أثارت التصريحات الأخيرة لكريستوف لوكورتيي، سفير فرنسا بالمغرب، التي أعلن فيها أن بلاده كانت دائما إلى جانب المغرب في دعم مواقفه تجاه قضية الصحراء وأن الجيش الفرنسي سلح نظيره المغربي بل وتدخل عسكريا ضد الجبهة الانفصالية، غضب البوليساريو التي طالبت، في بيان، الدولة الفرنسية بما أسمته “إنهاء مشاركتها في العدوان على الشعب الصحراوي”.
وحمل البيان الصادر عما يسمى “وزارة الإعلام في الحكومة الصحراوية”، فرنسا مسؤولية “منع استتباب السلام والاستقرار في منطقة شمال غرب إفريقيا”، و”التواطؤ” مع المغرب الذي قال عنه البيان إنه “يشكل العقبة التي تحول دون وحدة شعوب المغرب الكبير والتعاون والتكامل بين بلدانه”، مسجلا أن “مواصلة الدعم الفرنسي للمغرب ضد الشعب الصحراوي ستكون له عواقب وخيمة على جميع دول وشعوب المنطقة المغاربية، وعلى المصالح الاستراتيجية الفرنسية”.
ماض منعدم وبداية تآكل
في تفاعله مع هذا الموضوع، قال مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، ناشط صحراوي قيادي سابق في جبهة البوليساريو، إن “هذه الأخيرة أخلفت الموعد مع التاريخ، حيث إن هذا البيان كان يجب أن يصدر يوم 10 فبراير من العام 1958 إبان عملية إيكوفيون التي شنها الجيش الفرنسي بمعية نظيره الإسباني على الصحراويين وعلى جيش التحرير المغربي في الصحراء”، مشيرا إلى أن “السؤال المطروح هو: أين كان كانت البوليساريو خلال هذا التاريخ؟”.
وأجاب المصرح لهسبريس بأن “الجبهة لا تتكلم عن هذه الحادثة وليست موجودة في تاريخها ولم ولن تندد يوما بهذا الاعتداء الفرنسي الإسباني المنسق على الصحراء، لأن البوليساريو لم تكن وقتها أصلا موجودة، وإنما كان هناك جيش مغربي يتبع للسلطان الراحل محمد الخامس”، موضحا أن “السفير الفرنسي تكلم عن هذا الأمر في إطار التعاون العسكري المشترك بين دولتين مستقلتين، أما الهجوم الفعلي على الصحراء فتم خلال سنة 1958، غير أن البوليساريو لم ولن تجرؤ على الحديث عنه لأنه سينسف وجودها”.
ولفت القيادي السابق في صفوف الجبهة إلى أن “البوليساريو إنما تتباكى من خلال هذا البيان على ماض غير موجود أصلا، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أنها فقدت البوصلة وصار العالم كله في تصورتها عدوا لها ويتآمر عليها”، مسجلا أن “مثل هذه البيانات موجهة فقط للاستهلاك المحلي وليس لها أي تأثير خارجي، لأن الصورة والحقيقة ظاهرة للجميع”.
وخلص مصطفى سلمى إلى أن “مشروعية البوليساريو بدأت تتآكل والعد العكسي لانتهائها قد انطلق، خاصة وأن عددا مهما من سكان المخيمات أصبحوا واعين ويتواصلون مع العالم الخارجي على عكس ما حدث في الماضي حين تم الزج بهم في المخيمات وقطع اتصالهم بما يحدث في العالم. وبالتالي، فقد تراجعوا على إثر ذلك أو بدؤوا يراجعون أفكارهم والأطروحات التي لقنتهم إياها الجبهة، خاصة وأنهم بدؤوا يؤمنوا بأن مشروع الانفصال لا يمكن أن يتحقق”.
تكريس للموقف ومواجهة مع العالم
محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، قال إن “تصريحات السفير الفرنسي تأتي في سياق التفاعل الإيجابي لباريس مع الرؤية الدبلوماسية الملكية التي سبق أن عبرت عنها خطابات الملك محمد السادس التي جعلت من قضية الصحراء النظارة التي يقيس بها المغرب شراكاته وصداقاته الدولية”.
وأضاف عبد الفتاح، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تصريح السفير يكرس الموقف الفرنسي المتقدم الذي سبق أن عبرت عنه فرنسا خلال جلسة مجلس الأمن في أكتوبر الماضي حول الصحراء، بما يواكب التطورات الدبلوماسية المتسارعة التي يشهدها هذا الملف”، موضحا أن “ما عبر عنه لوكورتيي يأتي أيضا ليجهض محاولات أعداء المغرب الذين عكفوا على ابتزاز الدولة الفرنسية باستعمال مجموعة من الأوراق السياسية والاقتصادية، على غرار ورقة الغاز وغيرها من الأوراق الأخرى، لثني باريس عن إبداء أي موقف متقدم بخصوص هذا النزاع المفتعل”.
وبين المتحدث أن “الجبهة الانفصالية من خلال ترديدها لهكذا خطابات، تؤكد من جديد ارتهانها لخطاب سياسيوي متجاوز ينطلق من اعتبارات إيديولوجية وأطروحات وسياقات تاريخية ضيقة تتنافى مع الواقع وتؤكد أيضا طابع الجمود الذي يميز فكرها السياسي الذي ما زال يؤمن بما تسميه الكفاح المسلح الذي يعود إلى فترات الحرب البادرة”.
وخلص رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان إلى أن “بيان البوليساريو يترجم في الحقيقة عجز هذه الأخيرة عن مواكبة التطورات المتسارعة التي يشهدها ملف الصحراء المغربية، المتمثلة في تنامي الدعم الدولي للمملكة المغربية، وتشبثها بخطاب إلقاء اللوم على الغير وتحميل مسؤولية فشلها السياسي والدبلوماسي لأطراف دولية أخرى، على غرار فرنسا أو إسبانيا أو حتى مجلس الأمن الدولي في كثير من الأحيان، وبالتالي أصبحت الجبهة ومعها خصوم الوحدة الترابية في مواجهة مع المجتمع الدولي والأممي، وليس في مواجهة المغرب فقط”.
مملكتنا.م.ش.س/وكالات