و هو رأي يدنو للصواب؛ فمن حيث المبدأ يصعب الطعن في استقلالية القرار السياسي لأحزاب مثل الحزب الإشتراكي الموحد و التقدم و الإشتراكية و من رحم ربي من العدالة و التنمية، إلا أن شظايا التأثير الخارجي حاصلة لا محالة، لقد تمت بشكل غير مباشر من خلال تنسيق محكم لما يعرف بالمجهزين على المقاطعة المشهرين مسدس الموت صوب قلوب الفقراء! أؤلائك من أرياب الشركات المفترسة و من وزراء لأحزاب تجرها الحمامة عطشا إلى سراب يخيل لهم أنها واحة مكنوزة! لقد خالوا وهلة أن بتبعيتهم القطيعية الإقطاعية سينالون التقارب مع القصر.
ديموقراطية الحمامة تحت ظغط الأخنوشية؛ و التي وجدت نفسها في محك التجديد، تماما مثل تلك الفتاة الغجرية التي لها باع قديم في الهوى حتى سئم الحي و الزبناء شكلها ! أشار عليها “مصفف شعرها” دخول مخدع عمليات التجميل؛ لقد استقبلها المدير المركزي للحزب و طمأنها أن لا قلل؛ تطمينه جاء لفرط خشيتها ذهاب حسنها بسبب روتينيتها و بساطتها حتى و إن كانتا إلى اليوم تروقان عشاقها من قدماء الحي!
تعالت الأصوات، في هذا الحزب الذي خرجت أزمته الداخلية للعلن، بين مؤيد و معارض لعملية تجميل هندسها السيد مصطفى بايتاس في مخدعه و بعدها في عيادة الدكتور سعد الدين العثماني مستعرضا موهبته الطبية و التي طبقها على حكومة كاد سقهما بعد نزلة ابرد الإحتقان الإجتماعي أن يأتي على جسمها! لكن طاقم رئيس التجمع كان على أهبة الإستعداد مباشرة بعد دخول “بائعة الهوى” العيادة في موعد متأخر.
لقد تلقف الجميع قبل ذلك رفض المغاربة لبلاغات التخوين و سجن الصحافيين و قمع الحراكات ليحولوا كل ذلك لجرعات دواء التدرج! كثر هم من نسوا أن أخنوش خسر رهان التعاطف يوم خرج بنكيران فاضحا رفض وزير الفلاحة و ما بين الأرض و السماء؛ الدعم المباشر للفقراء قبل بلوكاج غير مسبوق تفننت فيه المافيات و أعداء الديموقراطية، رغم أن الأمر مخالف للإرادة الشعبية ولم يتلقَّ أية نسمة تعاطف من المغاربة تذكر؛ على عكس مراوغات شباط و إلياس اللتان كانتا أكثر مكرا قد ذهب أحيانا في إحداث شرخ و تصدع للحكومة السابقة.
حتما لأن بايتاس يملك ذاكرة أحسن استخدامها ليهمسها في أذن أخنوش الذي أساء تكرارها، على مقاس استقلال شباط و ليس فشل ذلك بغريب على أحد التكنوقراط الإقتصاديين المدفوعين للسياسة فسلاح المراجعة هو الأنسب و التغيير التجميلي لجسم الديموقراطية الأخنوشية المزعومة يجب أن يحدث بصرامة و “راديكالية” منقطعة النظير.
سارع “مصفف الشعر” و طاقمه إلى إرغام الفتاة الحائرة على خلع الجلباب الإيفازي البلدس بعد أن عزم صديقاتها و برره للعدالة و التنمية شرعا في شخص رئيس الحكومة بدعوى الضرورة الطبية، لقد طمأنها بوجود الشعر المصبوغ و المستعار و الموصول.
أما العيون خيرها ما تشاء بين الوردي و الأزرق و البني الحصاني معللا ذلك بأفضلية التخلص من الإنعكاس الأشقر الذي يخلفه المصباح ليلا. الشفاه رقيقة أو مكتنزة حسب الطلب، و الصدر يكبر أو يصغر على الموضة.
لا خوف بعد اليوم من التجاعيد و آثار العمر، إنها في خبر كان بحقنة بوتوكس. الأنف و الأذن يتم قصهما بالحجم المطلوب و الأرداف تحقن أو تشفط منها الدهون أما الأظافر تركيب …!
لم يوقف المجملون، المزملون، اامدثرون التجميل عند الشفاه و الأرداف بل طال الصوت أيضا فأراد إخفاء البحة التي كانت ميزة مميزة لأنه يريد للديموقراطية صوتا أكثر نعومة و أنوثة…
التجميل في مخدعهم يطال كل شيئ كما سبق و أخبرت أمل الأحرار الضائع!
