محمد الدرغالي
في زمن اختلطت فيه الوطنية بالضجيج، وصار الصراخ هو العملة الرسمية لبعض “المناضلين”، نجد أنفسنا فجأة في قفص الاتهام: عملاء، مندسون، خونة… بل و”حمير”! لا لشيء سوى أننا أحببنا هذا الوطن بطريقتنا، وآمنا أن حب الوطن لا يحتاج إلى تصريح من وزارة الأخلاق السياسية ولا ختم من دكاكين الوطنية الموسمية.
نعم، نحن “العملاء” الذين نخون العدم كي نبني شيئاً. “المندسون” في أزقة الأمل، لا في دهاليز المزايدات. نحن من اخترنا أن نحب الوطن كما هو، لا كما ترسمه خطابات الاستهلاك السياسي. نحن “الخونة” الذين خانوا الصمت وانتصروا للكلمة الحرة.
لكن دعونا نُسلِّم لحظة بهذه التُّهم، ولنقفز معكم إلى قاع المنطق المقلوب: إن كنّا خونة، فمَن أنتم؟ إن كنّا عملاء، فلمن تعملون أنتم؟ وإن كنّا حميرًا كما نُعِتْنا، أفلا يعني ذلك أنكم تركبون على ظهورنا طوال هذه السنين؟!
حين ينفد رصيد السياسي، لا يجد ما يشحن به حسابه سوى الشتائم. لا حجة، لا فكرة، لا مشروع… فقط صراخ، وتخوين، ونهيقٌ سياسيٌّ مستمر. لأنهم عاجزون عن إقناع الناس بالحب، يلجؤون إلى التخويف. لأنهم مفلسون من التاريخ، يوزّعون صكوك الغفران للوطنية.
الوطني الحقيقي لا يحتاج إلى منبر ليصرخ، بل إلى فعل يُثبت. لا يشتم المختلفين، بل يحاورهم. لا ينعت أبناء وطنه بالحمير، بل ينحني أمام اختلافهم لأنه يعلم أن الوطن ليس صورة واحدة، ولا صوتاً واحداً، ولا رأياً مقدساً.
فلتسمّونا ما شئتم… نحن لا نحتاج شهادة وطنية ممن أفلس في الأخلاق قبل السياسة. وإن كان في حب الوطن خيانة، فاشهدوا علينا أننا خونة… لكن لا تنسوا أن الحمير لا تخون، بل فقط تُركَب.
مملكتنا.م.ش.س