نافذة حول كتاب “سلطة الاستبداد و المجتمع المقهور”
جليلة بنونة
الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يعلو كل شئ في هذه الدنيا، فإذا انحط وتدهور، فإن جمال الحضارة، بل حتى عظمة الدنيا المادية لن تلبث ان تزول وتتلاشى، إنه ليس فقط ذالك المخلوق شديد التعقيد الذي تحلله فنوننا العلمية ،ولكنه أيضا تلك الميول والتكهنات وكل ما تنشده الإنسانية من طموح، كل آرائنا عنه قد تكون عبارة عن معلومات غير دقيقة، ومن ثم فإن فكرتنا عن الإنسان تختلف تبعا لإحساساتنا ومعتقداتنا، لاشك مطلقا في أن عوامل فسيولوجية وعقلية معينة هي التي تقرر السعادة والتعاسة والنجاح أو الفشل، ولكننا لا نعرف ماهي هذه العوامل؟ ، إننا لا نستطيع أن نهب أي فرد الاستعداد لقبول السعادة بطريقة صناعية .
وحتى الآن، فإننا لا نعرف أي البيئات أكثر صلاحية لإنشاء الإنسان المتمدن وتقدمه، فمن الواضح أن جميع ما حققه العلماء من تقدم فيما يتعلق بدراسة الإنسان مازال غير كاف وأن معرفتنا بأنفسنا مازالت بدائية في الغالب،سنفتح نافذة اليوم لكتاب “سلطة الاستبداد والمجتمع المقهور” نتعرف على هذا الإنسان الذي يعلو كل شئ في هذه الدنيا، وكيف يصبح اذا مسحت انسانيته من خلال القهر والاستبداد ، أكيد يتصرف بسلوك مضاد وخال من الإنسانية ضد الآخر، وهذا ما تحدث عنه د. مصطفى حجازي “سيكولوجية الإنسان المقهور” ، لأنه واجه نوعين من الضغوط، ضغط نفسي واجتماعي، مما ينعكس على مجمل سلوكه وتصرفاته مع محيطه الخاص والعام .
فالضغط النفسي يتعلق بظروف نشأته وتختلف مسبباته حسب الأشخاص، وأما الضغط الاجتماعي يكون بسبب القهر والعنف المسلط عليه من سلطة الاستبداد تتمثل في قهر إنساني، في قوة فارضة عليه قانونها سواء المشغل الذي يتحكم في قوته أو الموظف الذي يبدو كأنه يملك العطاء والمنع، وبذالك يصبح هذا المخلوق لا حق له ولا مكانة له ولا قيمة إلا ما شاء الطرف المتسلط أن يتكرم به عليه، ومن هنا لا يجد الإنسان المقهور سوى الخضوع لهذا العنف المفروض بالخضوع والتبعية والوقوع في الدونية كقدر مفروض، إنه عالم التسلط واللاديموقراطية .
فسلطة الاستبداد متأصلة من الطغاة، لأن الطاغية نفسه شخص مريض نفسي، تتأصل في وجدانه هواجس الحقد والكراهية، مما تدفعه لاستخدام العنف المفرط ضد المخالفين له في الرأي، فهو خارج عن كل المبادئ والقيم الأخلاقية، وغالبا ما يكون انحداره من “مجتمع القاع” وسلوك الطغاة سلوك من نوع خاص، حيث يرى “عبدالرحمن الكواكبي” كل مستبد سياسي إلا يتخذ لنفسه صفة القادسية، يشارك فيها الله “الحق الإلهي في السلطة”، أما “جون لوك” يرى :”أن الطغيان يبدأ عندما تنتهي سلطة القانون”، فالأنظمة الديمقراطية ليست بحاجة لأجهزة قمع متعددة، فالعلاقة بين المجتمع وهذه الأجهزة الأمنية غير عدائية، بل يلجأ المواطن إلى الشرطة للحصول على الخدمات الضرورية، واستخدام العنف في النظم الديمقراطية هو فرض النظام والحفاظ على الممتلكات العامة .
وفي هذه الحالة يصبح العنف الممارس من طرف هذه الأجهزة عنفا مشروعا ،ويرى “روبسبيير” *أنه لا يجب أن يخلط الناس بين استبداد الحرية واستبداد الطغيان ،فالشدة وما يلجأ إليه الطغاة مصدرها التعنت والقسوة، أما الشدة التي تمارسها الحرية فمصدرها حب الخير *، وعند تلازم حالتي الضغط النفسي والضغط الاجتماعي تصبح آثرهما مدمرة على تصرفات هذا الإنسان ، مما يجعله يعاني اعراض القلق والتوتر المزمن ، فعلا إنها حالة العجز والوهن التي تلازم الإنسان المقهور ،تجعله يعاني الإحباط واليأس وعدم القدرة على تحقيق الذات، فتتعاظم هواجسه في الحقد والكراهية ضد المجتمع ،وكلما زادت هواجس الحقد والكراهية لدى الإنسان المحبط والمقهور طغت على سلوكه وتصرفاته أنماط من العنف والاستبداد ضد الأفراد المحيطين به ،لا يمكن إرجاع حالة الحقد والحسد للإنسان المقهور وما ينتج منها من عدوانية تطول محيطه إلى دوافع بيولوجية يختص بها الإنسان دون الحيوان، بل إلى تدهور حالته النفسية بسبب اختلال توازنها وضعف مقاومتها للضغوط الاجتماعية، ولذا يصف “انطونيني” الفارق بين عدوانية الإنسان والحيوان قائلا :”إن الحقد هو أهم ما يميز عدوانية الإنسان عن عدوانية الحيوان .
فليس هناك حقد بين الحيوانات ،كما لا تصل ابدا إلى درجة الاستغلالية عند الإنسان ،فالحقد هو هو عدوانية تتجاوز حدودها البيولوجية لتصل إلى حالة نفسية خاصة ” ومن أجل تخفيض حدة العدوانية بين أفراد المجتمع ،يجب القضاء على مسببات الحقد والكراهية كحالة القهر والتعسف ،إضافة إلى مكافحة الأمية والجهل والفقر ،والاستغلال غير الإنساني للفئات المسحوقة ،ان سيادة العدالة والمساواة في المجتمع كفيل بانتزاع مسوغات الكراهية والحقد ،ويكون الاحتكام إلى سيادة القانون واخضاع كل أفراد المجتمع دون استثناء للمساءلة القانونية عند التجاوز على حقوق الغير ،وتلك المساءلة القانونية يجب أن لا تستثني حتى أصحاب النفوذ السياسي أو المالي أو القانوني ذاتهم ،عند تجاوزات تخل بشروط العقد السياسي والاجتماعي.
مملكتنا.م.ش.س