محمود هرواك
كان هشام جيراندو، اليوتيوبر الذي اعتاد ملء منصات التواصل بالخطاب الثوري المحنّك (من لحناك، بالعامية وليس الحنكة بالعربية) يظهر في السابق كرمز للمعارضة “على المقاس”، مجهز دائماً بمفاتيح الشعارات المستهلكة. فجأة، يسدل الستار عن المشهد: الرجل الذي أزعج الأسماع يوماً بمطالبه بإسقاط النظام، يعود فجأة ليعلن – بطريقة مواربة – قبوله بالواقع وشعاره الجديد: “عاش الملك!”.
القضية هنا ليست تحوّلاً صادقًا أو نابعًا من مراجعات فكرية عميقة؛ جيراندو ببساطة نموذج لأولئك الذين جعلوا من مهاجمة أوطانهم مهنة ومصدر رزق، يعملون وفق أجندات وأموال معروفة المصدر والتوجيه، لا سيما عبر القنوات المرتبطة مباشرة بالمخابرات الجزائرية التي وفرت له منصات ومظلات للهجوم، حتى إذا انتهت مدة صلاحيته أفلتت يدها عنه، ليجد نفسه يتنقّل بين كندا وإندونيسيا كما تتنقل الهواتف القديمة بين رفوف سوق الخردة.
ومع تضييق الدوائر من حوله، وقلة المشترين لبضاعته المعتادة من خطاب الكراهية، لم يبق أمامه إلا تغيير النغمة بحثاً عن فرصة جديدة: من “السلطة هي العدو” إلى “الله، الوطن، الملك”، غاية ما يرجوه لعلّه ينال عفواً أو إقامة تقيه عناء الغربة والتشرد. هذا الانتقال السريع لا يحتاج إلى تحليل طويل، فالثابت الوحيد في هذه الرحلة هو التلون واتباع المصلحة، لا المبادئ.
قد لا يطول الزمن مع توالي الأحكام عليه من القضاء الكندي حتى يظهر جيراندو في فيديو آخر أكثر دراميةً، يعلن فيه ندمه ويستعطف القلوب بدموع محسوبة، باحثاً عن دور جديد كمنظّر للمصالحة الوطنية على يوتيوب.. فبالنسبة له، المبادئ ليست إلا ملابس يمكن تغييرها بتغير الفصول والأهواء.
مملكتنا.م.ش.س