محمود هرواك
منذ أكثر من عامين، تواصل محكمة روتردام النظر في قضية الموظف الأمني الهولندي السابق عبد الرحيم إل. م، المتهم بتسريب وثائق حساسة وأسرار دولة إلى جهات أجنبية، بينها المخابرات المغربية. القضية التي أخذت طابعًا قضائيًا وإعلاميًا معقّدًا، شهدت مؤخرًا منعطفًا مثيرًا حين طُرح اسم محمد ياسين المنصوري، المدير العام لمديرية الدراسات والمستندات (DGED)، في سياق المطالبة باستدعائه كشاهد.
من موظف هولندي إلى ملف دبلوماسي
عبد الرحيم إل. م كان يعمل داخل جهاز وطني يُعنى بمكافحة الإرهاب والأمن القومي. اتهامه بتسريب معلومات سرية أثار صدمة في الأوساط السياسية بهولندا، وفتح الباب أمام تساؤلات عن كيفية تعامل القضاء مع قضايا ذات أبعاد استخباراتية.
النيابة العامة أشارت إلى أن المتهم كان على اتصال مباشر بمسؤولين مغاربة، وهو ما دفع الدفاع إلى التلويح بضرورة استدعاء شخصيات من وزن المنصوري، رغم أن الأعراف الدولية تضع خطوطًا حمراء أمام مثل هذه الخطوات.
المنصوري .. رجل الدولة قبل كل شيء
محمد ياسين المنصوري، المعروف بكونه مدنيًا قريبًا من المؤسسة الملكية، يقود منذ سنوات جهاز المخابرات الخارجية المغربية. الرجل الذي يشتهر بعمله بعيدًا عن الأضواء، يُنظر إليه داخل المغرب وخارجه كأحد أعمدة الأمن القومي، وصاحب رصيد من المهنية التي مكنت المملكة من تعزيز حضورها في محيطها الإقليمي والدولي.
ورغم محاولة إدخاله في ملف قضائي بهولندا، إلا أن المراقبين يرون أن استدعاء شخصية بهذا الحجم لا يعدو كونه مناورة قانونية أكثر مما هو إجراء عملي، لعلم الجميع أن مسؤولي الأجهزة الاستخباراتية لا يمثلون أمام المحاكم الأجنبية.
قراءة في الأبعاد الدبلوماسية
إدراج اسم المنصوري في هذه القضية أثار نقاشًا واسعًا في الإعلام الهولندي والمغربي على حد سواء. محللون اعتبروا الأمر اختبارًا دبلوماسيًا للعلاقات بين الرباط ولاهاي، بينما رأى آخرون أنه يعكس ارتباكًا قضائيًا في التعامل مع ملفات ذات طابع سيادي.
المغرب، الذي لطالما تعاون مع شركائه الأوروبيين في ملفات الإرهاب والهجرة والجريمة المنظمة، لن ينظر إلى الخطوة سوى كمحاولة لتسييس قضية ذات بعد قضائي داخلي.
القضاء والسياسة .. خلط الأوراق ؟
القضية تكشف هشاشة التوازن بين مقتضيات العدالة وسيادة الدول. فبينما يصر القضاء الهولندي على متابعة عبد الرحيم إل. م بكل الوسائل، فإن إدخال أسماء شخصيات استخباراتية أجنبية في المسار القضائي قد يُفسر كخطوة تتجاوز الأعراف.
المؤكد أن المنصوري، بما يمثله من رمزية وموقع، لن يتأثر بهذا السجال، بل إن مكانته كحارس للمصالح العليا للمملكة تعززت بظهوره في قلب ملف يبرهن على أن المغرب بات فاعلًا لا يمكن تجاوزه في المنظومة الأمنية الدولية.
قضية عبد الرحيم إل. م مرشحة لمزيد من الجدل، لكنها تظل أولًا وأخيرًا قضية هولندية داخلية، يحاول بعض الأطراف إعطاءها بعدًا خارجيًا عبر الزج باسم المغرب ومؤسساته السيادية. أما المنصوري، فرجل دولة يواصل أداء مهامه بعيدًا عن منطق المناكفات القضائية، مؤكدًا أن المؤسسات حين تكون راسخة لا تهتز أمام العواصف الإعلامية.
مملكتنا.م.ش.س