نافذة حول كتاب ” الجهل الجديد ومشكلة الثقافة “

السبت 19 مارس 2022 - 15:59

نافذة حول كتاب ” الجهل الجديد ومشكلة الثقافة “

جليلة بنونة 

أصبحنا نعيش في عصرنا نوعان جديدان من الجهل ، وهما متناقضان كليا مع بعضهما البعض ، بحيث أن النوع الأول من الجهل ،يفتح الطريق ويحررها، إذ يطرح تساؤلات جديدة، تثيرها الاكتشافات الجديدة وهذا ما يسمى بفلسفة السؤال ،لأن السؤال هو مفتاح لكل معرفة كيفما كان نوعها بسيطة في مظهرها أو معقدة في جوهرها ، أما النوع الثاني من الجهل، هو الذي سماه “أفلاطون” “الجهل المزدوج” “حيث نتوهم أننا نفهم في حين أننا لا نفهم”.

وهذا هو الجهل القاتل، لأنه أخطر أنواع الجهل والأكثر شراسة ، فإذا كان النوع الأول من الجهل تحركه مقدمات المعرفة، فأما الجهل الثاني يعيش أفراده على الوهم بأنهم يعرفون وحقيقة أمرهم أنهم لا يعرفون، لأنه سبب كل ما يحدث من شر، وسبب أيضا كل الأخطاء التي يتعرض لها فكرنا جميعا، لأنه يحدد حماقة بعض الأشخاص اللذين يظنون أنهم خبراء في مجال معين وهم في الحقيقة مجرد سجناء في مغارة لمدة طويلة، يعيشون على ثقافة الوهم والتفاهة أو ثقافة الموت التي تزرع الأوهام وتشيع البؤس والكآبة ،وتشحن النفوس بالكراهية تجاه الغير ، بدل ان تزرع فيهم ثقافة الحياة وتربيتهم على الوطنية الايجابية، التي تدفعهم للبناء والتنمية والتقدم وكل ما فيه خير لاوطانهم .

هو كذلك جهل الإنسان بكرامته، جهل الإنسان بطاقاته ، جهل الإنسان بذاته ،فإذا كان الإنسان حر في الاختيار، إما اتباعه طريق العلم أو طريق الجهل، نحن البشر علة هذه الحرية، لأننا نغض النظر عن كل ما هو ذاتي ايجابي ، لا ننظر إلى أنفسنا كطاقة بشرية ولها مقوماتها، بل نستبعد الخبرة البشرية،و أصبحنا عبيد التفاهة والرداءة، وترسيخ ونقل ثقافة التفاهة من فرد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، الكل أصبح ينتجها ويقع فريسة لها.

وهذا هو جديد هذا الجهل الذي سطت فيه القوة التكنولوجية وتدميرها لكل ما هو موروث ثقافي، خاصة الشباب اللذين يعتبرون قوة المجتمع ، ونظام التفاهة أصبح يغزو هذه القوة ويضعفها في كل مناحي الحياة.

في الفن “عروض موسيقية رخيصة باعتبارها فنا راقيا” ،التلفزيون “ترسيخ ثقافة العنف عبر افلام ومسلسلات، غايتها إفراغ الإنسان من انسانيته وزرع أنماط الوحشية والبربرية” .

أما الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل الإجتماعي “تويتر، فيسبوك وانستاغرام…” التي نجحت في بلورة الفكر وتبادل الآراء وهذه هي الغاية الأساس التي خلقت من أجلها تكريس مبادئ الثقافة ،حيث يتفاعل روادها عبر مناظرات وخطابات ومراسلات وكتب هي الأخرى زاغت عن هدفها وأصبحت قبلة للتافهين ،بل نجحت هذه المواقع في “ترميز التافهين “أي تحويلهم إلى رموز ويظهرون لنا بمظهر النجاح وهذا أمر يسأل عنه المجتمع الذي دأب على التقليص التدريجي لصور النجاح الحقيقي الذي عرفته البشرية، كالعمل الجاد من آداب وفنون ورياضة الخ….

فألغاها جميعا من قائمة معايير النجاح، حتى اختزلها في المال فقط، ومن هنا يمكن القول أن الهدف النهائي هو اسباغ التفاهة على كل شيء، حتى يصيب العقل البشري بالعقم من كل ما هو ثقافي ومعرفي وتصبح التفاهة كيان قائم بذاته.

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الجمعة 29 أغسطس 2025 - 12:47

الهدهد .. لوبيات غاضبة وأقلام مأجورة ضائعة .. المغرب يصنع التاريخ ومن وراء مقالات “لوموند” يَئِن !

الأربعاء 27 أغسطس 2025 - 22:14

الافتتاحية الصباحية .. حين يسقط الإعلام الجزائري في امتحان الحموشي

الثلاثاء 26 أغسطس 2025 - 23:07

مهدي حيجاوي .. الكارثة الفكرية التي تظن نفسها مرجعاً أمنياً !

الإثنين 25 أغسطس 2025 - 16:13

الحلقة الثانية .. العمارة المتخيّلة هرم الظل في عالم الحيجاوي