الهدر المدرسي نقطة سوداء في منظومة التعليم المغربي
- في الوقت الذي يتصاعد فيه الجدل حول مآزق النظام التعليمي المغربي، تكشف دراسة لعالم الاجتماع جمال خليل نتائج تؤكد استمرار اعتبار “الهدر المدرسي نقطة سوداء في النظام التعليمي المغربي، حيث يغادر سنويا مقاعد الدراسة 390 ألف تلميذ. فمن أصل 1000 تلميذ يلجون المدرسة لا يصل منهم إلى القسم السادس ابتدائي سوى 620 تلميذا فيما يغادر 380 تلميذا مقاعد الدراسة قبل هذا المستوى”.
اهتمت الدراسة بالبحث في فئة شباب الأحياء الشعبية خاصة أولئك الذين لم يبلغوا مستويات متقدمة في التعليم وشملت في مرحلة أولى 322 شابا تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة يقطنون في أحياء البرنوصي وسيدي مومن.
وبغية ضمان مصداقية أكثر لنتائجها، عمل خليل، العضو المؤسس للمركز المغربي للعلوم الاجتماعية، في مرحلة ثانية على توسيع إطار البحث ليصل عدد المبحوثين إلى 2507 أشخاص يتوزعون على عدد أكبر من المناطق الشعبية.
ويعتبر الباحث الذي اشتغل خبيرا مع منظمات دولية عديدة، أن المدرسة ليست العامل الوحيد الحاسم في محاربة الأمية، كما أن البنية العشوائية للفضاءات الشعبية تعزز عزلة الأفراد محدودي التكوين المدرسي وتحدث خللا في تمثلهم لمحيطهم.
وتدق نتائج الدراسة ناقوس الخطر من خلال ما أوردته حيث تقول “تأكد من خلال بحثنا في عدد من الأحياء الشعبية بالدار البيضاء أن فئة مهمة من الساكنة لم تتلق رغم ولوجها المدرسة المستويات الأولية للمعارف الأساسية في القراءة والحساب رغم قضائها أكثر من 6 سنوات في المدرسة”.
وهو ما يجعلنا أمام منظومة تعليمية مختلة تكتفي بالاحتفاظ بالأطفال إلى حين الوصول إلى سن المراهقة قبل مغادرتها دون مؤهلات.
ورغم صدور النتائج المتعلقة بالدار البيضاء منذ العام 2005، إلا أن الوضع لم يشهد تحسنا يذكر، حيث تتواصل النسب المرتفعة لظاهرة الهدر المدرسي وكذلك نسب الأمية في هذه المدينة وغيرها من مناطق المملكة.
وهو ما يتطلب دراسات وبحوثا تركز على تحديد الأسباب والخلل في المنظومة التعليمية المغربية للوصول إلى تحديد سبل الإصلاح الكفيلة بأن تشجع الطالب على مواصلة التعلم وعدم الانقطاع عن المدرسة، وكذلك على الرفع من مستوى تحصيله من البرامج التعليمية التي يتلقاها في المدارس.
وأصبح الهدر المدرسي في المغرب بمثابة الظاهرة التي استعصى إيجاد حلول لها سواء الحلول الخاصة بقطاع التعليم وفي نطاق وزارة التربية أو الحلول الاجتماعية والتنموية والاقتصادية، وفي بداية كل عام دراسي جديد تقدم الجهات الرسمية إحصائيات توصف بالصادمة في ما يخص نسب الهدر المدرسي والأمية التي لم تتغير كثيرا منذ سنوات. وهذا تحديدا ما دفع الحكومة المغربية والوزارات المعنية إلى البحث في هذه الظواهر ودراستها لمحاولة الحد من انعكاساتها على مستوى التعليم في المغرب وعلى المجتمع عموما.
مليون طفل أعمارهم ما بين الـ9 والـ14 سنة، خارج المدارس في الموسم الدراسي 2013-2014
وإلى جانب تبني استراتيجية إصلاح المنظومة التربوية 2015-2030 التي تجمع كل المتدخلين والمعنيين بالشأن التعليمي في المغرب، فقد تأسس في يناير الماضي “الاتحاد الوطني لمحاربة الهدر المدرسي”، الذي يضم عددا من رجال التعليم ومختصين في علم الاجتماع والنفس، ليكون إحدى المؤسسات الرسمية التي تهتم بدراسة ظاهرة الهدر المدرسي وتتولى تحديد أسبابها الرئيسية عبر إشراك الجامعات والممارسين للحقل التعليمي والأطباء، وذلك بهدف وضع خارطة طريق تكون السبيل لمعالجة الظاهرة.
ويعمل الاتحاد باعتماد آليات تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية للتلاميذ. وورد في تقرير قدمه الاتحاد الشهر الماضي حول الهدر المدرسي أنه في الموسم الدراسي 2013-2014 تم تسجيل أزيد من مليون طفل تتراوح أعمارهم ما بين التاسعة والرابعة عشرة سنة، خارج أسوار المدرسة كما أنه يوجد حوالي 7 ملايين أمي في المغرب.
وأن المرحلة الابتدائية تتصدر المراحل الدراسية على مستوى الهدر المدرسي، حيث يغادر الأطفال مدارسهم دون تمكنهم من اكتساب آليات القراءة والكتابة بالشكل المطلوب، ممّا يرفع عدد الأميين بالمغرب.
وأشار التقرير إلى أن النتائج التي تم التوصل إليها تتماشى مع تقرير كانت قد أصدرته منظمة اليونسكو قبل سنتين حول حال التعليم في المغرب، حيث اعتبرته الدولة الأولى عربيا في الرسوب والثانية في الهدر المدرسي خلف جيبوتي.
وقال حسن البوكدراوي، الأمين العام للاتحاد، إن الأبحاث الميدانية المنجزة في المناطق القروية تكشف عن أن النقل المدرسي يتصدر قائمة المشاكل التي تحول دون متابعة أبناء القرى للدراسة، وكذلك الفقر وغياب الحرص من الأسر على الإبقاء على أبنائهم داخل المدارس. وهو ما يستوجب إعداد استراتيجية تشمل كل النواحي المتدخلة والمسببة للهدر المدرسي لمحاولة وضع خطط تحول دون تواصل هذه الظاهرة .
مملكتنا.م.ش.س/عرب