في عبق الذكرى واستحضارا لأريج المناسبة ، مؤلف يفكك الخطابات الملكية و يحتفي لسانيا بالمحطات التي شكلت خلال ربع قرن فواصل على عهد صاحب الجلالة

الثلاثاء 30 يوليو 2024 - 15:58

أكد السيد ياسين ازريعة، باحث في خطاب اللسانيات ولسانيات الخطاب، ان مؤلفه الموسوم “بلاغة الإيجاز وفصاحة الإنجاز: السمات اللسانية ذات الأولوية في الخطب المولوية” “كتاب حاز قصب السبق في مجال النبش اللساني في طبقات الخطاب السياسي عموما والملكي تخصيصا، وفق مناويل قرائية انطلقت من البلاغي والإبلاغي والتواصلي ومرت بالمستوى الأسلوبي والنحوي والصرف-تركيبي والمضاميني والإقناع والإبداعي والسيميولوجي.
ويورد في هذا السياق ان “مشروع بسط كل رقيقة ودقيقة من متن خطابي ملكي تراكمي كمي وكيفي ناهز ربع قرن في سقف كتاب لم يتجاوز 530 صفحة كان كمن طاب منه ان يضع جَملا في شطيرة”.

أنا عند قائمة الإعتبارات الموضوعية التي جعلته يختار هذا التوجه البحثي بطرح بديل للبحوث والأطاريح التي حللت لسانيا او سياسا الخطاب السياسي وخطب الزعماء، فقد اورد ان الامر يندرج في اطار دأبه على “تحقيق محورية الإضافة وفق مستويات ومناويل قرائية جديدة للمتن الخطابي الملكي،على أن تُشكل مساهمتي انفتاحا على تخصصات اخرى من خلال تكريس التوالج القائم بين عالم وعلم السياسة وعالم وعلم اللسانيات”.

كما رام المؤلف “الوقوف عند أوجه الإلتقائية بين الحقلين وكذا محددات الإلتقاء وموجبات الوفاء بين الملك وشعبه، فاهتديت في محصلة الأمر إلى وجود مساحات تقاطع مكّنت مغربنا في العديد من المحطات من تفادي القطيعة التي تقطعت بسببها أوصال شعوب برؤسائها، فقطَّعت المشانق رؤوس القادة على المقاصل، وتفرقت السبل بلاجئيها بين دول العالم بين مستجد ومعوز وسائل.

واسترسل في التاكيد على “ضابط السبق يجلوه أيضا حاصل دراسة مسحية للأعمال البحثية ذات الصلة بالخطابات الملكية، حيث طاف البعض فقط بتحليل الخطابات المولوية سياسيا ولم يتوسل جلهم بالأدوات القرائية اللسانية إلا من باب التوطئة المفاهيمية.
حتى من حاول غزل ألياف اللغة الخطابية الملكية، فَعل ذلك على استحياء وغازل المؤسسة أو نازل الحقول الأخرى، فتنازل بكل الأحوال عن العلمية طمعا أو وجلا أو خجلا، فاقتصر على الشق التواصلي وفق تناول سطحي لم يبرح الشق المفاهيمي”، كما اومض لذلك، موردا بعضا من الأبنية الدلالية التي وردت في مصنفين تيميين“لآليات اشتغال الخطاب عند الحسن الثاني في الحقلين الديني والسياسي”، رغم تغريدهما خارج الزمن السياسي الذي أرادت لمؤلفي أن يتحرك فيه، لارتباط طرحهما وأطروحتيهما بعهد الملك الراحل الحسن الثاني.


