إنطلق الموسم البرلماني الجديد في المغرب وسط انتظارات بأن يكون هناك وعي حقيقي بضرورة التطور وتعزيز مقومات الديمقراطية البرلمانية، والخروج من دائرة المزايدات السياسية التي تحكمها رؤى حزبية ضيقة
إفتتح العاهل المغربي، الجمعة، الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة، التي تعتبر آخر دورة تشريعية قبل الانتخابات البرلمانية.
ودعا الملك محمد السادس في خطاب الافتتاح، إلى الإسراع بالمصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية المعروضة داخل البرلمان، كما دعا إلى التوافق الايجابي بعيدا عن المزايدات السياسية والصراعات الهامشية، والانكباب على مناقشة مشاريع النصوص القانونية، مشددا على أن الضمانات التي تم توفيرها تضاهي مثيلاتها في أكبر الديمقراطيات عبر العالم.
وأكد على أن السنة التشريعية الجديدة، حافلة بالتحديات، وتتطلب العمل الجاد والتحلي بروح الوطنية الصادقة لاستكمال إقامة المؤسسات الوطنية. موضحا أن المؤسسات لا تهم الأغلبية وحدها أو المعارضة، وإنما هي مؤسسات يجب أن تكون في خدمة المواطنين دون أيّ اعتبارات أخرى.
وشدّدت سليمة الفرجي، عضوة بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، على ما جاء في خطاب العاهل المغربي، مؤكدة لـ”العرب”، أن الملك محمد السادس حرص على تمرير عدة رسائل للنواب ووقف عند الكثير من القوانين التنظيمية التي لم تعرض لحد الساعة على البرلمان.
ووصف عضو لجنة العدل والتشريع الخطاب بأنه خطاب عملي يواكب رهانات السنة الأخيرة من عمر الولاية الحالية، والتي ستكون سنة حافلة، بحيث سيتم فيها انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية.
وقالت إن الملك محمد السادس طالب بتشكيل مجلس العائلة والأسرة والمجلس الأعلى للشباب، وهي مسائل عملية محضة، وبالنسبة إلينا داخل لجنة العدل والتشريع نعمل على قدم وساق على هذه القوانين.
ويرى مراقبون أن السنة التشريعية الجديدة ستكون مثقلة بالملفات ذات الصبغة الملحّة والهامة، في ظل واقع سياسي متشظ نتيجة الصراعات بين القوى الحزبية المغربية التي تستعد السنة المقبلة لاستحقاق مهمّ وهو الانتخابات البرلمانية.
ويقول ملاحظون إن الرهان في هذه الدورة البرلمانية سينصب على إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة أساسا بتفعيل الورش الجهوية والقانون التنظيمي للمالية، والقانون التنظيمي لأشغال الحكومة والقانون التنظيمي للأمازيغية والمحكمة الدستورية كما نصّ عليها الدستور والتي لا يمكن تأجيل البتّ في انتخاب أعضائها.
ويتوقع عبد الإله السطي، الباحث في القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن تكون هذه الدورة ساخنة بالنظر لحجم الانتظارات المتوقعة منها، وذلك لاعتبارين أولهما أنها آخر دورة برلمانية بالنسبة إلى مجلس النواب، والثاني يتمثل في حجم التصدعات التي عرفتها كل من المعارضة والأغلبية التي فشلت في ضبط تحالفاتها خلال الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة.
وقال عبد الإله السطي، في حديثه لـ”العرب” إن السنة التشريعية الجديدة ستشهد تحديين اثنين أحدهما زمني يتمثل في صعوبات استكمال البناء المؤسساتي والقانوني الذي جاء بها دستور 2011، داخل هذه الدورة، والآخر يتمثل في آليات ضمان تماسك وتوافق مكونات الأغلبية الحكومية التي شهدت بعض التصدعات جراء الاختلاف حول طريقة التحالفات وطبيعتها خلال الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، مما قد يؤثر في المنتوج الحكومي خلال هذه الدورة التشريعية، مقابل بعض التصدعات داخل مكونات المعارضة، والتي هدد من خلالها حزب الاستقلال المعارض بالتوجه نحو المساندة النقدية للحكومة بدل الاصطفاف مع مكونات المعارضة.