حتى القيم و المبادئ و المشاعر، هي أيضا يمكن تجميلها بالكذب و التضليل و ربما بالجراحة مستقبلا! مكرها أخاك لا راغبا! لذلك لم يستغرب المغاربة من الوفود و الجحافل التي دأبت على الخروج مطالبة برأس “مصفف الشعر” و أحيانا حتى طبيب العدالة و التنمية؛ ليس بقصد الفوضى و لكن لمطالبة ملك البلاد بزلزال يبعد أخنوش و بعفو عن المعتقلين من شأنه أن يزرع لهم جرعة من الكرامة و شتلة أمل و غصن صدق و بذرة استمرار لأن الريب بلغ مبلغه و الشك أصبح صديقا للواقع.
في اجتماع المكتب السياسي الأخير في الصويرة تفاجأ الحمام بحسنائهم التي غرر بها لتخرج لهم بالشكل الجديد ووجد بعضهم العزاء في تبرير ذلك بأن مسايرة المرحلة تحتاج الجمال و تنشد التغيير و الثقة! فما ضرر أن ننقص من جسم ديموقراطيتنا ما نشاء!؟ و نضيف هنا و هناك!!؟ أليست الديموقراطية بالروح لا بالشكل!؟ أليست الهوية متطابقة مع الكنه و الذات!؟
لم تتأخر الإجابات و لم تصمد التبريرات طويلا حتى أتى الرد بوضوح، فالجميلة استأنفت نشاطها المشبوه بسرعة بعد العملية و قررت أن تطرد كل من في حضرتها و البدء من صديقتها اللاتي اندهشن من سرعة تقلب مزاجها!
الديبلوماسية خارج البيت الحزبي و لا داخله مستحيلة، و الحسابات و الضربات تحت الحزام مستمرة حتى بعد بوعشرين؛ عبد العلي حامي الدين و ماء العينين للقصف و التنكيل و الداودي للتمجيد. الشبيبة التجمعية صارت اليوم صنعا و تفصيلات، عفوا؛ تفضيلات!
أما في العلاقة مع الحكومة و التحالفات فالمشكل في تلك الأصوات “المزعجة” التي تملك الأدرع الجمعوية و الصحافية و لها من التجمعيين حملة تطهير و مهاجمة و تشهير! الحكومة تأبى بخرجات بنكيران و دعم بنعبد الله أن تنتهي ببسط اليد و العمل على السير بمنطلق تفريغ الكأس ثم ملئها بملئ جديد! لقد جسد التراجع عن التصويت على القانون الإطار لإصلاح التعليم غالبا ميول الحزب ذي المرجعية الإسلامية نحو المحافظة على قواعده و أرضيته، وهو ما يكرس التصور الذي يعتبر أن العقل الإسلامي يميل إلى الحفاظ على المكتسبات وعدم المخاطرة باتخاذ أي قرارٍ مخرجاتُه غير مضمونة .
و هذا ما يزال يقض مضجع أخنوش؛ حيث إن الإشكالية اليوم لم تعد مرتبطة بالحزب و ديموقراطيته المزيفة في حد ذاته بل مرتبطة بالدولة نفسها التي تمر بعدة أزمات تخص التمثيلية السياسية، والمؤسسات الوسيطة، وتدبير الاحتجاجات، إضافة إلى التحديات التي تعرفها مجموعة من القطاعات الإجتماعية والاقتصادية والبيئية، وبالإضافة إلى كل ذلك عدم وجود بديل سياسي يعوض حزب العدالة والتنمية، رغم ما عرفته الأحزاب السياسية مؤخرا من تغييرات جراء استبدال قادتها وزعمائها صم زد على ذلك الظروف الإقليمية الغير المطمئنة.
بالعودة إلى الفتاة تعد الأيام المستقبلية أنها ستعتاد على التكلف و المبالغة و ستعود أكثر من ذي قبل لبيت الإنفلات ظنا منها أنه بيت الحداثة، مؤسف أنها خاصمت صديقاتها لكن هذا بالضبط ما قد يثني الدولة عن محاولتها دعمها بشكل مباشر، فعلاقة الدولة والحزب في عهد أخنوش لم تكن مستقرة بعد المقاطعة وقد طغى عليها الغموض والإلتباس بعد إعفاء “وزير المداويخ؛ بل إنها مرت بلحظات شد وجذب قوية لو لا هدوء بايتاس و ناصر بوريطة و صمت رشيد الطالبي العالمي!
بنكيران راجع يا سادة و قد سبق و أن هزم كل خصومه ليهزمه حزبه في آخر المطاف!
و ما أرى أخنوش قادرا على بنكيران و لا حتى على شبيبته و أولاده الصغار.
لا أحد من اليوم سيراهن عليكم و إني لأرى رؤوس حمامكم قد أينعت و حان ربيع صيدها! و إني لمستبق التبليغ عن أصحابها!
إلى هدهد أو “عدعد” جديد آخر نلقاكم.