ويرى المؤلف ان”المستشار الملكي الراحل الدكتور محمد معتصم في تأصيله للتقليدانية الملكية دستوريا، ظل واقفا عند عتبة المدخلين السياسي والدستوري، لذلك آنست نفس التماشي مع سنة تحاشى المقاربة اللسانية في العديد من البحوث المتراصة في طبقات جيولوجيا وجنيالوجيا النسق السياسي المغربي، ولدى ثلة من أركان البحث، بما فيهم رائد البحث الأنتربولوجي جون واتربوري في كتابه حول “الملكية والنخبة السياسية في المغرب”.
في هذا السياق، لن يود التاكيد على انه لم يستعرض كل الأطروحات ليطارحها مواقع التقصير “وسأُعرض عن ذلك لعلمي الصميم أن لأصحابها منطق كتابة وسياق مرحلة كانا يستدعيان بناء موقف ما أو الحياد من خلال اللاموقف، وعدد من الاعتبارات التي كان يتعذر فهمها أحيانا حتى على خطاطات الفهم والمنط.
كما أن استقراء البنية البحثية ذات الصلة بالمؤسسة الملكية أو حقل تحليل خطاب السياسة، يحيل على غياب نسبي لفئة بحث عبر تخصصي transdisciplinaire بين عالمي السياسة والخطاب وعِلميهما، ويستدعي جيلا جديدا من الباحثين في الميدان لرأب الصدع”.

ويرى المؤلف ان “ما قيل عن الجيل الذي نحن بصدد البحث عن منتسبيه يدفعني دفعا للحديث عن الأسباب الذاتية التي جعلتني أتوسم القدرة على توطين نفسي ضمن هذا الجيل: فضمن الأسباب الذاتية، يسعفني تكويني المزدوج في القانون واللسانيات لفهم التوالجات القائمة بين حقل السياسة وعلومها وعلوم اللسان، إضافة إلى ميلي إلى هذا النوع من الدراسات عبر–التخصصية (اللسانية والسياسية والاجتماعية والتواصلية …)، الرامية إلى تفكيك الخطاب ومعرفة أنظمته، وبالتالي النفاذ إلى مراميه، فأدلي بدلوي أسوة بالذين تناولو ألوانا خطابية إقناعية أخرى في حقول غير حقل الخطاب السياسي وسياسة السّاسة (كالخطاب الإشهاري والتواصل السياسي ودور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام”.
كما أردف قائلا: “فما أنزه نفسي ومنجزي عن الذاتية لان كان في اختيارها حظا للنفس، فقد أردت فعلا أن يقع اختياري على موضوع بِكر لم تُعبِّده أقلام الباحثين، فيجد القارىء والمهتم قطوفا مما أدنيته منهم دون شتات بين الديار، فيولون الأدبار ليجدوا ضالتهم بين دفتي الأطروحة التي أردتها مقدمة لمشروع توأمة جامعية، نُقارب من خلالها لسانيات وسيميائيات الخطاب الملكي لنُقرِّبها من دويلات الجوار المعرفي.
عند سؤاله عن مناط هذه المجازفة البحثية، اسر لنا بالقول أن “رهاني أن أُنجح هذه الزيجة المختلطة دون أن أَجنح في هذه المهمة المسحية لأركيولوجيا الخطاب الملكي والسياسي عموما، فأقدم مساهمتي أسوة بإخوتي، في أفق الخروج مستقبلا بفريق عمل عَبر- تخصصي ينهض بمهمة تتبع الإنتاج الخطابي الملكي والسياسي الوطني تَصوُّرا، وصياغة، وتحليلا وتناولا لمستويات توقيعه وقياسا كميا لدرجات وقعه”.

وعليه، “فإن حديثي عن الذاتي جعلني لا أرجم بالموضوعية المُطلقة التي تَطلِّق الذاتية عند اصطفائي لخطب دون غيرها ضمن مدونة خطابية ملكية ممتدة زمنيا وتيميا على مساحة فترة 25 سنة من الحكم، لإستحالة الإنطلاق من جميع الممارسات الخطابية الملكية (خطابات، حوارات، رسائل، رسائل ملكية سامية يتلوها مستشاروه، كلمات ترحيبية تتخل مأدبات تقام على شرفه او شرف ضيوف جلالته…) وكذا صعوبة تحنيط تلك المدونة الخَطابية الممتدة لربع قرن في كتيب له سقفها الكمي: فحتى عند اختياري لفقرات بعينها دون سواها، أو عند إيثاري لشذرات دون أخرى، فقد كان في الاختيار منسوب من الذاتية، على نحوٍ كان يُنذر بخروجي عن جادة الإختيار الموضوعي، لأن الإعجاب ضرب من ضروب النفس التي تَعيب البحث الاكاديمي، فكان لزاما علي أن أكبَحَه من خلال خطاطة محاذير وتحصينات منهجية سطرتها سلفا”.

