الدقائق الحاسمة في المحاولة الفاشلة لانقلاب الصخيرات – وكيف نجا الملك الحسن التاني رحمه الله ؟ ”الجزء 2 ”
عبد اللطيف الباز
بعد ثلاث ساعات من الفوضى داخل قصر الصخيرات، نجا الملك الراحل الحسن الثاني من محاولة الانقلاب عليه، حيت رمق الحسن الجنود الذين كلِّفوا باحتجازه، والتحفظ عليه. إنهم فتية تطل الحيرة من عيونهم. راقب الملك يد أحدهم، وهي تحمل السلاح، لكنها ترتعش. ليس الأسير أشدَّ وجَلاً من آسره! دوّت رشقتا رصاص في مكان غير بعيد، فاستنفر الجنود، وتلفتوا بحثاً عن مصدر الطلقات. انكشف ارتباكهم للملك. ليسوا سوى عصابة من التلاميذ الصغار في مدرسة اهرمومو العسكرية، لا يدرون ماذا يَصنعون، أو ماذا يُصنع بهم.
قال لهم الملك بصوت خفيض، ووَدود: «انتوما أولادي». نظروا إليه وجلين متهيّبين. لا أحدَ منهم رأى الملك، قبل هذه الساعة، رأيَ العين. لم يعرفوه إلّا صورة ضخمة في برواز، تطلّ عليهم شامخةً، سامية، مرتفعة. وها هو الآن قبالتهم، وبين أيديهم. من كان يتصوّر أن يحدث كل ذلك؟! جعل الملك يهدّئ من روع الجنود، ويطمئنهم. قال لهم: «ما تخافوش. ما تخلعوش. غير تهدّنوا (اهدأوا)». ران عليهم الصمت، ثم تكلّم أحدهم مخاطباً الملك: «سيدي، قال لينا الكولونيل اعبابو بلّي انت فْ خطر، وخاصنا نحميوك». التقط الحسن الدلالة التي لمعت في كلمات الجندي، فقال: «مزيان. حنا دابا لاباس (نحن الآن بخير). أنا على خير، ما حدّي (ما دمت) معاكم.
وأنتوما على خير، ما حدكم معايا». أطرق الجنود بصرهم، وأرخوا أعينهم، وأمسكوا عن الكلام. لم يشاورهم رؤساؤهم في هذه المُلِمّة، ولم يرشدهم أحد إلى كيفية التصرف في مثل هذه البلوى. لقد أُمِروا، فائتمروا. قال الحسن لهم: «يا الله نقراو سورة الفاتحة. هي أم القرآن، وهي كا تشافي من الهم والضيق والأحزان». بادر الملك، فرفع يديه إلى صدره، وجعل يتلو الفاتحة، وتبعه الجنود فقرأوا كما قرأ. قال لهم: «ادعيوا ربّي معايَ: اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا». أمّن الجنود على دعائه ، تم رمقهم الحسن مرة أخرى بعينين فاحصتين تسبران أغوارهم، وقال لهم: «أنا الملك ديالكم، وأنتوما العسكر ديالي، فما تخافوش».
أومأوا برؤوسهم موافقين. وبادر أحدهم بأداء التحية العسكرية للملك، فتبعه الآخرون، وصنعوا مثله. مدّ إليهم الحسن يده ليبوسُوها، فتلقّفوها مقبّلين. تنفس الحسن الصعداء. إنه الآن من يسيطر على هؤلاء الجنود. هل عاد حظه يبتسم من جديد، بعد ساعات النحس والشؤم؟! لقد أعانته هيبته، وأسعفته حنكته، وأنجدته آيات قليلة من القرآن، لكنّ الطريق إلى النجاة ما زال بعيداً.
قال الحسن لجنوده: «واش بانولكم les camarades ديالكم؟ (ماذا عن زملائكم؟) باقين مخلصين لله والملك والوطن؟». قال رقيب للملك: «سيدنا، كاينين des officiers ضدك، وباغيين ليك الشر. (بعض الضباط ضدك، ويريدون لك الشر). لكن أغلبية les sous officiers ديال المدرسة راهم مخلصين ليك، أ سيدنا».
سأله الملك: «واش تقدر تعرف (هل تستطيع أن تميّز) المخلصين من الخونة؟!». أجاب الرقيب: «نعم، سيدي». أمره الحسن أن يذهب إلى من يثق فيهم من أصحابه، ويعلمهم بأن الملك بخير. وأن يراقب ردة فعلهم. فإن اطمأنّ لهم، فليجئ ببعضهم إليه. كانت تلك مخاطرةً، وقد جازف بها الحسن، فإمّا أن تصيب أو تخيب. جلب الرقيب معه بعض الجنود الآخرين، بعد دقائق، ليقابلوا «سيدنا». شيئاً فشيئاً، تكاثر العساكر حول الملك، وأخذوا يهتفون بحماسة: «عاش الملك، عاش الملك». استعاد الحسن رباطة جأشه، واستجمع سلطانه عليهم.
مدّ إليهم يده، فقبّلوها، وبعضهم انحنى إلى ساقه. خطب الملك فيهم، وقد عاد إليه ثباته: «ما لكم؟! واش مشى ليكم العقل؟! (هل فقدتم عقولكم؟!) واش حماقيتوا كاملين؟! (هل غدوتم كلكم مجانين؟!) أنتوما أولادي. أنتوما ضباط الجيش الملكي. أنتوما أولادي». زاد الهتاف: «عاش الملك، عاش الملك». ، فأحب الحسن أن يعيد سورة الفاتحة. قال لهم: «يا الله نقراو الفاتحة جميع». جعل الجنود يقرأون. قال لهم الحسن: «تبعوني. تبعوا الملك ديالكم». قادهم إلى المكان الذي قبع فيه أوفقير، وبقية الوزراء. كان المشهد عجيباً.
هذا الملك الذي مضى به جلّادوه إلى الإعدام، عاد ووراءه الجلادون يهتفون له! قال الملك لوزير داخليته بالفرنسية : «جنرال أوفقير. قم! إنني أخوّل لك إستعمال جميع سلطاتي المدنية والعسكرية. تولّ إنهاء هذه القضية».
مملكتنا.م.ش.س