الرباط – يحظى إمام المسجد في المخيال الجمعي للمغاربة بتقدير كبير باعتباره يؤم بهم في أعظم ركن في الإسلام بعد الشهادتين وهو الصلاة، ولخمس مرات في اليوم، بما يجعل هذه العلاقة الدينية الوثيقة تأخذ بعدا اجتماعيا بنفس القدر من العمق، ويحكمها القرب والاتصال والتواصل اليومي خاصة في القرى والمدن الصغيرة.
ولعل الدلالة اللغوية لمفردتي الإمامة والإمام، اللتان تعنيان على التوالي الاقتداء والمقتدى به، تنكشف معها عظم المهمة الملقاة على عاتق أئمة المساجد، كما يوضح رئيس المجلس العلمي المحلي للرباط، العربي المودن، وعلى رأسها إمامة المصلين في الصلاة وإدارة مؤسسة المسجد، وتعليم القرآن الكريم، والعناية به حفظا ورسما.
كما يضطلع الإمام، بدور الموجه والمرشد والمصلح، فهو المعلم والمربي، حيث يقول السيد المودن، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “كنا نتعلم ونقرأ القرآن في المسجد ونحفظه على يد الإمام. فكان يقوم باصلاح اعوجاجنا وتقويم أخلاقنا، وتصحيح الخلل الذي يمكن أن يحدث في عقيدة الناس وعباداتهم، كما يقوم بوظيفة إصلاح ذات البين بين المتخاصمين من الأفراد أو بين جماعة وأخرى”، مشيرا إلى أن هذه الأدوار الدينية والمجتمعية للإمام كانت ولازالت واقعا معاشا وطبيعيا درج عليه الناس في الحي والمدشر والقرية والمدينة.
ومن الأدوار التي يختص بها إمام المسجد في المغرب قراءة الحزب الراتب بعد صلاتي الصبح والمغرب بغرض تعليم القرآن وتثبيت حفظه، حيث أسهمت هذه العادة في المساجد المغربية، يضيف رئيس المجلس العلمي المحلي، في ترسيخ كتاب الله في أذهان الناس كبارا وصغارا، حتى تمكن كثير من الأميين من حفظ القرآن بكثرة السماع والترداد.
وبالنظر إلى أهمية الدور المنوط بأئمة المساجد في بناء النفوس وتخليق المجتمع ونشر الفهم الصحيح للدين بوسطية واعتدال، فقد قيدتها الشريعة الإسلامية، يتابع المتحدث، بشروط منها الذكورية، والإسلام والعقل والبلوغ والعلم بما لا تصح الصلاة إلا به من قراءة وفقه وغير ذلك، وأن يكون قادرا على أدائها والإتيان بأركانها (ركوعا وسجودا وغير ذلك)، وأن يكون غير ذي فسق (فسق الاعتقاد أو الجوارح) أو لحن (كعدم التمييز بين الحروف مثلا بين الظاء والضاد..) وأن يكون حافظا لكتاب الله تعالى مجيدا لتلاوته.
وأضاف السيد المودن أن رسالة إمام المسجد في المجتمع تقتضي أن يكون رفيع الأخلاق متسلحا بالعلم والإيمان والوسطية، مداوما على مسجده، رفيقا بالمصلين معتدلا في صلاته فلا يطول فيها ولا يقصر، قريبا من الناس ومنفتحا على مختلف فئاتهم لا سيما الشباب، رحيما بهم، يشارك أفراحهم ويواسيهم في أتراحهم، مطلعا على واقع وإشكالات مجتمعه وجماعته؛ حتى يتسنى له الإسهام في معالجتها وفق كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم، من خلال الخطب والدروس والمواعظ.
واليوم، ومع التمدد العمراني، وتسارع وتيرة الحياة في المجتمع، وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة الولوج إلى الفتاوى الدينية عبر القنوات والوسائط الإعلامية المختلفة، اتسعت فجوة التواصل بين إمام المسجد ورواده، وتأثرت هذه العلاقة، يقول رئيس المجلس العلمي المحلي، خاصة في المدن الكبرى، فلم يعد للإمام ذلك الحضور الفعلي الوثيق في أوساط الساكنة وفي مناسباتهم بنفس القدر الموجود حاليا في المداشر والقرى والمدن الصغيرة.
ولرأب هذه الفجوة التواصلية وتمكين أئمة المساجد من القيام بأدوارهم الدينية والمجتمعية على الوجه الأكمل، أكد السيد المودن على أهمية التكوين الصحيح والشامل الذي يمكن الأئمة من تتبع القضايا الفقهية والفكرية المستجدة، والتطورات التقنية الجديدة، وكذا الاتصال الحثيث بالواقع والإنصات للناس ومواكبة احتياجاتهم في ما يخص أمنهم الروحي والفكري وتسديد تدينهم فهما وسلوكا.
وأشار، في هذا الصدد، إلى أن “الدولة عبر المؤسسات المعنية، تقوم بإحياء هذه الأدوار من خلال تأطير أئمة المساجد في إطار ميثاق العلماء وخطة تسديد التبليغ، وعبر الدورات التكوينية بالمجالس العلمية”.
ويشكل شهر رمضان الأبرك محطة مهمة تسهم إلى حد كبير في تعزيز الدور الإصلاحي لأئمة المساجد، يقول رئيس المجلس العلمي المحلي، باعتباره شهر الروحانيات والصيام والقيام والزكاة والإنفاق في أبواب الخير، ففيه تلين قلوب الصائمين ويزداد الإقبال على المساجد لأداء الصلوات المفروضة وصلاة التراويح، والاستماع للمواعظ وتلاوة القرآن، وهذا يعزز الدور الريادي للمسجد ويوطد الصلة بين أئمة المساجد والمجتمع.
مملكتنا.م.ش.س/و.م.ع