وعليه، يورد المولف بلسان الصدق القول قلتها صريحة فصيحة لما آويت إلى سَوْق عدد من المحاذير التي تعصمني من الذاتية ومن مغبة السقوط الموغل فيها، فخلِّصت ذمتي منهجيا وأخلصت لسَنن الموضوعية وسُننها عبر رُزمة ورزنامة من الضوابط المنهجية، فحجّمت وقزمت ولجمت هذه الذاتية وتحررت منها لما تحريت تكثيف المقاربة الوصفية، واستخرجت جداول إحصائية، واعتمدت مؤشرات كمية مُتحصَّلة من عمليات تفتيت النص وتحويله إلى أرقام وبيانات وخطاطات”.

ولكي يُستتب أمر تغطية كل المداخل النظرية والتطبيقية، “طرحت العديد من الأسئلة البحثية الناظمة وطارحتها سُبل التفكيك، فتناسلت بشكل مسترسل فولدت الواحدة الأخرى وفق الآلية الفرويدية لتداعي الأفكار الحر، حتى ناهزت 387 سؤالا بلورتها بإيجاز المقال حول حاملين توكأ عليهما جسد الإشكالية.

وقد شكل هذان الحاملان قادحا لبحث ما تواريه الخطابات المولوية من عوالم استراتيجية خطابية وتواصلية، تراعي السياق، وتتصف بالإتساق، وتروم فهم الأنساق الإتصالية وخواريزمات خلق التتبع الجماهيري ومؤشرات التتبع والإجابة والإستجابة وقنوات الإبلاغ ورسالية الإقناع، خدمة لمأرب الانسياق وتحقيق الإجماع على محورية المؤسسة الملكية في النسق السياسي المغربي باعتباره الضامن لوحدة التشكيلات الموزاييكية واللغوية والقبيلة والجهوية المغربية”.

وعليه، فقد تفرقت مشاريع اجوبة الباحث “بين ديار فصول أربعة وتفرعت بعدها بشكل عنقودي en grappes، وارتصفت وتراصت على وجه 530 صفحة، فجيء لجل الأسئلة بمحاور مُجزاة والتُمِسَ من اللغة ومنها أن تجزي الكيل كيفا وكما، علّها تولجنا إلى عالم البلاغة المولوية”.

بشكل تفصيلي، يصرح المولف فقد انه رسم “أهم ملمح لملامح مورفولوجية الخطاب الملكي من خلال قراءة في الشكل ومستويات الاتساق الترتيبي والتركيبي للخطاب الملكي والصياغة وإبداع الصاغة، والشكل الهندسي والطقوس المرتبطة بالإستهلال والإستقبال وتهييئ شروط الإقبال التي يوطئ لها الإعلان المعلن للعنوان وللفعل الخطابي من خلال لازمة “صاحب الجلالة يخاطبكم”…فضلا عن قراءة في لوغاريتمات تفكيك بعض الوقائع اللغوية، والوقوف على الاستلزام الحواري، لعلاقته بالأفعال الأنجازية غير المباشرة ودوره في معالجة الأساليب الخبرية المستلزمة خبريا (في الجملة المثبتة، وفي الجملة الخبرية المنفية، وفي الجملة الخبرية المؤكدة)، وكذا في معالجة الأساليب الإنشائية المُستلزمة حِواريا (في الامر والنهي والإستفهام وفي النداء أيضا) “.

