منزل العائلة يضيق أمام طموح الشباب وحريتهم وانفتاحهم
ورغم أن الكثير من الأسر ترفض استقلال أبنائها عنها في بيت خاص لأسباب يتعلق بعضها بالتقاليد وطبيعة المجتمع وأخرى ترجع إلى خوف الأهل على أبنائهم من الانحرافات المتعددة، إلا أن رغبات الشباب وطموحاتهم إلى الحرية الشخصية تتغلب على حجج الأهل.وقد يمتلك الشباب حججا أقوى من مبررات الأهل ومخاوفهم، إذ يقول عزيز الملكاوي (27) عاما من تونس، “أعتبر نفسي شخصا مختلفا كليا عما كنت عليه في منزل العائلة، فالاستقلالية انعكست على شخصيتي التي ازدادت ثقة وقوة بسبب اعتمادي على نفسي”.وأضاف الملكاوي في تصريحات لـ”العرب” قائلا “بالتأكيد الأفكار والآراء تتغير نتيجة ما نكتشفه بمرور الوقت، حتى أنه كانت لديّ أفكار معينة لم أكن أجرؤ على البوح بها، لأنها لم تكن ملائمة للبيئة التي عشت فيها، لكن الآن أشعر بحرية أكبر وأستطيع أن أعبر عن نفسي وأفصح عن أفكاري وأناقشها بثقة”.
الضغوط التي يلاقيها الشباب من قبل الأهل والمواقف الرافضة لبعض أفكارهم تسبب لهم مشكلة أو تخلق لهم أزمة داخل المنزل
بدورها تقول آمنة سعيد (30) عاما من تونس، إنها انتقلت إلى العيش منفردة بسبب طبيعة دراستها، لكنها اليوم تجد صعوبة في العودة إلى منزل العائلة والخضوع لسلطتها.وتضيف سعيد في تصريحات لـ”العرب”، “لا أعتقد أنني سأعود للسكن مع العائلة، لأني أرى أني في مرحلة أريد خلالها التقدم إلى الأمام والتطور والانفتاح على مجالات جديدة. وهذا غير متاح مع الأهل”.وتعلق على الانتقادات التي تطال الفتيات المستقلات في العالم العربي، بالقول “أنا ضد الذين يعارضون سكن الفتاة وحدها، خاصة إذا كان هذا من أجل التعليم أو العمل، لأنه من حق كل فتاة كأي شاب، أن تبحث عن مستقبلها، وإن كان هذا يحتاج أن تسكن وحدها بعيدا عن أهلها. لكن المجتمع العربي مازال يجد صعوبة في تقبل هذه الفكرة، غير أن المجتمع التونسي بشكل عام أكثر تقبلا لفكرة استقلالية أبنائه من مجتمعات أخرى”.وتقول الأخصائية الاجتماعية التونسية ألفة مسعودي “إن الرغبة في الاستقلالية التي يطمح معظم الشباب إلى تحقيقها هي أمر طبيعي لأن الأشخاص في هذه المرحلة ينحصر همهم في تكوين شخصيتهم بعيدا عن الأسرة، والعمل بكل الوسائل لتحقيق ذواتهم والتصرف بكل حرية ودون قيود”. وأضافت أن الضغوط التي يلاقيها الشباب من قبل الأهل والمواقف الرافضة لبعض أفكارهم تسبب لهم مشكلة أو تخلق لهم أزمة داخل المنزل، عندها يبدأ معظمهم بالتفكير في الاستقلال عن العائلة، وخاصة إذا كان لديهم عمل قارّ.حالة ذهنية ونفسية
يرى البعض أن الاستقلال هو حالة ذهنية ونفسية وليس مجرّد العيش منفردا في مكان ما لأنه يساعد في بناء جزء من الشخصية من غير الممكن أن يبنى لو عاش الشاب في بيت العائلة إضافة إلى أنه يكسبه صداقات من المستحيل أن يكسبها لو عاش في حيه ومجتمعه المعتاد، ويؤكدون أن ممارسة الحرية الشخصية صعب المنال في بيت الأسرة.ويستغرب بسام الحسن شاب سوري (30) عاما ويعمل في المهن الحرة، “نظرة الناس للشاب الذي يعيش بمفرده مع أن هذا الأمر طبيعي في البلدان الغربية، حيث يتاح للشاب أن تكون له شخصيته المستقلة بعد أن يبلغ الثامنة عشرة بينما فيما يعتبر الشاب العربي الذي يتخذ قرارا بالعيش لمفرده خارجا عن الطاعة”.ويضيف الحسن “الكثير من التفاصيل التي تتعلق بالحرية الشخصية سواء كانت أمورا عادية أو غير عادية لا يرضى عنها الأهل”. ويتابع “من الطبيعي أن يكون لدى الشاب مزاج مختلف عن الأهل وعن أجوائهم، فهم لا يقبلون بأبسط الأمور مثل السهر مع الأصدقاء إلى أوقات متأخرة في الليل”.

