مصلحة إسرائيل وأمنها، كما يتصور أوباما”.
يصف روس ما يدور برأس نتنياهو بالقول “يشعر نتنياهو أن الاتفاق الأميركي مع الإيرانيين أشبه بالطعنة في الظهر”. ويضيف “أدارت الولايات المتحدة القضية النووية الإيرانية في القنوات الخلفية، مبعدة حليفتها إسرائيل عن التفاصيل. ففوجئت تل أبيب بتوصل واشنطن وطهران إلى أول اتفاق مؤقت. ثم بإبرام الاتفاق الأوّلي”.
ويعتقد روس أن “أوباما كان على قناعة راسخة بأن إسرائيل ستهاجم البنية التحتية النووية الإيرانية في وقت ما، وأنها ستقود واشنطن إلى حرب جديدة في المنطقة. لذلك اتخذ قراره منفرداً بحماية إسرائيل، وحماية أميركا معاً من حرب شرسة متوقعة”.
لكن روس يؤكد على أنه لا وجود لأيّ دليل حتى هذه اللحظة على تغير سلوك إيران في المنطقة بعد توقيع الاتفاق، كما كان أوباما يروّج. كما أن طهران حسب روس “مازالت تدعم الجماعات الإرهابية، كحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى. وخطابها العدائي ضد أميركا ازداد شراسة على لسان المرشد العام خامنئي، وفي الحملات الانتخابية الحالية”.
كما أوضح روس لـ”العرب” أن إيران “تلعب اليوم دورا مخرّبا في العراق. وتمنع رئيس الوزراء العبادي من تسليح القبائل السنية لمحاربة داعش، بالإضافة إلى اعتقالها مواطنين أميركيين. وما يبدو حتى الآن هو أن حجة واشنطن بأن هذا الاتفاق سيغيّر من طبيعة إيران وسيقوم على تقوية التيار الإصلاحي فيها غير واقعية بالمرة. بل على العكس من ذلك نلاحظ أن التيار المتشدّد ما زال هو المسيطر هناك”.
سوريا واستراتيجية أوبامـــــــــــا
دخلت الأزمة السورية منعطفاً جديداً بعد التدخل العسكري الروسي الذي غيّر ميزان اللعبة ليس لصالح الأسد وحسب، ولكن على حساب اللاعبين الإقليمين أيضا. حيث وافقت روسيا على مبادئ مؤتمر فيينا، والتي من مقرراتها وقف إطلاق النار. ولكن السؤال هنا؛ هل لدى روسيا نية حقيقة في تطبيق وقف إطلاق النار؟ بخصوص هذا الأمر يرى السفير دنيس روس أن الرئيس بوتين يهدف إلى إظهار أن روسيا هي صاحبة اليد العليا في سوريا وفي منطقة الشرق الأوسط وليس أميركا.
ويضيف قائلا إنه “ما من شك أن المشهد على الساحة السورية معقّد وصعب للغاية، وخاصة بعد التدخل الروسي عسكرياِ، ولكن واشنطن ما زالت تأمل في الحل السياسي الذي سيؤدي إلى تخفيف معاناة الشعب السوري”. ومن وجهة نظره فإن هدف واشنطن هدف معقول وسامٍ. ولكن السؤال اليوم؛ هل تصلح الأدوات التي تستعملها الادارة الحالية للوصول إلى حل سياسي فعّال في هذا الملف؟
في أعقاب شهر نوفمبر وبعد قرار مجلس الأمن رقم 2254 قامت موسكو بتكثيف قصفها للشمال السوري في منطقة حلب والمنطقة الجنوبية (درعا)، ويصف روس هذا الأمر قائلا “ما يلاحظ هو أن روسيا مازالت تواصل عملها العسكري ودعمها لقوات النظام والميليشيات الشيعية مثل حزب الله، حتى بعد اتفاق ميونخ. بينما بقيت واشنطن تسعى إلى تحقيق تقدم ما على الصعيد الإنساني”.
من وجهة نظر روس تبدو روسيا غير جادة في وقف معاناة الشعب السوري، لأن التجربة الطويلة مع الروس، كما يقول، توضح أنهم مستعدون للمضي مع واشنطن فقط حتى الوصول إلى تحقيق أهدافهم الاستراتيجية.
|
ويتوقع روس أن تشهد الفترة القادمة وقفاً لإطلاق النار وإدخالاً للمساعدات الإنسانية. وهو ما اعتبره أمراً هاماً وجيداً لتخفيف معاناة السوريين. لكن السؤال الذي يسأله روس يصبّ في التالي؛ هل وقف إطلاق النار هذا سيكون من ضمن خطة كاملة للتوصل إلى حل للأزمة؟ في الوقت الذي يؤكد فيه أنه لا يرى أيّ تغير جذري في استراتيجية روسيا في سوريا وأن وقف إطلاق النار سيكون مؤقتاً.