ولم يقف عند هذه العتبة، لانه إن “كنت قد وقفت في البدء عند الشكل ومستويات الإتساق الشكلي، فقد افردت بعدئذ مساحات للحديث عن سياقات التشكل وعلى مستويات السياق، وخصيصة تنويع الأساليب الخطابية والإستراتيجيات التداولية التي توقع بها المؤسسة الملكية أفعالها المادية وإشاراتها الرمزية، فترِد في سياقاتها المخصوصة لترسم المآل بعد مراعاة سياق الحال والسياق الموقفي، ومستويات الإدراك الملكي وحتى لحظات الإستدراك، فتعطي بذلك للملك ولخطاباته مستويات قبول ومنسوب إقبال يحضان على الإذعان الإرادي والإنسياق الجماعي أوالأحادي-الإنفرادي”.

وانسجاما مع العنوان الفرعي للكتاب، (محور بلاغة الإيجاز وفصاحة الإنجاز)، ذهب مسار “التحليل والمفاتشة في اتجاه الحديث عن بلاغة الخطاب المولوي من خلال توصيف محددات الإيجاز والقوة الإنجازية للأفعال الكلامية، قبل تعقب القوة الإنجازية للأفعال والوقوف على الإدراك الملكي لمفهوم الأفعال اللغوية المباشرة وغير المباشرة، وتقويته للعناصر اللغوية وغير اللغوية أيضا، كما وردت مُتضمَّنة في أسلوب التوكيد والمؤكدات وسلطات جلالته التكلمية، والحُكمية والحاكمية والتوجيهية والتبليغية التي تجعل لمنطوقه هِبة وقوة مستمدتان من منزلة المؤسسة الملكية”.

كما تعمد صاحب الكتاب “التركيز على قيمة الإيجاز في النص المولوي بعيدا عن الشكل الذي يُدرَّس به الإيجاز باعتباره مبحثا من مباحث علم المعاني وعلما من علوم البلاغة، بتسليط الضوء على قيمة الإيجاز في بلاغة النص المولوي ودراسة تطبيقية لمتنه، حتى نتلمس أوجه الإيجاز فيه والقيمة البلاغية لعدد من الشواهد النصية اعتمادا على التحليل المباشر للنص من خلال نظرة استقصائية داخل السياق وبمناى عن النماذج المكررة لأنواع إيجاوز القصر وإيجاز الحذف التي تحفل بها ادبيات التوثيق البلاغي وعجزهم عن وضع ضابط لإيجاز القصر في نص الإعجاز البلاغي القرآني وسيرهم وفق قواعد هائجة مائجة مضطربة تأخذ البحث بالحدس والتخمين أكثر مما تأخذ بالقاعدة والتقعيد والتقنين”.

ولم يغفل الكتاب الحديث عن أنساق تواصل الملك مع شعبه، من خلال “ثنائية الرسائل والوسائل، حيث حَرِصت على تجاوز وسائط النسق الإتصالي الكلاسيكي للسلف التي أُفرِدَت لها سلفا العديد من الأطاريـح الجامعية، لأبسط الحديث بشكل حداثي عن القنوات والأوعية الإلكترونية الحديثة لضخ الخطاب الملكي الواعي في وعي الحقل الخطابي السياسي المتداعي، وعن منهجية المستشارين الإعلاميين للملك في استثمار الهِبة التكنولوجية لوسائط وشبكات التواصل الاجتماعي للجم الهَبّة الإحتجاجية الجماهيرية في عدد من المحطات المفصلية”.

وقد دفع تعقب مؤشرات التفاعل مع خطابات ملكه المفدى إلى بسط “الحديث مسهبا عن فضاءات التفاعل مع العاهل وتوزعها بين تفاعلية المنظومة المشهدية ومجاز رد العاهل الفاعل على انفعالية النشطاء الإلكترونيين، والحركية والتكثيف الخطابي الملكي الذي يصاغ على عجل لمواجهة الحراك والحَركة والحْرْكَة الخطابية المضادة، من خلال الحديث عن المؤسسة الملكية بين:
-تجدد الرســـائل وتمدد الوســـائل؛
-التدوين الرقمي الرسمي ومدونات الإعلام الإسمي من خلال نموذج المُدوِّن أو سفيان البحري صاحب موقع “كريم روايّال”، ودوره مؤخرا في تقليص مساحات الإبهام الحالي ووقف تناسل الإشاعات حول الوضع الصحي لعاهلنا وحياته وشؤونه الأسرية لتييسرها لشعبه، وما استتبع ذلك من ترسيخ ملكيٍّ لثقافة السيلفي مع شعبه الوفي، خرق فيه جلالته ما عرف عن احتراز سلفه من إقحام الشعب في الحدائق العائلية للملك الراحل”.

