في مشهد إنساني وسياسي بالغ الدلالة، سمحت الدولة المغربية لناصر الزفزافي بزيارة والده خلال مرضه، ثم حضوره جنازته بعد وفاته. هذه الخطوة ليست مجرد إجراء إداري، بل هي رسالة واضحة من الدولة: الوطن غفور رحيم. فقد اختارت الدولة أن تُعلّي قيمة الإنسانية، حتى مع من كان يومًا ما في موقع الخصومة معها.
تصريح الزفزافي خلال الجنازة حمل تحوّلاً عميقًا في خطابه؛ إذ شكر المندوب السامي لإدارة السجون، وهو في الواقع شكرٌ للدولة، وأكد أن الوطن ليس الريف وحده، بل كل التراب المغربي بما فيه الصحراء المغربية . هذه الكلمات لم تكن مجرد مجاملة، بل مراجعة فكرية صريحة. فالرجل الذي كان ينهي كلماته سابقًا بـ “عاش الريف”، وكأن الوطن محصور في حدود منطقته، يتحدث اليوم عن مغربٍ واحدٍ موحّد.
هذا الموقف يُترجم إدراكًا عميقًا بأن الوطن ليس خصمًا، بل أبٌ قد يقسو حين يقتضي الأمر، لكنه لا يتخلى عن أبنائه. ومن هنا، فإن ما عبّر عنه الزفزافي هو بادرة حسن نية ورسالة مفتوحة للدولة: باب العودة للوطن موجود، وباب الوطن لم يُغلق يومًا.
إن طي صفحة معتقلي الريف لم يعد قضية حقوقية فقط، بل أصبح خيارًا وطنيًا استراتيجيًا، يُحصّن الوحدة الترابية للمملكة ويقطع الطريق أمام كل من يتربص بها أو يحاول استغلال الجراح القديمة لتفتيت الصف الوطني.
الوطن غفور رحيم لكن الوطن ، كالأب، قد يعاتب، قد يحاسب، لكنه في النهاية لا يطرد أبناءه من دفء حضنه حتى وإن أخطئوا
مملكتنا.م.ش.س