بين الدفاع عن العربية وتكريس الطبقية
مراد قمحي
إعمال مبدأ التناوب اللغوي من خلال تدريس بعض المواد ، ولا سيما العلمية والتقنية منها أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية”، بهذه الكلمات، فجر القانون-الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي موجة من ردود الفعل والانتقادات التي وصلت حد اتهام مؤيدي هذا الطرح بالعمالة لجهات أجنبية. جملة كانت كفيلة بإحداث زوبعة من الردود لم تستطع أسوار المؤسسة التشريعية من احتوائها، إذ لم تقتصر مناقشة مشروع القانون هذا على نواب الأمة فقط كما هو الشأن لقوانين أخرى لم تتجاوز تفاصيل وظروف صياغتها ومناقشتها كواليس غرفتي البرلمان.
موضوع أسال كثيرا من المداد، وارتفعت بسببه عدة أصوات، منها تلك التي لا نسمع لها ذويا إلا مرة كل خمس سنوات، وأقصد هنا أيام الحملات الانتخابية، وأخرى لا تظهر للعلن إلا إذا شعرت بأن ما يحاك لا يصب في مصلحتها. لقد اشتد سعار المعارضين لتدريس المواد العلمية بلغات العلوم وذهبوا للقول بأن ما يحركهم هو غيرتهم على وضع اللغة العربية كلغة أساسية للتدريس، وخوفهم من تقهقر هذا الوضع إذا أصبحت لديها لغات منافسة، خصوصا وأن الأمر يتعلق بلغات منتجة للعلوم ومسايرة للثورة التكنولوجية والفكرية التي يعرفها عصرنا الحالي.
إن ما يدفع هؤلاء للوقوف في وجه التغيير ومحاولتهم إبقاء الوضع على حاله دون بذل أي مجهود لتجويد منظومة التعليم، هو السبب نفسه الذي دفع أسلافهم لنهج سياسة التعريب إبان السبعينيات من القرن الماضي، وهو الحفاظ على الهوة الفاصلة بين أبنائهم الذين يدرسون في مدارس البعثات الفرنسية والأمريكية، ويتابعون دراساتهم العليا بأرقى الجامعات الغربية، ليعودوا بعد ذلك إلى بلدهم محملين بشواهد في مختلف التخصصات تشفع لهم بأن يعتكفوا بمراكز السلطة والقرار بذريعة الكفاءة، وهو أمر لا يمكن لأي كان الطعن في صحته، وبين أبناء الطبقتين المتوسطة والفقيرة الذين يتجرعون تعليما لا يصلح سوى لمحاربة الأمية.
إن ما يخفيه جبل الجليد هذا هو ذلك الصراع الأزلي بين الطبقة البورجوازية التي استطاعت بدهائها التحكم في دواليب الدولة، والطبقة الشعبية التي تكابد المشقات من أجل البقاء. صراع لم يعد بإمكان الأزياء التنكرية من قومية وإيديولوجية وعقيدة إخفاءه، ولم يعد بمقدور هؤلاء اللعب على وتر الانتماء لأي توجه كان لدى الأغلبية المفعول بها للوقوف ضد قرارات تصب في مصلحة أبنائها بالأساس.
مملكتنا.م.ش.س