كما تحسست انامل البحث والتحليل “تقاسيم ومورفولوجية الرسائل العنوانية الآنية الموازية (المتعاليات النصية) وماتنطوي عليه حروف التشكيل وكذا الأداء البصري للشكل الكاليغرافي، فضلا عن خلفية الإبلاغ البصري وخلفياتها البلاغية ومهارة صناعة المعالجة الإعلامية، ودور الإشاريات الشخصية لجلالته”.

الحديث عن الوسائل والتعاطي الإعلامي مع الرسائل الملكية ساق المؤلف “لتوجيه بوصلة البحث والتحليل ولاستقصاء شَطر دور كتبة العرش ولفيف الإستشارة في الإشارة على الملك والتأشير على خُطب القصر وصاحب الإمارة، فضلا عن مهارات الصاغة في ترويج البضاعة في أسواق التداول الخطابي، وخبايا الأمور وما يدور ويمور في كواليس الكتابة وأوراش الصناعة والمعالجة الإعلامية للخطابات والرسائل الملكية، قبل أن أعرج في نهاية المطاف على محددات الإنسياق وراء خطاب ملكي بديل لخطاب سياسي ونقابي هذيل.

في هذا السياق، ولعلمه الصميم بأن “الأشياء تُعرف بضدها”، أعمل صاحب الكتاب “منطق مقياس المقارنة المعيارية Benchmarking، فانطلق من الخطاب السياسي بمستواه الشعبوي الهزيل والهذيل، وتطرق لفجور الخصومة وما شهده ولم يحبذ الإستشهاد به (حفاظا على نفس المسألة افة مع فاعلي الحقل السياسي والتزاما بواجب التحفظ)من تبادل للتقريع في لحظات المقارعة والجدل البيزنطي بين أجيال العمل النقابي والسياسي، وما وفق في الوقوف عليه من محاولات بائسة ويائسة لكل فاعل سياسي في بناء نصية خطابية غير متماسكة، تستمسك بناصية كاذبة، وما يعرفه كل كرنفال انتخابي من توالي خطابات التحقير الآخذة بمسوح السخرية والتصغير والتشهير بمنتوج الغير، وما سجلته تلك المساجلات من التباس في الموقف وتلبس بتلبيس الخطاب الحزبي لبيلسة الآخر…وما تواريه من خطاطات تدافع من أجل المواقع والمنافع، والمناصب والمكاسب والمراتب.

بالمقابل، تطرق المؤلف “لمسالك التأليف ومناط التكليف بصياغة خطابات ملكية لا تدافع فيها ولا دفاع ولا اندفاع، يجد المرء انها بحق خطابات ترافع، خطابات رفيعة بدل الخطابات الرقيعة، تترفع عن التدافع، وترفع سقف تداولها لتدويلها، خطابات متوثبة بدل الخطابات المتثائبة، في فصحى خطابها إفصاح عن الواقع دون رتوش أو سفسطة، والفيت فيها تقليصا لمساحات الإبهام وتوسيعا لفسحة الإفهام، مع تغليب الإظهار على صناعة الإبهار أو تصنُّع الإنبهار، وإيثار التفسير على التبرير، والدأب الدائم على التحليل والتفكيك بدل الإنزلاق في مهاوي التشكيك… مع توزع الخطابات بين بنائية وبيانية، تأليفية وموقفية وأحيانا توفيقية لوقف النزيف الذي كان سيعصف في العديد من المحطات باستقرار المملكة ومصالحها وملفات مصالحاتها وأوراشها الإصلاحية الكبرى.

