محمد الدرغالي
في مشهد يتكرر كلما عاد عبد الإله بنكيران إلى الواجهة، يصر الرجل على إهانة جزء من الشعب المغربي بأساليب أقل ما يقال عنها إنها مستفزة ومهينة. ففي خرجته الأخيرة، وصف بنكيران معارضيه بـ”الميكروبات” و”الحمير”، عبارات لا تليق لا بخطاب سياسي ولا بفاعل يفترض فيه أنه يحمل تجربة تدبير الشأن العام في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ البلاد.
فأي مقارنة يمكن أن تقام بين هذا الخطاب الانفعالي المنفلت، وبين خطاب رجل الدولة الأول، جلالة الملك محمد السادس، الذي يفتتح رسائله وبلاغاته بـ”شعبي العزيز”؟ إنها ليست فقط مسألة كلمات، بل تعبير عن تصور عميق لمكانة المواطن، واحترام تام للمغاربة على اختلاف توجهاتهم ومستوياتهم.
لقد اعتلى بنكيران رئاسة الحكومة في لحظة استثنائية، وظّف فيها زخم “الربيع العربي” لركوب موجة التغيير، لكنه حوّلها إلى موجة تراجعات مؤلمة شملت قطاعات استراتيجية: من الصحة إلى التعليم، ومن الحريات إلى القدرة الشرائية.
يكفي أن نذكّر بنكيران ومن يدافعون عنه ببعض “إنجازات” حكومته، التي كانت في الحقيقة كوابيس للمواطن العادي: تجميد الأجور، الاقتطاع من أجور المضربين، قمع الطلبة والمعطلين، ضرب صندوق المقاصة، تحرير أسعار المحروقات بشكل مهين للطبقة المتوسطة، وفتح الأبواب أمام خوصصة قطاعات كالتعليم العالي والصحة، في ضرب مباشر لمبدأ تكافؤ الفرص.
بل إن حكومته كانت أول من فرض ضرائب جديدة على أراضي المواطنين، ورفع الضريبة على القيمة المضافة على مواد أساسية كالعدس والزبدة، بل حتى سيارات الفقراء لم تسلم من جشع الضرائب.
وفي الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون إصلاحًا حقيقيًا، فوجئوا بتحالف “العدالة والتنمية” مع نفس القوى التي رفعوا شعارات إسقاطها، ليتحول الخطاب من “مقاومة الفساد” إلى “الواقعية السياسية”، ومن الشعارات الثورية إلى الانبطاح الكامل.
لقد أثبت الزمن أن بنكيران لم يكن رجل دولة، بل رجل خطابات شعبوية لا تتعدى تأثيرها لحظات الانفعال الجماهيري. والمفارقة المؤلمة أنه عوض أن يعتذر للمغاربة، يواصل إهانتهم، متناسيا أن احترام الشعب هو أول أبجديات الديمقراطية.
إن المغاربة اليوم، وفي ظل النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه صاحب الجلالة، يتطلعون إلى نخبة سياسية جديدة، تضع المواطن في صلب اهتمامها، وتحترم ذكاءه وكرامته. ولن يكون في مقدمة هذه النخبة من يعتبر المواطنين “حميرا” أو “ميكروبات”.
فليأخذ بنكيران الدرس من ملك البلاد، الذي يخاطب المواطنين بودّ، ويوجه الخطاب إليهم باعتزاز، ويضع مشاكلهم في صلب أولوياته.
مملكتنا.م.ش.س