ويعتقد روس أن إدارة أوباما ليست مستعدة لاستخدام نفوذها الحقيقي على روسيا. وهي لن تسمح بتسليح المعارضة ولن تقدم على إقامة مناطق آمنة، ويقول روس “هذا الأمر واضح للرئيس بوتين، لذلك فهو يبني استراتيجيته على هذا الأساس. متعمداً إرسال رسالة واضحة لواشنطن ولجميع القوى الإقليمية في المنطقة، مفادها أنه هو القوة الوحيدة والفاعلة في المنطقة والتي ستصوغ النتائج القادمة في سوريا”.
تبدو أولوية واشنطن محاربة تنظيم داعش في المنطقة، وليس الإطاحة بنظام بشار الأسد، وذلك من خلال أملها في أن الجهود الدبلوماسية في النهاية ستثمر عن انضمام الروس إلى الأميركيين والتوصل إلى توحيد للرؤية الدولية حول سوريا.
لكن المشكلة كما يعتقد روس “تكمن في تعريف داعش من وجهة نظر الروس. فموسكو تنظر إلى جميع القوى التي تحارب نظام الأسد على أساس أنها داعش. ورغم معرفة واشنطن بأن روسيا تقوم بقصف القوى المدعومة من قبلها ومن قبل تركيا والسعودية، إلاّ أن إدارة أوباما قررت عدم فعل شيء خوفاً من استدراجها إلى مستنقع حرب في سوريا”.
ولا يرى روس أن الجهود لعقد مفاوضات سياسية حول سوريا مجدية. لأنه لا يؤمن بأن السياسة الروسية ستتغير. بينما يقول إن واشنطن تعتقد أن روسيا قد تورّطت بالفعل في المستنقع السوري وأن الروس سوف يدركون هذا عاجلا أم آجلا.
أما عن التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا فقد أكد السفير روس أن تل أبيب لا تشارك الروس رؤيتهم حول سوريا لأن هدف موسكو في سوريا هو الحفاظ على الأسد، وهذا يتسبب بتعزيز سلطة حزب الله في سوريا ولبنان، ولكن ما أكده هو وجود تنسيق متفق عليه وذلك بضرب النظام في حال قام بتزويد حزب الله بأسلحة نوعية.
الطريقة الوحيدة في إنجاح الحل السياسي في سوريا، كما يقول روس هي “أن تفهم موسكو جدية موقف واشنطن في تسليح المعارضة السورية كخطوة أولى. وكذلك إقامة ملاذ آمن في الشمال كخطوة ثانية. رغم كل التعقيدات والصعوبات التي تواجه هذه الخطوة، في حال لم تصغ روسيا لطلب الولايات المتحدة”.
|
أميركا وحلفاؤها العـــــــرب
خطة إدارة أوباما لمحاربة الإرهاب خطة محدودة على مستوى تحقيق النتائج. ولكن من وجهة نظر البيت الأبيض فإنها قد تنجح إلى حدّ ما، وذلك عن طريق خسارة المدن التي يسيطر عليها تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق. وبالرغم من أن داعش يقوم بإعادة تموضع في ليبيا، فإن القضية من وجهة نظر روس، ليست في خسارة داعش للأراضي والمدن، ولكن في القوى التي ستحل مكان داعش، إذ يقول “في حال سقطت مدينة الموصل في العراق أو مدينة الرقة في سوريا، ما هي القوى التي ستأخذ مكان داعش وخاصة أننا نفتقر إلى الشركاء السنة على الأرض؟”.
التوتر الذي يخيم على أجواء العلاقات بين واشنطن والرياض وأنقرة، والتي تعدّ من كبريات القوى السنية في المنطقة، يجعل من استراتيجية أوباما في محاربة داعش صعبة التنفيذ. فالسياسة الأميركية الحالية حسب روس هي سياسة “التدرّج”، وهي تهدف إلى احتواء الأزمة ومصمّمة على أساس التعامل مع النكسات، وهي محدودة النتائج، كما يقول، وأكبر مثال على ذلك هو أنه عندما تحرّرت مدينة الرمادي في العراق، فشلت الاستراتيجية في إعادة السكان إليها، وفشلت في إعادة إعمار المدينة. كما أنها فشلت أيضا في مسح وتطهير المدينة من الألغام.
