الرباط – قال نشطاء مغاربة مهتمون بشكل رئيسي بقضايا الشباب إن المطالب التي حملتها مظاهرات المجموعة الشبابية الناشئة التي تسمّي نفسها “جيل زد 212” (GEN Z 212) إنها “حركة سلمية مشروعة ترفع الصوت للتفكير في مطالب شريحة استراتيجية تشعر بالإقصاء والتهميش في المجتمع المغربي”، مؤكدين أن “الحركة تسعى إلى خلق فضاء حقيقي للحوار بين الشباب والمسؤولين، بعيدا عن المناكفات السياسية التقليدية”.
وتهدف هذه الحركة كما أعلنت إلى المطالبة بإصلاح التعليم وخدمات الصحة العمومية، ولهذا سجل النشطاء المغاربة الذين أدلوا بتصريحات لهسبريس أهمية هذه المطالب التي تعكس احتياجات جيل جديد يسعى إلى فرص عادلة للتعلم والعمل والعيش الكريم، معتبرين أن “الوقت قد حان لتحديث الكثير من الرؤى التنموية التي جعلت الشباب المغربي خارج دائرة القرار السياسي بشكل فعلي، خاصة في المناطق النائية التي تعاني من نقص الخدمات”.
وتعدّ هذه الاحتجاجات مثلما هو واضح “شبابية خالصة”، ولم تقم أي جهة سياسية أو دعوية بتبنيها بشكل رسمي، وهو ما يعكس ما صرحت به المجموعة في منشورات عدة على فيسبوك بأنها “مستقلة”، وشددت على أنها “حركة سلمية، مطالبها اجتماعية مشروعة، ولا علاقة لها بأي توجهات معادية أو خارجة عن هذا الإطار”.
صوت مشروع
قال عبد الواحد زيات، رئيس الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، إن “الاحتجاجات الأخيرة التي عبّر عنها الشباب في مناطق عدة تعكس مطالب مشروعة وملحة، تمثل التزامات كان من المفترض أن تقدم لها الحكومة حلولا حقيقية”، مضيفا أن “الشبكة نبهت مرارا إلى البطء في التعامل مع هذه القضايا، رغم الأهمية التي تكتسيها شريحة مهمة وحيوية داخل المجتمع المغربي ولديها صوت قويّ ومطالب ترتكز على الأولويات مثل التّشغيل والصحة”.
وأشار زيات، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن “الحكومة لم تضع إجراءات حقيقية تدرج قضايا الشباب ضمن جدول أعمالها على المستوى التنفيذي، مع تعطيل الاستراتيجية الوطنية للشباب لأكثر من عقد من الزمن، وعدم توفير آليات التنفيذ والإشراك الحقيقي للشباب والمنظمات ذات الصلة”، موردا أن “عدم استحضار هذه الاستراتيجية في قوانين المالية والميزانيات، جعل مطالب الشباب تتجدّد بلا حلول، ما يعكس ضعف السياسات العمومية وغياب الإرادة السياسية”.
وأضاف رئيس الشبكة أن “مواجهة مطالب الشباب بالمقاربة الأمنية لن تجدي نفعا، بل يجب اعتماد سياسة تواصل وفهم حقيقي لقضاياهم”، مستدركا بأن “الإشارات التي قدمتها منظمات الشباب لم تلقَ تجاوبا إيجابيّا، مما جعل بعض القضايا مثل تسقيف التوظيف في قطاع التعليم تمثل قنبلة اجتماعية ستكون لها كلفة كبيرة”، معتبرا أن “هناك فراغا في ظل غياب فرص الاستثمار والعمل مع الشباب، مما يجعلهم يشعرون بأن لا مكان لهم في المشاريع الكبرى”.
وأكد المتحدث “أهمية معالجة القضايا الاجتماعية والتعليمية التي يعاني منها الشباب، خاصة أزمة السكن الجامعي التي تدفع العديد منهم إلى التخلي عن أحلامهم”، مطالبا بـ”تحقيق المساواة في الفرص وتوفير بيئة عادلة تعزز طموحاتهم”، كما حذر من أن “استمرار الإهمال سيؤدي إلى تعطيل أجيال كاملة، مشددا على ضرورة اتخاذ إجراءات شجاعة تلبي انتظارات الشباب وتضمن لهم مستقبلاً أفضل”.
