سفيان يناقش سؤال الإسلام والعلمانية بنفخة سياسية ..

السبت 1 فبراير 2020 - 21:41

سفيان يناقش سؤال الإسلام والعلمانية بنفخة سياسية ..

العلمانية هي الحل…الإسلام هو الحل؟

لا يوجد نقاش أفقر من هذا في فكرنا السياسي المعاصر .. وهاتان العبارتان اللتان غالبا ما تتخذان كعنوان على أنساق للعمل السياسي العربي تنطويان على قدر كبير من الاختزال والتعمية في الآن نفسه.

يقدم أصحاب كلا الحلين منظورهم السياسي كما لو كانوا قد عثروا فجأة على الحل السحري الناجع لكل معضلات الممارسة السياسة العربية الراهنة.. وفي نظري أن الإغراق في النقاش من زاوية الاصطفاف وراء هذين الحلين الحاسمين لا يقدم أي جواب فعلي لطبيعة المشكلات التي تواجه عملنا السياسي (في حدود أن السياسة عندي تعني – ببساطة – التخطيط العمومي المتفاوض عليه من أجل التنمية).

مرد هذا الكلام، أنه لا يوجد تعارض بين العلمانية والإسلام إلا في أذهان من لا يفهمون الاثنين:

– الإسلام منظومة دينية توفر لمعتنقيها – ككل المنظومات الدينية – رؤية للعالم ومعالم للارتكاز تقيهم معضلات التيه الوجودي الذي قد يكونون عرضة له. والمؤمنون على العموم هم أشخاص يحتاجون إلى هذه المعالم.

– أما العلمانية فهي نموذج في بناء الدولة يمنع رجال الدين من الانفراد بالقرار السياسي أو الاستحواذ على مركز الصدارة فيه، بدعوى امتلاك سلطة التأويل الديني، لكنها لا تلغي الدين أبدا من مجال السياسة، لأنها ببساطة لا تستطيع ذلك.

لا توجد في العالم دولة لا يدخل فيها الدين إلى السياسة، بشكل من الأشكال.. ولكن أيضا لا توجد – على الإطلاق – دولة متدينة. فهذه أكذوبة مستحيلة؛ لأن الدولة كيان مجرد لا روح له، ولن يبعث الله الدول يوم القيامة ضمن من سيبعثهم كي يحاسبها على أفعالها كما يحاسب الأفراد، ولن تؤتى الدول كتبها بيمينها ولا بشمالها ولا من وراء ظهورها، ولن تدخل الجنة ولا النار….

باختصار: الدول لا دين لها، حتى وإن كانت دساتيرها تدعي عكس ذلك. ومن تخيل أن الدول قادرة على التدين، فهو إما لا يفهم المعنى الدقيق والفعلي للتدين، وإما أنه يكذب على الله ورسوله والمؤمنين… يمكن أن نفهم خوف كثير من الناس من دولة بلا دين، ونرده إلى العلاقة الطفولية التي يربطونها مع الدولة (علاقة الارتباط بالحبل السُّري) باعتبارها الإطار الهوياتي الذي يعيشون فيه ويغلفهم ويحميهم من أنفسهم ومن أهوال العالم الخارجي. لكن مثل هذه العلاقة هي بدون شك علاقة مرضية. وحلها ليس ثقافيا فقط، بل هو بالأساس حل سياسي يمر حتما عبر إصلاح ضريبي عميق، يحول الشخص من رعية للدولة إلى مواطن شريك في مؤسسته العمومية التي هي الدولة. إرساء المواطنة عبر الإصلاح الضريبي هو التفعيل العملي لعلمانية الدولة.

العلمانية الحقيقية ليست فصلا للدولة عن الدين، بل هي فصل الدولة عن رعاياها بتحويلهم من أجنة في مشيمة الدولة، إلى مواطنين مستقلين قادرين على أن يكونوا شركاء في دولتهم.

بقي أن نشير إلى أن كثيرا من المتخوفين من “كفر” الدولة، هم في الحقيقة خائفون من سياسة بلا أخلاق، ومطمئنون إلى أن الأخلاق لا توجد إلا في الدين. وهذا صحيح إلى حد بعيد. لكن البشرية عرفت على مر العصور كيف تصون القيم العليا التي ضمنت لحد الآن استمرار النوع البشري والحفاظ عليه، وأسست المبادئ الكبرى للعدالة، تلك المبادئ التي لم تبتعد عنها الأديان أبدا؛ والتي شكلت سندا للبشرية في بحثها الدؤوب عن العدل المطلق.

لا عيب أبدا في أن تستلهم السياسة قيم العدالة والخيرية التي يحث عليها الدين. وعلى كل حال لن يوجد سياسي يستطيع أن يقول لنا إنه سيسن سياسات تخالف العدل والمعروف وتسعى إلى الظلم والمنكر. فمثل هذا السياسي – لو وجد – سيكون فاقدا للعقلانية التي هي عماد الممارسة السياسية المعاصرة.

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 - 09:10

خطير جدا .. اغتيال مؤجل .. داخل كواليس خطة جزائرية مفترضة لتصفية ممثل “حماس” بالجزائر

الجمعة 5 سبتمبر 2025 - 07:25

الزفزافي يوجّه رسالة جديدة .. مراجعات فكرية وإشارات إيجابية نحو المصالحة الوطنية

الجمعة 29 أغسطس 2025 - 12:47

الهدهد .. لوبيات غاضبة وأقلام مأجورة ضائعة .. المغرب يصنع التاريخ ومن وراء مقالات “لوموند” يَئِن !

الأربعاء 27 أغسطس 2025 - 22:14

الافتتاحية الصباحية .. حين يسقط الإعلام الجزائري في امتحان الحموشي