من وجهة نظر الإدارة الأميركية، فإن داعش يدّعي أن لديه تفويضاَ إلهياً، وبالتالي فإن خسارة الأراضي والمدن التي يسيطر عليها ستؤدي إلى ضرب صورة داعش عند أنصاره، وبالتالي يخسر لوجيستيا ومعنوياً. ولكن لكي يهزم داعش، يقول روس، يجب أن تكون خطة واشنطن سياسية متكاملة ومستدامة تضمن تأهيل القوى التي ستحل مكان داعش.
المشهد عند داعش معتمد على الاستقطاب، بحسب روس، فهو يضع المسلمين بين خيارين، كما حصل في سوريا. ونرى أن هذا الأسلوب متبع أيضا من قبل النظام السوري، “إما الأسد أو داعش”، وأيضا نلاحظه عند الروس. لذلك لا يمكن وضع حد لهذا الاستقطاب، ولا يمكن إنهاء داعش إلا بشريك مسلم سني يشارك في إضعاف الحجة القائلة إن داعش ممثل السنة في المنطقة، وهذا أيضا ما تفتقر إليه إدارة أوباما.
الصــــــــراع وحل الدولتين
لا يرى روس كبير المفاوضين والمسؤول السابق عن محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية أيّ حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني سوى حلّ الدولتين. في مكتبه المطل عل أهم شارع في واشنطن “الكي ستريت”، علقت على الحائط صورة لرجل عربي بكوفية فلسطينية ورجل يهودي يرتدي “الكيبا” وكأنه يريد أن يعكس لزواره الأمل في التوصل إلى ذلك الحل المتعسر.
إيــــران تلعب اليوم دورا مدمرا في العراق. وتمنع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من تسليح القبائل السنية لمحاربة داعش، بالإضافة إلى اعتقالها مواطنين أميركيين. وما يبدو حتى الآن هو أن حجة واشنطن بأن هذا الاتفاق سيغيّر من طبيعة إيران وسيقوم على تقوية التيار الإصلاحي فيها غير واقعية بالمــــــــرة
قال روس لـ”العرب”: إن لدى الطرفين حركتين وطنيتين، كل منهما تتمتع بهوية وطنية خاصة بها. ولا يمكن التوصل لإنهاء هذا الصراع إلا عن طريق حلّ الدولتين، لأن حلّ الدولة الواحدة سيعني الحرب، مشيرا إلى أن هذا الجمود في المفاوضات لا يخدم أيّ طرف.
وفي سؤاله عن حياديته أثناء عمله التفاوضي، أجاب مبتسماً “رئيس الوزراء السابق إيهود باراك كان يقول لي أنت محامي ياسر عرفات، وعلى الجانب الآخر، اتهمت بأنني محامي إسرائيل”. يبرر روس ذلك بأن عمل الوسيط إنما هو تلبية للاحتياجات لدى الطرفين، كي تتحقق إمكانية التوصل إلى تقريب لوجهات النظر يمكن البناء عليها.
مستقبل الشـــــــرق
المنطقة كما يرى روس، تشهد تغيراً استراتيجياً كبيراً من ناحية الأوّليات، واليوم يتفق العرب والإسرائيليون في نظرتهم إلى التهديدات التي تحيق بالمنطقة والمتمثلة في خطر النفوذ الإيراني والجماعات المتطرفة.
يبدو مستقبل منطقة الشرق الأوسط في عيني روس مستقبلاً تحفّه المخاطر ويشوبه الكثير من الغموض، لأنّ الصراعات التي يشهدها الشرق الأوسط وخاصة في سوريا ستستمر لعقد من الزمن. صراعات لبسط النفوذ، بين قناعة إيران بأحقيتها في السيطرة على المنطقة، وبين ما يقابل تلك القناعة من مقاومة من الطرف العربي.
وصف روس صراعات تدور بين الجماعات الإسلامية المتطرفة السنية والشيعية وتلك الصراعات بين القوى الإسلامية وغير الإسلامية. فكل واحد من تلك القوى يحاول تحديد هوية الشرق الأوسط. مضيفاً أن سوريا ليست القضية المحورية في هذا الصراع، بل تهديد بنية الدولة وخطورته الكبيرة على المنطقة وعلى أميركا في حال تمّ تدميرها، وأن الجماعات الإسلامية السنية والشيعية تعمل على هدم بنية الدولة وهذا ليس من مصلحة أحد. لذا على الولايات المتحدة فهم حقيقة الخطر الذي يواجه المنطقة والعمل على إقامة علاقات مع شركائها في المنطقة لتستطيع إعادة الاستقرار ومحاربة الإرهاب.
مملكتنا.م.ش.س/عرب