أزمةُ مَسؤولية !
أحمد إفزارن
المسؤوليةُ ببلادنا تَصرُخ..
هي في طريقٍ مسدود!
لا الحكومةُ تقُوم بواجباتِها، ولا مؤسسةُ التشريع، ولا المجالسُ المحليةُ والجهوية، ولا أحزاب، ولا نقابات، ولا إدارات…
التّوَاكُلُ سيّدُ الموقف..
كلّ مَسؤولٍ ينتظرُ من آخرَ أن يتَحلّى برُوح المسؤولية..
والكُرةُ تتَقاذفُها الأقدام..
ومَصالحُ البلاد تتهاوَى..
وفي حالاتٍ هي تتوقّف..
مَصالحُ المواطنين لا تتحرّك..
ونحنُ اليوم في تراجُعٍ على كلّ المُستويات..
والعالمُ يتطوّر..
ونحنُ نتراجع..
الكلُّ عندَنا يعتمدُ على الكُلّ..
الصغارُ يعتمدُون على الكبار..
والكبارُ يَنتظرُون الصغار..
ولا أحدَ يحسبُ نفسَهُ مسؤولاً أوَّلَ في مُواجهةِ العراقيل..
وهذا حالُنا في خضمّ التهاوُنِ واللامبالاة، لحُكومةٍ مُتأَسْلِمَةٍ لامَسؤولة.. حكومةٌ تَحسبُ نفسَها بلا مسؤولية.. وأن عليها فقط أن تُعطِي الأوامر، وتُصْدِرَ قراراتٍ عشوائيةً اعتباطية، وتَزيدَ في الضرائب، وتُعَرقِلَ مصالحَ البلد..
ترى أنها مسؤولةٌ أمام غيْبياتٍ ضَبابية، وأن السماءَ تأمرُها فقط بأن تُعاقِبَ الناس، حتى على أفعالٍ لم يقترفُوها..
هكذا تتصوّر..
وتتَصوّرُ أنه يُسمحُ لها بتضييقِ الخناقِ على المواطنين، وتَرهيبِهم وتَخويفِهم واصطناعِ صراعاتٍ بينَهم، وتحريكِ عصاباتٍ كبيرةٍ وصغيرةٍ لخنقِ المجتمع، على كل المستويات..
هي تعتقد، وبجَهالة، أن الله لم يَهْدِ سواها، وأنه قد أرسلَها لكي تُمارِسَ الزّجرَ على البلاد والعباد..
هي سابحةٌ خارجَ العقل..
– أوهامٌ في أوهام …
ولا نهايةَ لأوهامِ “حكومة الآخرة”!
ترى أن مسؤوليتَها تتحدّدُ أيضًا في نزع ملكيةِ الناس، وتفقيرِهم، ثم إقناعِهم بواسطةِ طبّاليها وغيّاطيها بأن الدنيا ليست فيها إلا واجبات، وأن حُقوقَ من تقومُ بتفقيرِهم موجودةٌ هناك، في الآخرة..
– وفي هذا تَختزلُ “حكومةُ الآخرة” مسؤولياتِها..
وهكذا تَختفي مَسؤولياتُها المتمثّلة في القيم الأخلاقية والإنسانية، وواجباتُها في خدمةِ الوطنِ والمواطِن..
وتَنتقلُ بنا من المسؤوليةِ إلى اللامسؤولية..
ولا تُعيرُ اعتبارًا للإنسان، ولا قِيمةً للمجتمع، ولا للحقوقِ الاجتماعية..
والإدارةُ تتقاعسُ في أداءِ مسؤولياتِها على الوجهِ المطلوب، وفي إنجازِ الأعمالِ المطلوبةِ منها داخلَ الأجلِ المحدّد، وبلا مُماطلة، وعلى أكملِ وجه..
– أين السلوكُ المسؤول ؟
لماذا انتشارُ التّقاعُس واللاّمبالاةِ والفساد؟
و”مسؤولون” كثيرون لا يُولُون أهميةً لحقوق الناس، ويُهمِلون الأولويات، ويتَفرّغون للثانويات..
الأساسُ عندهم هو إهمالُ الأهمّ، واختلاقُ مُبرّراتٍ لإحداثِ تراكُماتٍ للملفّات التي من المفروضِ أن تتمّ معالجتُها هي الأُولَى..
