فرقة ناس الغيوان هي فرقة موسيقية مغربية، تأسست في ستينيات القرن الماضي بالحي المحمدي أحد افقر احياء الدار البيضاء وأكثرها شعبية، في أحد دروب الحي المحمدي ذي الحمولة التاريخية والاجتماعية في الدارالبيضاء. من طرف وبوجميع والعربي باطما وعمر السيد وعبد العزيز الطاهري ومحمود السعدي، تأسيس مجموعة ” ناس الغيوان ” شكل النواة الأولى لانتشار لون موسيقي جديد مهم، ساهم بشكل كبير في الدفع بالموسيقى التراثية المغربية، التي كانت تعاتي من إهمال طال التراث الموسيقي المغربي طوال عدة عقود وأبدع في التعامل معه لحنا وميزانا وكلمة.
رافق الغناء ابداعات الانسان كونه الاقرب الى مكنونات نفسه ، وفي الغناء ميزة الجمع بين الابداع الفردي،والوجدان الجمعي،في تجربة تراكمية اعطت الفعل الانساني هذا الثراء المتنوع،والقدرة على التجدد،وهي اداة التعبير الاكثر تاثيرا في العقل والوجدان الشعبي،واداة تعبئة جماهيرية لمزايا معروفة في الاغنية،وفي المفاصل المهمة من حياة الامة والجماعات،والانعطافات الحادة تظهر الاغنية بقوة،ومن هنا كان التوظيف السياسي لها،او تعبيرها عن قضايا سياسية،الى الدرجة التي دفعت المختصين الى اطلاق الاغنية السياسية على تلك الاغاني التي حملت مضمونا سياسيا،وهي حديثة الى حد ما في حياتنا العربية.
لكن هذه التسمية لم تجد توافقا عاما،بل اعتبر بعضهم هذه التسمية اخراجا للاغنية من سياقها العام،وتقليص الافق الذي تتحرك به،وكان بعضهم يميل الى تسميتها بالاغنية الجديدة،كونها حديثة العهد في مضمونها ووظيفتها.
وبغض النظر عن هذه الخلافات فان هذا النمط من الاغاني انتشر بشكل كبير في مرحلة تحولات في العالم العربي،حيث تزامنت مع فترات احتضار الاستعمار الاوروبي للعالم العربي،وزرع الكيان الصهيوني في المنطقة،وتغيير الانظمة العربية الحاكمة،وصراع القطبين،وتمدد اليسار العالمي،وسطوع رموز في العالم العربي والعالم .
وقد ارتبطت هذه الموجة باليسار العربي بشكل عام،حيث حرص السياسيون على ان يكون لهم اغنيتهم،وبالرغم من الصوت العالي للسياسين وخاصة اليسار العربي،في تاكيد دورهم بانتشار الاغنية السياسية،في مقابل محاصرة الانظمة للاغنية الملتزمه،فان التتبع لمسار هذه الاغنية يجد بان الاغنية هي نتاج فني جماهيري بارهاصات اجتماعية،ليس من السهل ان يؤطرها السياسي بغض النظر عن موقعه في اليسار او اليمين.
وبعيدا عن بعض الظواهر الغنائية المعروفة،فان الاقتراب من عالم فرقة ناس الغيوان،التي لم تكن مجرد ظاهرة،انما شاهدة عصر،سواء على سنوات الجمر والرصاص في المغرب،او الصراع العربي الصهيوني،او على افريقيا المنهوبة،ولم تكن ابدا تحت عباءة أي حزب او جهة سياسية،فقد كانت اكبر من ان تحتويها أية جهة،وفرضت نفسها بقوة على الساحة برغم ان الذي ينظر الى مكونات وادوات هذه الفرقة،لا يجد فيها ما يؤهلها لهذه المكانة العالية التي وصلت اليها،فافرادها لم يكونوا من ذوي التعليم العالي،وادواتها الموسيقية ربما كان بعض المغاربة ينظر لها باحترام،ومفرداتها بسيطة،والحانها مستندة الى اللحن المغربي المعروف»الملحون» وايقاع كناوة والحضرة،وبرغم هذه الخلطة البدائية فقد استطاعت ناس الغيوان ان تصل الناس،وتعبر عنهم،واصبحت اغنيتها بمثابة منشور سياسي،يتداوله الناس،واذا كنا هنا في الشرق لم نتعرف كما يجب على تراث ناس الغيوان،فان فلسطين،والعدو الصهيوني،ومذابح صبرا وشاتيلا وتل الزعتر،والانتفاضة،كل هذه كانت حاضرة باغاني ناس الغيوان.
ظهرت الفرقة وسط ارهاصات محلية وعربية وعالمية،فالعسكر يفتكون بالمواطن المغربي،والساسة يعمقون من التمايز الطبقي،واحباط عام بين شباب العالم العربي بعد النكسة،واليسار العالمي في اوجه،وثورة الطلاب في فرنسا،في ظل هذه الاجواء ولدت فرقة ناس الغيوان بداية السبعينيات.لتحطم حالة من الغناء المتخاذل المسكون بالانكسار والهزيمة.
فلسطين كانت حاضرة بقوة،وقدمت الفرقة اغاني لها علاقة بالتحولات المفصلية بالقضية الفلسطينية،اغنية صبرا وشاتيلا،القسم،دومي يا انتفاضه دومي،ما هموني غير الرجال اذا ضاعوا،شوفوا العجب،واغنية الشمس طالعة عن مذبحة تل الزعتر،واحنا اولاد العالم،التي تتحدث عن حق الانسان العربي بالعيش الكريم،وهو لن يتحقق مادام السرطان الصهيوني بيننا.
وبالطبع فان الهم المغربي كان حاضرا ايضا وبجرأة،حيث اغاني عن الفساد والرشوة،والتهميش والاقصاء،والقهر والاعتقال،وان اغنية مثل «النحلة شامة» كانت واضحة وصريحة بتناولها فساد البطانة المحيطة بالملك،وكذلك هؤلاء الذين يبتلعهم البحر في هجرتهم الى اوروبا بحثا عن لقمة العيش،وجرح احتلال سبته ومليليه،حيث اعتبرتهما الفرقة مدن مسجونة،وربطت بين الاحتلال الاسباني لهما،واحتلال حيفا ويافا.
وبالطبع لم تكن افريقيا غائبة،لان اغنية مثل»الدم السايل»تعكس واقع القارة المنهوبة،وكذلك الهم الانساني كان حاضرا في اغاني ناس الغيوان،وبرغم كل هذه الظروف،غنت الفرقة للامل،والفجر الطالع،وان ضوء الشمس ما تخزنو اسوار.
لقد راى كثير من السياسيين ان اغاني ناس الغيوان لا تصل الى مستوى الاغنية السياسية،متحججين بالبيئة القادمين منها،وعدم تعلمهم،وهي نظرة اقصائية،ومتعالية،ومرفوضة،لان الحي المحمدي الذي خرجت منه ناس الغيوان،اثرى المشهد الفني،وحرض الفكر والوجدان،ومازالت الاجيال الجديدة حريصة على اغانيهم،وان ردود فعل بعض السياسيين البائسة،ماهي الا ردة فعل تعبر عن عجزهم باحتواء الفرقة تحت قوالبهم الجامدة،وتمردها عليهم،وانحيازها بشكل كامل للانسان المسحوق،والى الوطن،وقضايا الامة،والانسان اينما كان.
مملكتنا .م.ش.س