بدوره، يقول باسل سالم (26) عاما من سوريا، أنه لم يتخذ قرار الانفصال عن الأهل بنفسه، حيث اضطره سفر العائلة إلى العيش مستقلا لمدة ثلاث سنوات. ويضيف “اعتدت على الاستقلالية، ولا أنكر أن لهذا الأمر سلبيات عديدة يتعلق أغلبها بصعوبة أداء الشاب للأعمال المنزلية إلا أن الحرية التي تتيحها الاستقلالية عن الأهل تعوض كل ذلك إلى جانب أنها تصقل شخصية الشاب وتزيد من اعتماده على نفسه”.ويلفت البعض إلى أن الانطلاق ضروري حتى يتمكن الجيل الجديد من التعرف على مجالات أخرى ما دام سيدخل معترك الحياة ليحقق وجوده، كما أن الوصول إلى عمر الشباب، يفرض على الشاب الخروج من عباءة الأهل والتوسع في علاقاته ومعارفه مما يجعله منفتحا على آفاق واسعة.ويجب على الأهل أن يسهموا في انطلاق أبنائهم، أو في سفرهم أيضا إذا أتيح لهم عمل جيد، بينما الحصار ضمن دائرة محددة يجعل الابن مضطرا للاعتماد على أهله من الناحية المادية، كما يجعله ضيّق الأفق من الناحية الاجتماعية.ويتابع سالم، “حياة الشاب خارج إطار أسرته ضرورية له لتكوين مسيرته المهنية، فاعتماده المتواصل على أسرته لإعالته يعمق لديه النقص في الناحية النفسية، وعدم القدرة على تجاوز العديد من المشكلات التي يتعرض لها في حياته، بينما يستطيع من خلال الاستقلالية البحث عن تكوين ذاته وتقوية إرادته وثقافته، وعليه ألا يضعف أمام أي عائق”.وفي العديد من المناطق المحافظة لا يتقبل المجتمع سكن الشباب وحدهم، حتى أن بعض أصحاب المنازل يرفضون تأجيرها لشاب أعزب أو مجموعة من الشباب ليوفروا على أنفسهم المشاكل.عقبات اجتماعية
يقول أبومازن من العاصمة الأردنية، أن قراره هذا لم يأت عن عبث وإنما عن تجربة سابقة حيث قال إنه “أجر منزله في إحدى المرات إلى شاب أتى من محافظة أخرى وندم على قيامه بذلك لأن الشاب لم يراع حرمة المنزل وآداب الجيرة”.وتابع “اشتكى الجيران مرارا من سلوك الشاب وقالوا أنه يحضر النساء إلى المنزل فضلا عن الحفلات والسهرات اليومية التي لم تكن تخلو من الصخب والمشروبات الكحولية”.وأضاف أبومازن، “اضطر أحد الجيران إلى الانتقال من منزله بسبب مجموعة من الشبان العزاب، الذين كانت أصواتهم تعلو في منتصف الليل فضلا عن مواعدة بنات الليل والممارسات المعيبة على الشرفة”.ويعتبر المجتمع الأردني من المجتمعات المحافظة التي لا يتقبل فيه كثيرون أن تسكن المرأة أو الفتاة في بيت مستقل، بسبب تاريخ طويل من العادات والتقاليد والمفاهيم الاجتماعية المتراكمة منذ زمن طويل، إلا أن الاستثناءات تتزايد، وينفتح البعض على الفكرة أكثر فأكثر مع مرور الوقت.
حياة الشاب خارج إطار أسرته ضرورية له لتكوين مسيرته المهنية، فاعتماده المتواصل على أسرته يعمق لديه النقص في الناحية النفسية
وترى الطالبة الجامعية منى جميل أن نظرة المجتمع لا ترحم الفتاة التي تعيش وحدها، وتعترف بأنها سمعت انتقادات وملاحظات كثيرة من قبيل أن ذلك ” يعتبر خطرا أخلاقيا يمكن أن تتداوله ألسنة الناس في مجتمع عربي شرقي”، إضافة إلى عبارات مثل “لا يجب على الفتاة مغادرة بيت أهلها سوى إلى منزل الزوج”، لكن منى تؤكد أن السكن بمفردها حقق لها استقلالية لم تجدها في منزل أهلها، كذلك تعززت ثقتها بنفسها، ولم تعد تلتفت كثيرا للانتقادات.ويقول حسين الخزاعي الاختصاصي الأردني في علم الاجتماع “أن التطور والتقدم في المجتمع والذي يؤدي إلى منح الشباب المزيد من الاستقلالية والحرية، يؤدي إلى اعتماد هؤلاء من فئة الشباب والشابات على أنفسهم وتحقيق أمنياتهم ورغباتهم من دون مساعدة الأهل”.ويضيف أن ذلك بدأ تلمسه في المجتمع لتحقيق الذات والامتياز نتيجة التعليم واندماجهم في المجتمع، وتوفر العديد من فرص الاعتماد على النفس من خلال المشاركة الاقتصادية، والمناخ الملائم والمناسب لتحقيق طموحاتهم.
الشباب الخليجي يبحث عن الاستقلالية

الرياض – كشفت دراسة مؤخرا أن الشباب السعودي خصوصا والخليجي عموما، حريصون على خلق تأثير إيجابي، ولديهم رغبة في الاستقلال المُبكر. وأضافت الدراسة التي أجراها منظمو معرض (إكسبو 2020)، أن الشباب الخليجي يمتلك فرصا لتحويل شغفه إلى مهن مُستدامة تكون مفيدة بالنسبة لهم ولمجتمعهم.