الراحل الحسن الثاني … مـــــــلك عظيـــــم و زعيــــــم كبيــــــــــــر

الأربعاء 27 ديسمبر 2017 - 10:38

الراحل الحسن الثاني … مـــــــلك عظيـــــم و زعيــــــم كبيــــــــــــر

رغم مرور 19 سنة على رحيله، لا زال شخص الحسن الثاني يثير الانتباه إليه، ففيه جوانب كثيرة تستهوي الباحث وتستدرجه إلى دهاليزه؛ حيث مواضيع مثيرة ترتبط بالحرب والموت والسياسة.

منذ ألكسندر الأكبر حتى يومنا هذا، تعتبر السياسة مرادفاً آخر للموت، والحرب هي البوابة التي تصنع الأمجاد والبطولات، والزعماء الكبار من هنيبال، ألكسندر، إلى تشرتشل وهتلر والخطابي، صُنع مسارهم السياسي بالطعم المزدوج للموت والسياسة.

الحسن الثاني لا يخرج عن هذه الطينة، عاش حياته السياسية بقيم الفرسان، إذ الموت هو فضيلة السياسة، وهو الرجل العاشق للحياة حتى النخاع، فكان القاتل والمقتول، في زمن مليء بالالتباسات.

كان الحسن الثاني مدبراً للموت والحرب والانقلاب تجاه معارضيه داخل المغرب وخارجه، لذلك لعب في المطبخ الموريتاني، وساهم في قلب نظام الزايير، وحاول الإطاحة بالعقيد القذافي، وقلب كفة الصراع في الكونغو والطوغو، حتى بدعم أنظمة عسكرية دموية. تلك لعبة الحرب، التي لم تكن أحزاب الداخل متفقة مع نهج الملك الراحل لها؛ لأنه دعم أنظمة استبدادية، وأخرى عسكرية، لكنه بمعيار الحرب والسياسة جعل النظام الملكي بالمغرب رقما أساسيا في معادلات الصراع، حتى بين القوى العظمى.

لم يكن الحسن الثاني صانعاً للموت فقط في السياسة، لم يكن فقط هو المُعْدم لمعارضيه، الذين يُدخلهم القبور والسجون لإبراز تفوقه كحاكم لدولة ما بعد الاستقلال، ولكنه أيضا كان موضوع الموت؛ إذ تعرض لأكثر من أربع محاولات انقلابية، أولاها في 1971، وثانيها في حادثة الطائرة في غشت 1972، والتي كانت الأفظع، إذ تعرضت طائرة البوينغ التي كانت تقله إلى وابل من رصاص الطائرات، حتى اشتعلت النيران في محركاتها، بل إن لكويرة قام بهجوم انتحاري على طائرة الملك الذي نَجا بأعجوبة من الحادث.

في كل مرة كان الحسن الثاني يختلق الموت ليديم حياة عرشه، فمُجايلوه من زعماء الأحزاب السياسية، من معارضيه خاصة، كانوا يعرفون أن العديد مما ادعاه الملك الراحل، من وجود مؤامرات تستهدف حياته، كان مختلقا لوأد الخصوم.

ولم تكن الانقلابات وحدها السبيل لقتل الحسن الثاني، بل كان هناك القناصون، وكانت الصواريخ الموجهة إلى محل إقامته، والمخططات التي تستهدف الاختطاف أو إحداث عطب بسيارته أو طائرته؛ فقد حكى الفقيه البصري للناشط المدني أحمد ويحمان، أن الحسن الثاني تعرض لأكثر من 18 محاولة اغتيال، كانت للراحل البصري اليد الطولى في أغلبها.

في كل مرة كان الحسن الثاني ينجو من الموت، كان ينتصر للحياة، يتقوى ويتجدد مثل طائر فينيق، حتى أصبح من باب “المستحيل قهره وإفناؤه”.

ومن باب عبور دائرة الموت سالماً في أكثر من مرة، خلق الحسن الثاني هيبته وقوته ومجده السياسي، وإعادة “أسطرته” باستمرار.

ثمة مناطق ظل في حياة الملك الراحل غير مكشوفة وتحتاج إلى الحفر الأركيولوجي المستمر، كان فيها انقلابيا، دبَّر مكائد لقلب أنظمة حكم في إفريقيا: في الكونغو، الزايير، أنغولا، وليبيا؛ وأدام حياة دكتاتوريين نفتهم شعوبهم أو ثورات مضادة إلى جحيم الموت الرمزي والمادي.

وثمة لحظات كان فيها الملك الراحل موضوعا للموت، إذ تعرض لعدة محاولات اغتيال منذ كان ولي عهد سنة 1958 بمطار الحسيمة، بالإضافة إلى حادثة إطلاق الرصاص خمس مرات من بندقية لقتل الأمير مولاي الحسن، مروراً بمؤامرة 1963 وصاروخ وديع حداد بمدريد، وانتهاء بانقلابي الجيش في 1971 و1972.

لقد تآلف الحسن الثاني مع موته قبل الأوان، صادقه في الدروب السرية واشتم رائحته على وسادة النوم؛ لعله لذلك كان لا ينام الليل إلا أقله، كي لا يخونه العمر أو رصاصة طائشة، وبالغ في اكتناز ملذات الحياة وأسرارها، ومن بوابة الموت صنع حياة حكمه، أدخل معارضيه جحيما هاديسيا، ولم تأخذه رأفة ولا شفقة بمن اشتبه بهم، فقط للتفكير في اللعب من وراء ظهره.

فكان الحسن الثاني كلما نجا من الموت لبس بزته العسكرية وأضفى على ملامحه بعض القسوة، وفي الليل عانق مباهج الحياة، لذلك مات ميتة الفرسان، لم يخنه جسده على مرأى الجميع كما العديدين؛ مات شامخا ولم يطلع إلا الأقربون جدا على ضعفه الإنساني. هذا مدخل في رأيي لإعادة تسليط الضوء على جوانب معتمة من حياة الملك الراحل.

مملكتنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 19 مارس 2024 - 10:04

باريس .. السيد اليزمي يؤكد على “الدور متعدد الأوجه” للجاليات المغربية بالخارج

الثلاثاء 30 يناير 2024 - 14:19

الحاجيات المتزايدة للمنظومة الصحية تستدعي وضع نظام حكامة يضمن التنسيق بين الأطراف المتدخلة في التكوين (مجلس)

الخميس 28 ديسمبر 2023 - 18:39

بوجدور .. وحدة تابعة للقوات المسلحة الملكية تقدم المساعدة لـ59 مرشحا للهجرة غير النظامية من إفريقيا جنوب الصحراء

الأحد 24 ديسمبر 2023 - 21:16

“M’otion” فضاء جديد بمراكش مخصص لكبار المبدعين المغاربة