الرباط – أكدت وزارة الخارجية البريطانية، في جواب عن سؤالين برلمانيين حول مزايا الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية والعقبات التي تحول دون إقدام لندن على هذه الخطوة، أن “الحكومات البريطانية المتعاقبة اعتبرت أن وضع الصحراء غير محدد”، مشيرة إلى أن بريطانيا تدعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين.
وسجلت الخارجية البريطانية، في أجوبتها التي اطلعت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية في الموقع الإلكتروني الرسمي للبرلمان، أن الحكومة في لندن تدعم الجهود الأممية ذات الصلة، وخاصة جهود ستيفان دي ميستورا بصفته المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، مؤكدة أن “المسؤولين البريطانيين يناقشون بانتظام قضية الصحراء مع الشركاء الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة والمغرب والجزائر؛ ويواصلون تشجيع المشاركة البناءة في العملية السياسية”.
وعرفت السنوات القليلة الماضية تنامي الدعوات من داخل مجلس العموم البريطاني إلى الحكومة في لندن من أجل الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وتأييد مخطط الحكم الذاتي، أسوة بالموقف الأمريكي، في وقت يؤكد مهتمون أن الموقف البريطاني وإن لم يكن يصطف صراحة إلى جانب المغرب إلا أنه لا يعاكس مصالحه، متوقعين أن تبلور لندن موقفا أكثر تقدما في المستقبل بناء على التغييرات التي تشهدها الخريطة السياسية في شمال إفريقيا.
وفي هذا الإطار قال عبد الفتاح بلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن “هناك نقاشا مستمرا حول قضية الصحراء المغربية في بريطانيا من قبل الإدارة والهيئة التشريعية، ودبلوماسيا من خلال مجلس الأمن، على اعتبار أنها دولة دائمة العضوية في هذا المجلس”.
وأضاف بلعمشي أن “مواقف النخبة السياسية ببريطانيا بدأت تصطف تدريجيا نحو الإقرار بمغربية الصحراء، خصوصا بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وظهور تطور في العلاقات الثنائية مع المغرب في المجالات الاقتصادية ذات الأهمية للطرفين؛ وإن تعذر إلى حد الآن الخروج بقرار رسمي واضح يلزم بريطانيا بخصوص ملف الصحراء إلا أن المؤشرات المتاحة تسير في اتجاه اتخاذ موقف إيجابي بهذا الخصوص”.
وبين الأستاذ الجامعي ذاته أن “موقف المملكة المتحدة من قضية الصحراء لا يعاكس المصلحة الوطنية، وفي الوقت نفسه مازال لم يرق إلى مواقف دول أخرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا وغيرها”، مشيرا إلى “أهمية الاطلاع على محاضر جلسات مجلس الأمن، خصوصا في السنوات الأخيرة، حيث يتجلى تطور ملموس في الموقف البريطاني مع ظهور لغة دبلوماسية جديدة حول قضية الصحراء المغربية تواكب تطور العلاقات الثنائية بين البلدين”.
وخلص رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات إلى أن “المصالح الاقتصادية في إفريقيا، مع ظهور اختلالات في التجارة العالمية، ربما جعلت بريطانيا تأخذ وقتا أكبر في دراسة وتقدير موقفها من قضية الصحراء قبل حسم هذا الموقف بشكل نهائي”.
وارتباطا بالموضوع ذاته أورد سعيد بركنان، محلل سياسي، أن “ما يميز موقف بريطانيا تجاه بعض الملفات العالقة والشائكة في العلاقات الدولية هو ضرورة الموازنة بين مواقف الأحزاب الكبرى المشكلة للحكومات المتعاقبة من هذه القضايا أولا، والمصلحة الإستراتيجية للدولة من وراء اتخاذ موقف محدد، بما تمليه الرؤية الإستراتيجية الفوق-حكومية والمرتبطة بالسيادة الأمنية والاقتصادية البريطانية على أراضيها ما وراء البحار”.
وأوضح المصرح لهسبريس أن “جواب الحكومة البريطانية التي يقودها حزب العمال يمكن قراءته على أنه من حيث المبدأ مساند لحق المغرب في سيادته على الصحراء، من باب الاستناد إلى مساندة مسار الشرعية الدولية بقيادة الأمم المتحدة، وما يؤكده عمليا هو الانتصار القضائي السابق الصادر عن القضاء البريطاني، بعد رفض الاعتراض الذي تقدمت به بعض الجمعيات المساندة لجبهة البوليساريو، المطالبة بعدم إبرام بريطانيا اتفاقيات اقتصادية مع المغرب تشمل منتجات الصحراء”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “هذا الجواب لا يعدو أن يكون جوابا سياسيا في انتظار بلورة تصور كامل بناء على مستجدات الوضع الأمني الإقليمي في المنطقة، وكذلك في انتظار استقراء للخريطة السياسية التي تكاد تتشكل في الدول المحيطة بالملف، خاصة في موريتانيا والجزائر”، معتبرا أن “الانتصار الحقيقي البريطاني لصالح ملف الحكم الذاتي وسيادة المغرب على صحرائه هو انتصار القضاء البريطاني وحكمه السابق لصالح المغرب، وكذلك الانتصار الاقتصادي للحكومة البريطانية الذي تضمنته ثنايا جواب سابق بكون الأنشطة الاقتصادية بالمنطقة هي أنشطة قانونية كلما احترمت مصالح الساكنة”.
وخلص المحلل السياسي ذاته أن “الأمر يتعلق بجواب سياسي يقر بسيادة المغرب على الصحراء، ويدعم ملف الحكم الذاتي من باب الشرعية الدولية التي تزكيها الدولة البريطانية بإجراءات قانونية وقضائية وبمواقف اقتصادية عملية”.
مملكتنا.م.ش.س