تكرس زيارة الملك محمد السادس إلى عدد من الدول الإفريقية، الانفتاح الذي يسجله المغرب خلال السنوات الأخيرة على محيطه الافريقي، والذي بات خيارا استراتيجيا في سياسة المغرب الخارجية.
يأتي التنصيص على الجذور الأفريقية للمغرب في الدستور ليكرّس لانتماء عريق تشهد عليه العلاقات المغربية التاريخية مع بلدان القارة، حيث لا يمكن لأيّ مؤرخ إلا تسجيل أن المغرب كان له دائما وجود حضاري راسخ في أفريقيا، إضافة إلى وجود سياسي واضح في بعض فترات التاريخ المغربي كما في عصر أحمد المنصور الذهبي في نهاية القرن السادس عشر.
وللحقيقة والتاريخ، فإن ملوك المغرب يعتبرون أفريقيا مجالا حيويا، ونقطة ارتكاز في فك كل حصار تحاول الدول الأوروبية فرضه على المغرب، لضرب مصالحه الاقتصادية التجارية والجيوسياسية والحد من نفوذه في المنطقة.
غير أن إدراك المغرب لأبعاد هذه الاستراتيجية الرامية إلى عزله وقطع أواصر علاقاته مع بلدان أفريقيا جعله يعتمد سياسة العمل على تحويل الحدود بينه وبين الدول الأفريقية إلى مناطق للتواصل وليس لإعاقته كما كانت تخطط الدول الاستعمارية. وهذا ما يفسر في أحد أبعاده العلاقات التاريخية المتواصلة بين المغرب ودولة مالي وحرص المغرب على تنمية علاقاته العريقة مع السنغال والعمل على تعزيز علاقات التعاون وحسن الجوار مع موريتانيا والإصرار اللامتناهي على منع إنشاء دويلة قزمية في أقاليمه الجنوبية.
وتعكس هذا التوجّه، الزيارات المتواترة التي يقوم بها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى عديد الدول الأفريقية، والتي يتمّ خلالها التفعيل الميداني والملموس لهذا التوجّه الداعم للتعاون جنوب جنوب من خلال إطلاق المشاريع في مختلف المجالات الاقتصادية والصحية والاجتماعية.
وفي تأكيد جديد على الالتزام التام بهذه السياسة، وصل العاهل المغربي الملك محمد السادس، الأربعاء الماضي إلى العاصمة السنغالية دكار، وهي محطته الأولى ضمن جولة تشمل ثلاث دول أخرى في أفريقيا جنوب الصحراء، وهي ساحل العاج والغابون وغينيا بيساو.
ومنذ وصوله إلى دكار أشرف العاهل المغربي الملك محمد السادس على توقيع مجموعة من الاتفاقيات في مجالات تشمل الصناعة والجمارك والسياحة والبيئة. كما أشرف الملك محمد السادس أمس السبت على تقديم هبة عبارة عن 10 طن من الأدوية والتجهيزات الطبية للمركز الاستشفائي الجامعي فان بدكار. ومن المنتظر أن يتم توقيع اتفاقيات مماثلة مع ساحل العاج والغابون وغينيا بيساو، في سياق دعم الصداقة في مختلف المجالات.
وتندرج هذه الاتفاقيات في إطار تصور راسخ لدى المغرب، خاصة في عهد الملك محمد السادس، حيث أنيطت للسياسة الخارجية وللدبلوماسية مسؤولية القيام بمهام متواصلة في أبعادها وأهدافها لتصب كلها في خدمة مصالح استراتيجية مشتركة ومتوازنة بين المغرب وشركائه الأفارقة، إيمانا منه أن التعامل الندّي بين دول جنوب جنوب من شأنه تحقيق الأهداف المنشودة.
مملكتنا .م.ش.س