من جهته أكد عثمان الزياني، أستاذ القانون الدستوري بجامعة مكناس، في تصريحه “للعرب”، أن الرهان الأساسي الملقى على عاتق البرلمانيين الآن هو تأسيس ثقافة جديدة باعثة لحراك برلماني فعال يقوم على أساس استثمار كل “المتاح دستوريا”، لإعادة الاعتبار للمؤسسة البرلمانية وتعزيز دورها التشريعي والرقابي، لتتبوأ المركز المحوري الذي يليق بها في المشهد السياسي.
وشدد الزياني على ضرورة التسريع من وتيرة صناعة التشريع بما يتلاءم وانتظارات المواطنين، ويكفل التنزيل السليم للمقتضى الدستوري، خصوصا فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية.
ولتحقيق الرهانات وضمان نجاحها، شدد مختلف الخبراء على ضرورة تقليص هيمنة الحكومة على التشريع، والاعتبار من الدورات البرلمانية السابقة حيث اكتفى البرلمان بوضع التزكية.
وفي تعليقه على هذا الوضع، قال الزياني إن تفعيل دور البرلمان لن يتأتى دون وجود معارضة فعالة وقوية قادرة على فرض ذاتها كشريك أساسي في العمل التشريعي وفي تدبير العمل البرلماني بصفة عامة، مضيفا أن البرلمان لن يكتسب المكانة المأمولة إلا إذا تم تغيير النظرة الضيقة لكل من الحكومة وأغلبيتها تجاه المعارضة البرلمانية واعتبارها شريكا فعليا في منظومة اتخاذ القرار وليس كخصم وجب إقصاؤه من أيّ عملية برلمانية.
من جهة أخرى وفيما يتعلق بالغرفة الثانية للبرلمان المغربي يعتبر الرفع من جودة المنتوج التشريعي داخل مجلس المستشارين رهانا حقيقيا آخر في هذه الدورة التشريعية؛ وهو ما ذهب إليه عبد الإله السطي، في حديثه لـ”لعرب”، قائلا إن المجلس ينتظره عمل مضن في إخراج القوانين المنظمة لسير الجماعات الترابية المنتخبة في الرابع من سبتمبر الماضي، إلى جانب إعادة صياغة القانون التنظيمي لمجلس المستشارين تماشيا مع مستجدات دستور 2011.
وأمام تأكيدات الكثير من المتابعين على أن استمرار العمل بالقانون الداخلي القديم لن يمكّن الأحزاب المنتخبة داخل مجلس المستشارين، المكون من 120 عضوا، من تشكيل فرق برلمانية باستثناء الأحزاب الثلاثة الأولى التي حصلت على أكثر من 12 مقعدا بالمجلس، يرى السطي أن الأعضاء الجدد داخل مجلس المستشارين مطالبون بالبحث في آليات تأهيل العمل التشريعي لهذه الغرفة، وبناء نموذج للممارسة الديمقراطية والرقي بجودة التشريع وشكل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة.
مع العلم أن مسألة تشكيل الفرق البرلمانية ستطرح إشكاليات قانونية من حيث عدد الفرق التي سيتوفر عليها المجلس بالنظر الى النتائج المتحصل عليها، فوفقا لما هو منصوص عليه في النظام الداخلي لمجلس المستشارين نجد أنه يشترط 12 عضوا لتشكيل فريق برلماني. وبالنظر إلى النتائج فهناك ثلاثة أحزاب يمكن أن تشكل فريقا داخل مجلس المستشارين ويتعلق الأمر بكل من حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية.
واعتبر عثمان الزياني، أستاذ القانون الدستوري، أن هذا الوضع سيؤثر على التوازن داخل المجلس مما سيمس حتما بدينامية العمل التشريعي والرقابي والدبلوماسي للمجلس، ما يفرض برأيه تعديل النظام الداخلي بما يكفل زيادة عدد الفرق البرلمانية داخل المجلس.
ويتوقع الخبراء أن تشهد رئاسة مجلس المستشارين صراعا بين قطبي المعارضة بعد إعلان كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال مرشحيهما، زيادة على حساسية المنصب ورمزيته أيضا والامتيازات التي يوفرها.
وعموما فإن التجاذبات السياسية والخلافات داخل الحكومة والمعارضة المغربية اليوم سيكون لها تأثيرها المباشر على المؤسسة البرلمانية، الأمر الذي يعد بمرحلة شائكة مفتوحة على عدة سيناريوهات قد يكون أحدها الالتقاء من أجل بلورة مشروع تشريعي يرتقي أكثر بالمؤسسة البرلمانية المطروحة اليوم ويحد من سيطرة الحكومة .
مملكتنا.م.ش.س/عرب