وتُؤجِّلُ الإداراتُ عملَ اليوم إلى غد، والغدِ إلى الشهر القادم.. وعملَ العامِ القادمِ إلى العشرِ سنواتٍ القادمة..
ولا عملَ يُؤدَّى في وقته..
وجُلُّ الموظفين لا يَصِلون إلى العمل في الوقتِ المحدد..
والحكومةُ تسمحُ بالبحثِ عن ذرائعَ للتماطُل..
وَتَترُكُ مَصالحَ المواطنين، للذهابِ إلى الصلاة.. الصلاةُ قبلَ العمل..
– كأنّ العملَ ليس عبادة !
وكأنّ العملَ ليس أولوية، ولا يَستحقُّ الوقتَ الكافي، والتركيزَ الكافي، والإنتاجَ الكافي…
وأحزابٌ تُعَلّمُ مُناضليها كيف يتهرّبُون من مسؤولياتِهم الإداريةِ والاجتماعيةِ والسياسية، وكيف لا يُولون أهميةً للغير..
الأسبقيةُ عندهم تتَحدّدُ في مُناضلي الحزب..
الوظائفُ للمناضلين..
الريعُ للمناضلين..
كلُّ ما هو مفيد، هو للمناضلين..
ولا قيمَةَ لمن ليسُوا من مناضليهم.. وأقربائهم..
لا قيمةَ للمسؤوليةِ عندهم، إلا إذا كانت مُرتَبطةً بمَصالحهم..
وفي حالةِ التقاءِ المَصالح، تَجدُهم يتعاونون مع الآخرين، لأن الهدفَ مُشترَك..
أما بذلُ المجهود العمَلي من أجل مصلحة عامة، فهذا غائبٌ عن قاموسِ السلوكاتِ المسؤولة..
ولا تُعلّمُ مُناضِليها أن عليهم واجبَ العمل، وبمسؤولية، في كل ما هم مُطالَبُون به، على أساس ترتيبٍ مُنظّم، بعيدا عن الزبُونية والمحسوبية..
– كلّ الناس سواسيةٌ في أيةِ إدارة … وأمام أيِّ موظف..
لكن أحزابَنا لا تؤطرُ مسؤوليها إلا في ما يهمُّها هي، حزبيّا ومَصلحيًّا، لا أن يُفكروا في حلّ المشاكلِ الاجتماعية والاقتصادية والسياسيةِ المطروحة..
هي لا تُولِي أهميةً لكلِّ ما هو عمومي..
الخصُوصي عندها أسبَق!
ولا تربطُ المسؤوليةَ بما هو مصلحةٌ عامة..
المصلحةُ العامة لا تهتَمُّ بها إلا للشعارات، والانتخابات، والخِطاباتِ الإيديولوجية..
وعلى مسؤولينا أن يلتزموا بالمسؤولية.. بدون أي تقصير.. المسؤوليةُ لا تَقبلُ التقصير..
سواءٌ من قِبَلِ الأفرادِ أو الجماعاتِ أو الأحزابِ أو الدولة..
وفي البند 1 من دستور 2011، رَبْطٌ للمسؤولية بالمحاسبة..
وهُنا تتوجبُ المُحاسبةُ على كل السياساتِ العمومية!
وأن يتحمّلَ المسؤولُ كلَّ النتائجِ المترتّبةِ عن التزاماتِه، سلبيةً منها أو إيجابية..
وعلى هذا الأساس، المسؤوليةُ لا تتَجزّأ.. هي كُتلةٌ واحدة تقودُ إلى هدف واحد.. ويتوجبُ الحِرصُ على التّحلّي بالمسؤوليات، جُملةً وتفصيلا..
فإذا نجح المسؤول، حظي بالاحترامِ والتقدير.. وإذا أَخفَق، بسبب تقصيرٍ مُتعمَّد، كانت المحاسبةُ النّسبية، أو المحاسبةُ القُصوَى..
والمسؤوليةُ ما هي إلاّ مسؤولية..
– شتّانَ ما بين المسؤوليةِ واللاّمسؤولية!
مملكتنا.م.ش.س