عنوان ” شقــــــراء “
وهيب. س. تيسة. تاونات
سِيدَّتي الشقراءُ، لا تَنتشي في سعادة لنْ تدومَ، عيناكِ السماويتين يلفها السواد، وشعر رأسك الطويل الأشقر، وقامتك المِثاليَّة في عين هذا الجيل، كل هذا الذي قد يُميِّزك عن غيرك من النساء، إلا أنه لا يكفي لسلب قلب شاعر للأبد.
سينظر إليك، نعم، ويعلن استسلامه الكليَّ لجمالك، نعم، وما الجمال؟ سوى لحظة يتوقَّف لها الزمن، وكل حركة تصوم، ليعم الهدوء والسكون، ليُسمع قلب الشاعر وهو يعزف على وتر الحُسن، ويتغنى بجمال اللَّحظة لعله يقتبس من نور جمالها قصيدة، وجمال اللَّحظة لا تخلقها شقراء واحدة، فاللحظة تتعدد بتعدد الشقراوات.
لن أضخم من الأمر إن قلت إنَّ التعدد خلق للشعراء، فالشاعر يعدد من الأماكن، والموسيقى، والنساء، لضرورة الشعر، فالفتاة مهما نالت حظها من الحُسن فإنه يستحيل أن تحصل على شاعر حقيقي للأبد، فالشاعر مثل ذلك غجري في مشاعره، لا يكف عن السفر و المرأة ، ما هي إلا محطة يستريح فيها بين الفينة والأخرى ليكمل طريقه ناشدا مبتغاه.
نعم بكل مميزاتك سيدتي ما أنت بنسبة له سوى وسيلة والغاية هي الحب، فلا تعتبري نومه في أحضان امرأة أخرى غيرك خيانة، الخيانة ليست بذلك القُبح الذي يسوق له الجميع، الخيانة عند الشاعر ضرورة قصوى ومفروضة على كل شاعر، ما دُمتِ عنده وسيلةً فإنه يستعين بأكثر الوسائل الممكنة، للوصول إلى المطلق في مشاعره لتتحرر في شكل قصيدة.
الشاعر ليس ممن يكتفي بأن يعيش قصة حب واحدة، الشاعر هو من يعيش في كل قصيدة قصة، ويُنتج من كل قصة حب قصيدة، وفي كل قصة حب تراه يُبحر فيها لدرجة اللا عودة، لكنه يعود لأنه يكره النهايات فكل قصص حب التي يعيشها ما هي إلا بداية ومقدمة طويلة جدا قد لا تنتهي، فالشاعر لا يريد من الحب سوى البداية كما قال درويش.
ليس هناك شاعر عاقل ليعترف لك سيدتي الشقراء أنك وسيلة ومحطة لا أكثر, ببساطة لأنه هو أيضا في كل مرة يلتقي فيها بأنثى تعجبه، يتشبث بها كأنها مفتاح الفرج والنهاية لسفره الطويل، ليدرك بعد ذلك أنها سوى تأجيل لسفر آخر، ليحمل قلبه وينفض مشاعره من بقايا هذه الأخيرة ليفترشها لأخرى لن تكون أقل منها حسنا.
كل يوم عند الشاعر هو عيد للإفصاح بمشاعره، لا يهم لمن ؟ ولا كيف ؟ ولا متى ؟ ولا أين ؟
المهم هو أنه يُفصح ويُخرج ما في قلبه، قد يتلعثم، وقد يطول ذلك، لكن قُبلة واحدة لا تضر، بها ينجوا ويرتاح ولربما ينتصر.
الشاعر عندما لا يملك سوى الحب يعطيه بسخاء، لدرجة الذهاب دون عودة، ليس مثل باقي الناس بخلاء، كامرأة عجوز شمطاء، يستنشقون الحب و حدهم خوفا من ضياعه والجلوس في وكر التائهين، لا يجدون أنفسهم ولا غيرهم والشاعر عكسهم تماما، الحب عنده لا ينفد ولا ينقضي، والحب يُوَّحد لا يفرق، يُسعد لا يُحزن، وليس في الحب متحابان، الكل فيه واحد .
ولا زال الشاعر يسافر بحثا عن حسناء يحس معها بامتلاء الروح والفكر والجسد، وإلى ذلك الحين، كل حسناء يصادفها في حياته، هي قصيدة.
مملكتنا.م.ش.س / ياسين الكولالي