الــثــقــافــة الـمــغـــربــيــة الأصــيــلـــة

الأحد 5 أبريل 2015 - 21:52

المغرب له ثقافته الخاصة وذاتيته الأصلية وسوف نجد من خلال العرض التاريخي جزءا من هذه الشخصية واستقلالها، وهي ككل الشخصيات المستقلة تأخذ وتعطي، وتحتفظ بما يصلح لمقوماتها وتلفظ عنها الرواسب.

ليست الثقافة إلا تعبيرا دقيقا عن خلجات الفكر الإنساني وتجاوبه مع  الطبيعة والزمان…فهي وليدة الإنسان عندما يستعمل فكره لمعالجة مقتضيات الحياة وتفهم مظاهر الطبيعية والكون محدودة في بيئتها وزمان إنتاجها..ولكن مع ذلك فصلتها قوية بالتاريخ لان مركزها الشخصاني يقر دائما صلتها التسلسلية (بالماضي كعمل تجريبي، يمد الفكر بالخبرة(وبالمستقبل) كهدف لنشاطها، وصلتها قوية كذلك بالشخص نفسه لأنه نقطة ارتكازها يتسلسل فيه عمل الوراثة والتكوين الفسيلوجي.
ولتحقيق التجاوب بين الشخص وبيئته يتحتم علينا في عصر الحضارة أن نهتم بالثقافة اهتماما بليغا حتى ليظل توجيه الثقافة إيحاء عفويا وأنا نسعى إلى تخطيط معالمه ومدى تناسقه مع معطيات البيئة والشخصية، وذلك لتوتي الثقافة إنتاجها بطريقة رياضية واضحة، ولذلك فليست الثقافة كما عبر احد علماء الاجتماع: (إلا عبارة عن إجماع ما يتبقى للشخص ليعمل به في حياته وسلوكه) بل هي مدارك النشاط الخلاق، وإذا أردنا أن نعرف اليوم نوع الثقافة التي يجب أن نفزع إليها، فان ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بالشخص المواطن، وعملية التاريخ السلالي في تكوين معالم تفكيره، وبالبيئة نفسها وما تستجيب له من مطالب وتستوحيه من معطيات .
لان المثل العليا في كل شعب من الشعوب مستوحاة من مطالب البيئة وأهداف استمرار الحياة، وهذا المثل الأعلى هو العنصر الأول في تكوين الثقافة وتمايزها بحسب البيئات والأزمان وتطور الإنسان، إذ أن الثقافة هي التكوين العام المعد لتحقيق الرغبات الإنسانية، وها تختلف المثل العليا في سائر الشعوب فهي في الواقع ترجع إلى ثلاثة أهداف، هي تحقيق الخير، وإقرار الحق، والتأثر بالجمال وعلى قدر نمو هذا الهدف في الأفراد والشعوب تنمو الثقافة وتسمو أو تهزل وتنحط.. وتبعا لذلك فالثقافة وسيلة لتحقيق هدفا سامي لابد لها من الاستعانة بقيم روحية، وأدوات مادية للوصل إلى المثل الأعلى الذي يتجدد مع التطور الإنساني ويستمر باحثا عنه.
وأن ثقافة كل شعب هي لبنة في هيكل الثقافة العامة الإنسانية تتفاعل مع بعضها ويؤثر كل واحد منها في الأخر ولا غنى لهذه عن تلك مهما ظهر لنا أن بعضها ضئيلا ضعيف التأثير.
والثقافة لها وظيفة سامية هي تجهيز الشخص بالاستعدادات العقلية والنفسية واليدوية لمواجهة الحياة ومشاكلها والتغلب على صعابها، ومن تم فلا بد من تآزر الثقافات المختلفة لتقوية الشخصية الإنسانية إذ لا يمكن انعزال الشخص في مجتمع خاص وعدم اتصاله بمختلف الثقافات الأخرى وإلا فسيبقى متخلفا عن ركب التطور العام ولعل أقوى دليل على تطور حضارة كل بلاد وتقدمها هو مقدار تعرفها على مختلف الثقافات واستيعابها لهذه الثقافات المختلفة، ومن نتائج الثقافة وانصهارها وخروجها إلى حيز الوجود يبدو لنا ما يسمى بالحضارة الإنسانية إذ الثقافة هي دافعة إلى تنظيم النشاط والخلق والإبداع وكلما ارتقى الإنسان في عمله وتنظيمه وخلقه فهو يكون في الواقع يشيد حضارة إنسانية، وتسمو الحضارة كلما سمت الثقافة وأعطت طاقة من الجهد والابتكار والتحويل والبناء.
وإذ أردنا أن نبحث في شعب ما عن درجة ثقافته وماهيتها فنحن في حاجة إلى التعرف سيكولوجية أفراده وجماعاته والى التعرف على الأدوات المادية التي أعانت تاريخه على التحرك لنعرف مدى سمو عقله وروحه…ومتانة شخصيته. 
وقد شاع خطأ أن المغرب معبر الثقافات، وذلك نظرا لموقعه الجغرافي بين الشرقية والغربية، وأظن أن هذا الرأي يفسد علينا قوة شخصيتنا وهو يكاد يتهمنا بفقدان ذاتية الثقافة المغربية فلسنا معبر ثقافات، وإنما نحن شعب له ثقافته الخاصة وذاتيته الأصلية وسوف نجد من خلال العرض التاريخي جزءا من هذه الشخصية واستقلالها، وهي ككل الشخصيات المستقلة تأخذ وتعطي، وتحتفظ بما يصلح لمقوماتها وتلفظ عنها الرواسب.
