المجتمع المدني بالمغــــــرب وأسس الشراكة مع المجالس المنتخبة
تفاعلا مع الندوات الفكرية التي تقام على هامش موسم أصيلة الثقافي في دورته الـ38 والذي يقام بين 15 و28 يوليو الجاري، رصدت “العرب” موضوع واقع المجتمع المدني بالمغرب ومسألة شراكته مع المجالس المنتخبة بالمغرب، والذي ناقشه أساتذة ومهتمون مغاربة في إطار عنوان الندوة الرسمية “الحكامة ومنظمات المجتمع المدني”.
وأكد محمد تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي بجامعة الرباط، على أن المغرب منذ عهد الاستعمار كان يعيش في ظل وعي قوي بالمجتمع المدني وبحقوقه إذا اعتبرنا الاحتجاجات والتظاهرات وتقديم العرائض من بين الصور المتميزة لنشاطات المجتمع المدني، والاستعمار حسب الأستاذ الجامعي، لم يخرج من المغرب إلا بفضل نضال قادة الحراك المدني المدعوم من الحركة الوطنية.
وأوضح تاج الدين الحسيني أن عريضة المطالبة بالاستقلال في العام 1944 كان من بين الموقعين عليها أفراد بعينهم يمثلون المجتمع المدني، وبعد مضيّ أكثر من خمسين عاما من تراكم الترسانة القانونية والحقوقية مضى المغرب قدما في بناء مجتمع حداثي يقوم على قاعدة احترام القانون ورد الاعتبار للمجتمع المدني واكتسبت حماية الجمعيات بالمغرب بعدا دستوريا.
وشدد تاج الدين الحسيني أثناء مداخلته على أن هناك قاعدة صلبة لإعطاء فرصة للمجتمع المدني المغربي ليقوم بواجباته وأدواره والتأكيد على جعله قوة اقتراحية، فالمادة 12 من الدستور اعتبرت أن جمعيات المجتمع المدني تمارس كل نشاطاتها بحرية وبكامل الاستقلالية وأن القضاء هو الجهاز الوحيد المخول له إيقاف نشاطها إذا ثبت خروجها عن القانون.
ولفت محمد الصبار أمين عام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى أن المجتمع المدني بالمغرب لعب أدوار بارزة في تسريع وتيرة التحولات السياسية وتدعيم البناء الديمقراطي للبلاد، مضيفا أنه مجموعة من النقاشات الكبرى التي عرفها المغرب في العقدين الأخيرين قد كشفت قدرات منظمات المجتمع المدني المغربي على التعاطي مع القضايا الإشكالية الكبرى سواء المرتبطة بحقوق الإنسان أو الديمقراطية وسيادة القانون.
ولم يخف محمد الصبار أثناء كلمته في الجلسة الافتتاحية، أن منظمات المجتمع المدني ساهمت من خلال أنشطتها المتعددة في خلق مقاربة هائلة لتجاوز الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإصلاح مدونة الأحوال الشخصية وإعادة الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغية ومن بينها كفاءات تنظيمية وتواصلية وقدرة على التعبير وقوة اقتراحية تجاوزت ممارسة التنديد والاحتجاج.
وأكد المتحدث على أنه تمت مشاركة المجتمع المدني في صياغة المتن الدستوري لسنة 2011 الذي رفع من مكانة منظمات المجتمع المدني معتبرا إياه شريكا حقيقيا للمؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية.
واعتبر المختار بنعبدلاوي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية، في مداخلته أنه بفضل دستور 2011 تعزز دور المجتمع المدني ووضعيته القانونية، وأنه لا يمكن حل جمعيات المجتمع المدني إلا بالقانون وأن الحق في تأسيس الجمعيات والمنظمات غير الحكومية تعزز.
وفي ذات السياق أكد بنعبدلاوي، أن المغرب وضع أسسا قانونية ودستورية هامة يمكن أن تكون مرتكزا لتطوير الشراكة بين المجتمع المدني والمجالس المنتخبة، مضيفا أنه بالرغم من توفر نصوص دستورية وتشريعية في مستوى متقدم، فإن تطوير هذه الشراكة يتطلب مجهودا تدبيريا يأخذ بعين الاعتبار مفهوم الحكامة.
وفي تدخله خلال الجلسة الختامية، أكد فؤاد العماري، رئيس الجمعية المغربية لرؤساء الجماعات، أن تجربة المنتخبين بالمغرب مهمة وراكمت ما يكفي كي تساهم ويكون رأيها أساسيا في اتخاذ القرار على المستوى المحلي والمركزي.
وأشار فؤاد العماري، إلى أن أهمية الشراكة بين جمعيات المجتمع المدني والمجالس المنتخبة تعتبر من بين الوسائل التي نعتمد عليها ونراهن عليها في تحقيق التنمية وأيضا باعتبارها منهجية وطريقة عمل في شتى المجالات.
وضرب مثال بتجربة موسم أصيلة السنوي التي نجحت في تقديم الواجهة التشاركية بين المجتمع المدني والمجالس المنتخبة، حيث يجمع فيها محمد بن عيسى بين الأمانة العامة لمنتدى أصيلة الثقافي ورئاسة المجلس البلدي لنفس المدينة ما أعطى زخما قويا لهذا المنتدى، حسب رئيس الجمعية المغربية لرؤساء الجماعات.
وفي تدخلها اعتبرت نزهة الصقلي، عضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، أن العمل التشاركي الذي يجمع بين المنتخبين والمجتمع المدني كان نتيجة المقاربة التشاركية بين كل مكونات المجتمع المغربي ومن ضمنها منظمات المجتمع المدني.
وأكدت الصقلي، أنه “انطلاقا من مبدأ اقتسام السلطة كنت أثناء تأديتي مهمتي كوزيرة سابقة للتنمية الاجتماعية والتضامن، أعتمد على جمعيات المجتمع المدني لجسّ نبض الناس الذين هم داخل نطاق اهتمامي والاهتمام باحتياجاتهم ومتطلباتهم بشكل دقيق”.
وحسب الصقلي فإن اعتماد الوزارة أو أي هيئة منتخبة على الشراكة مع منظمات المجتمع المدني تقلص الهوة مع فئات المجتمع المستهدفة وتتحقق نتائج مهمة في التعاطي مع مشاكلها بفعالية أكبر.
وفي تعقيب المختار بنعبدلاوي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية، اعتبر أن الشـراكة بين المجتمع المدني والمجالس المنتخبة تساهم في تجـميع الجهود بين الأطراف المعنية لتحقيق التنمية، لكن إقامة هذه الشراكة على مناخ يتسم بعدم وضوح الأدوار من شأنه أن يصبح عائقا في وجه التنمية، لـذلك يتعين توضـيح أدوار كل طرف.
مملكتنا.م.ش.س/عرب