الرباط – بعد أسابيع طويلة من الانتظار المليئة بالتكهنات والسيناريوهات المتضاربة حد التناقض في بعض الأحيان، بات التعديل الحكومي واقعا وحقيقة، حيث أسفر عن نزول أسماء وركوب أخرى في قطار حكومة عزيز أخنوش، لتفسح المجال أمام سؤال محوري وأساسي هو: ماذا بعد التعديل الحكومي؟
بروفايلات عديدة تمزج بين التجربة السياسية والكفاءة المهنية طعمت حكومة التحالف الحزبي الثلاثي، وسط سقف عال من التطلعات الاجتماعية والشعبية نحو الأفضل، وإيجاد الحلول المبتكرة الكفيلة بنقل المغاربة من وضع اجتماعي معقد إلى آخر أقل تعقيدا.
“غلاء الأسعار” و”التضخم” و”الجفاف” و”الصحة والتعليم” كلها عناوين للتحديات الضاغطة على الحكومة والمجتمع في آن واحد، وإن كانت الأولى بشكل أكبر، كونها مطالبة بإبداع الحلول اللازمة والضرورية للخروج من الأزمة؛ الأمر الذي يفسر التغييرات التي طالت عددا من الحقائب الوازنة وذات الطابع الاجتماعي الصرف.
محمد العمراني بوخبزة، الأكاديمي والمحلل السياسي، اعتبر أن التعديل الحكومي أصبح “عرفا سياسيا يُعتمد في منتصف ولاية كل حكومة منذ دستور 2011، وهو شكل من أشكال تطعيم الحكومة بدماء جديدة لتعطي دفعة للعمل الحكومي في مواجهة الصعوبات التي قد تظهر في منتصف الطريق”.
وسجل العمراني بوخبزة، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التعديل الحكومي يمثل أداة من بين أدوات “التغيير التي تتطلبها الحياة السياسية، والتي في الغالب تخشى الجمود والسكون”، مؤكدا أن هذا الأمر يدفع إلى اللجوء إلى “التغيير دونما أن يكون الأمر مرتبطا بالأداء وبنجاعة مكونات الحكومة”.
وأوضح المحلل السياسي ذاته أن الحالة المغربية تبين أن الحكومة واجهت “صعوبات كبيرة جدا، وكانت هناك قطاعات عانت من الاحتقان ووجود إشكالات لم تستطع مواجهتها بشكل مضبوط”، لافتا إلى أن التحديات ما زالت قائمة؛ من قبيل “القدرة الشرائية، ومحاربة الفساد، وإعمال آليات الحكامة على جميع المستويات، وعلى مستوى تنزيل أوراش الإصلاح التي تواجه بعض التعثرات”.
وزاد المصرح عينه مبينا أن السلم الاجتماعي يواجه “تحديات كبيرة؛ لأن الحكومة أخلفت الموعد مع مجموعة من المحطات الإصلاحية المرتبطة برزنامة زمنية يجب احترامها وتعهدت بها الحكومة ولم يتم احترامها حتى الآن”. لذلك، يعتبر المحلل السياسي أن التعديل الحكومي كان “مسألة ضرورية في هذه الفترة”.
كما حث على مراعاة واقع الأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية، خاصة أن هذه الأحزاب “نظمت مؤتمراتها وهناك مخرجات لهذه المؤتمرات، بوجود وجوه تطالب بحقها من الغنائم”، ثم إن هناك أسماء كانت “مطروحة للاستوزار في النسخة الأولى للحكومة، وكانت تنتظر دورها لتلتحق بالصف الأول من النخبة الحزبية”، مبرزا أن الأمناء العامين للأحزاب الثلاثة وجدوا أنفسهم مطالبين بـ”تلبية رغبات هذه النخب الحزبية”.
ومضى العمراني بوخبزة معددا أسباب التعديل الحكومي بـ”الالتزامات الحكومية، خاصة على مستوى الدولة الاجتماعية، حيث كانت مطالبة بإعادة النظر في طريقة الاشتغال؛ وهو الأمر الذي وقع من خلال إضافة كتّاب الدولة للسهر على مجموعة من القطاعات الحكومية ذات الطبيعة الاجتماعية بالخصوص”. كما أن دوران النخبة من المهام التي يجب أن “نعطيها الكثير من الاهتمام لكي ندعم الديمقراطية؛ لأنه لا يمكن أن تتعطل آلية إنتاج النخب ودوران النخب لما لذلك من مساس بالعملية الديمقراطية”.
وخلص المحلل السياسي، في قراءته، إلى أن وجود وجوه جديدة تنتمي لجيل الشباب ربما تندرج ضمن عملية تجديد النخب، مشددا على أن الحكومة الحالية ستكون “استمرارا للنسخة الأولى؛ لأنه لم يعد النظر في الهيكلة وهندسة الحكومة، وظلت القطاعات الحكومية كما كانت”. كما أشار إلى أن هناك “تسيد للتجمع الوطني للأحرار على أهم الحقائب الوزارية ذات الطبيعة الاجتماعية؛ وهو أمر ينبئ بأن الحزب يهيئ للانتخابات المقبلة”، وفق تعبيره.
من جهته، أشار عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، إلى أن التعديل الحكومي تحكمه مقاربة “سياسية وأخرى دستورية”، مبينا أن المقاربة السياسية “متعلقة بالمفاوضات بين الأحزاب السياسية؛ ولكن بحضور قوي للدولة في هذه المفاوضات، وبالتالي إنهاء مهام الوزراء وتعيين آخرين تكون محط هذه المفاوضات”.
وأضاف اليونسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، مبينا أن المقاربة الدستورية التي يخضع لها التعديل الحكومي تتمثل في اقتراح أسماء الوزراء من لدن رئيس الحكومة والتعيين من قبل الملك.
وذهب الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية والقانون الدستوري، في تحليله، إلى أن التعديل الحكومي الحالي “كان دون رهانات”، معتبرا أن استمرار بعض الوجوه، التي “أثبتت فشلها أو استفزازها للمواطنين ولمؤسسات الدولة، يؤكد أن لهذا التعديل آثاره السياسية وهي مزيد من اللاثقة”، حسب رأيه.
وأفاد المتحدث ذاته بأن استوزار بعض “البروفيلات” من دون ماض حزبي أصبح يبين أن “الترقي من داخل المؤسسات الحزبية غير مطلوب لتولي المناصب الحكومية”، مشددا على أن تعيين كتّاب الدولة سـ”يساهم في هدر الزمن التدبيري؛ بالنظر إلى أن هذا النوع من الهيكلة يخلق صراعات من داخل القطاع الوزاري نفسه، خصوصا تداخل الاختصاصات”، وفق تعبيره.
مملكتنا.م.ش.س