وقد ابتدع بعض المفكرين فكرة الشرق والغرب وأخذوا يضعون الشعوب في الطرفين حسبما تمليه مصالحهم تارة ف هذه الكتلة الشرقية وأخرى في تلك الكتلة الغربية وأنا لا أصدق نفسي حين أساير هذه النزعة، فلن يقر لتاريخ أبدا هذه الفكرة، وهي إلى الاصطلاحات الجغرافية اقرب منها إلى الاصطلاحات العلمية، ولو شئت أن تقيم الفرق على أسس  دينية فان هذا التقسيم سيفاجئك نهاية في كل بلاد من البلدان، وإذا أردت أن تقسمها على أساس الثقافة فان هذه الثقافة تسلسلت مع الإنسان في الأزمان، فليست الفلسفة اليونانية وليدة الغرب بل هي متطورة على أسس الفكر الشرقي وليست الشيوعية وليدة الشرق أو الشرق وليست الشيوعية وليدة الشرق أو الشرق الأوربي فلها أصول من العهد القديم ونظريات بعض الفرق الإسلامية وفلسفة هيجل وفورباخ وماركس الخ…والذين يعمدون إلى البحث على الفوارق يستندون على أجزاء مبعثرة من الماضي والحاضر، ويتكلفون لذلك ادعاء هو إلى الخطابة والجدل أقرب منه إلى الفلسفة والبحث العملي.
وإثارة شرقية المغرب أو غربيته هي فكرة خاطئة لا تحمل لنا كثيرا من اليمن ولا تساعدها آية مستندات على اعتبارها كحقيقة واقعية والشيء المحقق تاريخيا هو أن الصلة بيننا وبين الشرقيين كانت مستمرة ومنظمة وكانت ذات اثر في حياة المغرب العقلية والسياسية والاقتصادية.
 ولكن ليس معنى هذا أننا جزء من العالم الشرقي، فاقد لشخصيته وكيانه، وكل ما نملك من علم وثقافة هو عن باب هذه بضاعتنا ردت إلينا حسب تعبير الصاحب بن عباد، والشيء المحقق حاضرا هو أننا اتصلنا بالغرب اتصالا وثيقا، اتصلنا به مكرهين واتصلنا به راضين، وتأثرنا به على أية حال من الأحوال…ولنا طبائع تميز شخصيتنا كشعب بارزة في حياتنا كأفراد مستقلين وفي مجتمعنا كأفراد في هيئة.
والرجل المغربي مشهور بذكائه الخارق ونظرته إلى الأشياء نظرة شمولية كلية وفي محاولته دائما أن يربط النتائج بعضها ببعض وكان مؤسس علم الاجتماع (ابن خلدون) نموذجا لهذه الشخصية ذات الفكر الشمولي المحلل كما أن المغربي دقيق الملاحظة قلما يسلم احد من انتقاده ولا يجازف في الاستسلام حتى يحيط بجوانب النقص والكمال، ولذلك كان ابن شرف وابن رشق القيروانيين من أعلام الفكر الانتقادي في الدراسة الإسلامية والغربية، ولذلك أشتغل رجال الفكر في المغرب بالشرح والتعليق أكثر من التأليف، وقد انتقد بعض الشرقيين على المغاربة اشتغالهم بالتعليق والشرح والتنبيه، وأتهم فكرهم بالضحالة والمحل فأجابه مغربي على البديهة بقوله: نحن يشغلنا تصحيح أغلاطكم على التأليف.
كما أن من خصائص نفسية المغربية أفراطه في الاحترام حين تظهر له أمارات الاستحقاق وهذا الإفراط في يظهر في الغالب بمظهر التقديس والجلال ومظاهر هذا التقديس، كالسجود لمن يتولى أموره فيخلص له العهد، والإفراط في الغيرة عن الشرف إلى حد ستصغار العظائم واستعذاب الموت، والجندي المغربي مشهور بشجاعته الفائقة حيت تأكل الحمية قلبه ويرى في القتال طريق الثار والانتصار.
والمغربي على العموم يألف بلاده ولكنه شغوف التنقل والسياحة ولذلك تضم الخزانة المغربية ألاف الكتب في الرحلات كما أن المعجم التاريخي يحتوي على مات الرحال كتب عنهم كثير من المواطنين في القديم والحديث وكثير من المستشرقين أمثال ماسنيون وغيره. وهذه المظاهر قد يشارك المغربي فيها كثير من المم ولكنها أصيلة في أفراده متكتلة في شخصية سكانه.

مملكتنا .م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الجمعة 15 مارس 2024 - 21:56

الأجواء الرمضانية تضفي الحيوية والنشاط على أزقة المدينة العتيقة بفاس

الأربعاء 13 مارس 2024 - 10:35

أهالي طنجة متمسكون بشدة بتقاليد الأجداد خلال شهر رمضان

السبت 24 سبتمبر 2022 - 12:21

العرس المغربي .. تقاليد عريقة واحتفالات فريدة

السبت 24 سبتمبر 2022 - 11:44

موسم الخطوبة بالمغرب.. قبائل تحتفل بعشرات الأزواج بجبال الأطلس