ضمن الخلاصات والتوصيات التي توصل إليها الباحث والآفاق الجديدة التي يفتحها هذا السبر التحليلي، فقد اورد ان “رسالية النبش الاكاديمي يجلوها تجاوزي للفوبيا البحثية التي ميزت عهد الإنقلابات والدسائس، وما استبطنته تلك المرحل التحقيب السياسي من التوجس خيفة من اي تعقيب او تعقب تحليلي لخطابات السائس، حتى لسبر ما يحفل به من نفائس”، قبل ان يشير ويشيد “بالفتح البحثي الذي شكله عهد محمد السادس: بعد أن كان المرء لا يفتح فمه إلا وهو مُسجَّى فوق كرسي طبيب الأسنان، شاء الله أن تطلق الألسنة من عقالها والأقلام من معتقلاتها، فكُسِر جدار الصمت والتوجس من تفكيك الخطاب السياسي والتحرر الإعلامي من السلطة المنتجة للخطاب، في سياق مرحلة عرفت تقزيما لعالم اللغة واللسانيات لحجبه عن عالم السياسة، وبالتالي وصد باب التحليل واحتمال تحايل اللغة، وبالتالي الحيلولة دون فتح الباب للتبكيت أو التنكيت”.

لهذه الإعتبارات، يروم صاحب المؤلف مستقبلاً “المضي قدما في اتجاه رفع حالة توجس اللغة من دخول ردهات المعترك السياسي، لتفسح السياسة المجال للغة وتصفح عنها فتمكنها من تصفح أوراقها ودخول معتركها وجبهات معاركها، فتضرب بذلك صفحا عن عقود من القطيعة، فندشن مرحلة عنوانها الأبرز خلق التوالج والتواشج بين عالمين وعِلمين هما لَعَمري متنافران: علم اللغة وعلم السياسية، علّنا نحوز بذلك قَصب السبق في التقريب بين “العَدْوَتين العَدُوَّتين”.
وقد إختتم المؤلف بالقول انه لن يسترسل في الحديث “لأبقى في إطار اللياقة وأنضبط لضابط السقف الزمني وأضبط هذه الشذرة الملخصة مع عقارب ساعتي ومساحة الأعمدة التي خصصت لي في المساحة التحريرية، فأقول انه آن الأوان لأضع القلم وأستغفر المولى إن زلت القدم، ورجائي أن يلقى هذا الملخص حظه من المناقشة والمفاتشة والملاحظة والتدقيق والتحقيق، فيجد المؤلف بذلك سببا لتسويغ ذاته وتثبيت لبناته ضمن باقي الكتب ذات الصلة، فيثري الكائن ويتيح تلمس سبل الممكن في حقل تحليل الخطاب السياسي.

زبدة القول الفصل في عبارة وقف ساقف بها على بوابة الكلام بعد ان ألح في الإجابة عليه وفتح مسارب النقاش، بالرغم من علمي بأنني أطلت وكان حريّا بي لو أطللت، فلي اليقين أن للقارىء والمهتم من حاتمي العطايا وكريم السجايا ما يشفع لي، فلا عتاب إن تجاوزت العتبة الزمنية .

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الأربعاء 16 يوليو 2025 - 20:10

لجنة التعليم والثقافة والاتصال تشرع في المناقشة التفصيلية لمشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة

الأربعاء 16 يوليو 2025 - 15:47

تتويج الفائزين في النسخة الخامسة من المسابقة الوطنية التربوية “إنوي تشالانج”

الأربعاء 16 يوليو 2025 - 11:03

قصبة تادلة .. حفل تخرج الفوج الـ39 لمجندي ومجندات الخدمة العسكرية

الأربعاء 16 يوليو 2025 - 10:08

استقبال 300 طفل (ة) خلال المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للتخييم ببئر الوطن بالقصيبة باقليم بني ملال