وأشار الناشط المدني ذاته إلى أن “السياسة الحقيقية لا يمكن أن تُختزل في الاعتقال ثم إطلاق السراح، بل تتطلب سياسات عمومية عادلة ومنصفة، حتى وإن كانت مكلفة، لأنها وحدها تضمن نتائج ملموسة وتحد من ارتفاع البطالة”، خالصا إلى أن “الشباب هم الثروة الحقيقية للمجتمع، وتجاهل مطالبهم هو تجاهل لمستقبل البلاد إذا استمرّ تأجيل وضع رؤية شاملة تستثمر في الطاقات الشابة وتعيد الثقة في مستقبل البلاد”.
احتواء سلمي
قالت إلهام بلفحيلي، ناشطة مدنية باحثة في قضايا الشباب والمجتمع المدني، إن “الاحتجاجات الشبابية التي يشهدها المغرب حاليًا تعبّر عن مطالب مشروعة تمس قضايا حياتية يومية أساسية، على رأسها التعليم، الصحة، الشغل، والعدالة المجالية”، مؤكدة أن “هذه المطالب ليست جديدة، بل كانت حاضرة في صلب الخطابات الملكية، التي شدّدت مرارا على ضرورة تمكين الشباب والاهتمام بأوضاعهم باعتبارهم ركيزة لمستقبل الوطن”.
وأضافت يلفحيلي، ضمن تصريحها لهسبريس، أن “ما عبّر عنه الشباب يدخل في صميم الحق الدستوري في الاحتجاج السلمي، دون أي مساس بالثوابت أو بالمقدسات”، مشيرة إلى أن “هذه الاحتجاجات تميزت بالسلمية والحضارية، ما يفرض أن يقابلها تفاعل سياسي مسؤول، لا تدخلات تزيد الخناق على حرية التعبير”، معتبرة أن “الاحتجاج ليس تهديدا، بل هو إنذار يجب أن يُسمع”.
وأوضحت الناشطة المدنية أن “تغليب المقاربة الأمنية على المقاربة السياسية يكرّس فشلا في قراءة الواقع الشبابي، ويعكس عجزا لدى الفاعل السياسي عن التواصل مع هذه الفئة”، وتابعت:
“بدلا من فتح قنوات الحوار، اختارت بعض الجهات الصمت أو الإقصاء، وكأن الحل يمر فقط عبر ضبط الشارع، وليس عبر تلبية المطالب أو حتى الإنصات لها”.
وشددت المتحدثة على أن “محاولة إسكات صوت الشباب ليست حلا، بل هو خطر على الاستقرار والتنمية”. فهؤلاء الشباب، بتعبيرها، “فقدوا الثقة في المؤسسات، في الأحزاب، وفي المسار الديمقراطي برمّته”، مضيفة أن “المغرب، عبر تاريخه، لم يكن غريبا عن الحوار مع الشارع، خصوصا بعد دستور 2011 الذي كرّس مبادئ دولة الحق والقانون”، وزادت: “كان يمكن ببساطة تركهم يُعبّرون، ويُفتح حوار مؤسساتي معهم، وهذا ما لم يحدث”.
وأجملت بلفحيلي تصريحها بالتأكيد على أن “التعامل مع هذه الاحتجاجات ينبغي أن يتم من مدخل حقوقي حصرا”، معتبرة أن “ما جرى لا ينسجم مع تطلعات المغرب وهو مقبل على رهانات دولية كبرى مثل تنظيم كأس العالم 2030”. وأضافت: “نحن بحاجة إلى تجديد الثقة بين الدولة وشبابها، من خلال مقاربة تشاركية تضع حرية التعبير في صلب البناء الديمقراطي، وتحمّل الحكومة والأحزاب السياسية مسؤوليتها في الإصغاء، التفاعل، وإعادة الاعتبار للفعل السياسي”.
مملكتنا.م.ش.س/وكالات