جــلالة الـمـــلك حفظه الله لطالما أسبغ ثقته على زليخة نصري لكفاءتها

الأحد 20 ديسمبر 2015 - 22:52

جــلالة الـمـــلك حفظه الله لطالما أسبغ ثقته على زليخة نصري لكفاءتها

زليخة نصري تفارق الحياة بعد مسيرة مليئة بالعمل والتفاني في أداء مهماتها الحساسة وبرهنت على أن المرأة المغربية مؤهلة للوصول إلى مراتب متقدمة في الدولة.

من النادر اليوم العثور على رجال دولة يملكون الجدارة الكافية لقيادة المؤسسات وتقديم المشورة الحكيمة لصاحب القرار في أنحاء العالم العربي، لكن امرأة عاشت في أقصى بلاد العرب، تمكّنت من خرق تلك القاعدة، وتقديم نموذج يحتذى في العمل المؤسساتي، لتحصل على ثقة العاهل المغربي الملك محمد السادس.
زليخة النصري التي شيعتها العاصمة الرباط، قبل أيام. كانت قد كرّست حياتها لأداء المهمة التي كلّفت بها من قبل الملك، فكانت إحدى ركائز ما سمّي في المغرب بـ”حكومة الظل” التي تكوّنت من مستشارين ملكيين تضاعف عددهم في العام 2011.
وقد ودّعت العاصمة المغربية مستشارة العاهل المغربي الملك محمد السادس، زليخة الناصري، بعد رحيلها عن عمر يناهز السبعين عامًا، لتوارى في مقبرة الشهداء بالعاصمة. ولي العهد المغربي الأمير مولاي الحسن، والأمير مولاي رشيد شقيق العاهل المغربي، كانا على رأس الحاضرين في مراسم التشييع في مسجد الشهداء. رفقة كبار مسؤولي الدولة ومنهم رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران وعدد من الوزراء والعسكريين.
وبعد مسيرة مليئة بالعمل الجاد والتفاني في أداء مهماتها الحساسة كمستشارة ملكية منذ العام 2000، توفيت ابنة مدينة وجدة زليخة الناصري، التي كانت قد ولدت في العام 1945 في المنطقة الشرقية، ساعية طيلة حياتها للبرهنة على أن المرأة المغربية مؤهلة لتخطي كافة الحواجز والوصول إلى مراتب متقدمة داخل دواليب الدولة.

ســــمراء الشـــــــــــرق

تصنّف زليخة الناصري بأنها ابنة التيار اليساري في المغرب، ويعتقد كثيرون أنها كانت عضواً قديماً في حزب التقدم والاشتراكية، أو في حزب التجمع الوطني للأحرار، ولكن هذا لم يكن مؤكداً، بل جاء بسبب انفتاح الناصري على الفكر الحر والتيارات المختلفة.
وبفعل تحررها من الانتماء الحزبي، اكتشفت مبكراً الخلل الذي يمكن أن ينشأ في دول العالم العربي الإسلامي، من خلال نشاط الجمعيات الإسلامية التي تستفرد بالمجتمع، فكانت زليخة الناصري تسعى لسد الفراغات التي يمكن أن يستغلها الإسلاميون. التفتت إلى المجتمع، ودخلت في الحارات والبيوت وشؤون الناس.

         قربها من المجتمع واهتمامها بالفقراء وحاجياتهم، جعل زليخة الناصري تقف على مأساة سكان
الحسيمة إثر زلزال 2004
 قاطعة الطريق على كل من حاول تسييس الحادث والركوب
على مأساة الضحايا ولم تتباطأ في الوصول
 إلى جبال الأطلس
للتخفيف من ألم الأمهات والوقوف على ما يحتجنه

آناء ذلك، حافظت زليخة الناصري على مظهرها الخارجي وتكتّمها ولغتها ونظرتها الهادئة والمتفحصة وهندامها المتأنق والمحافظ في وقت واحد. كانت طريقة مشيها ووقوفها إلى جانب الملك، تعكس انضباطها والتزامها بمنصبها وتشبعها ببروتوكول احترمت أدق تفاصيله.
استطاعت تلك السمراء البشرة الآتية من شرق المملكة بأسلوبها وبساطتها وجديتها وقوة شخصيتها أن تقتحم مراكز القرار بندية لتنحت لنفسها صفة “امرأة دولة” بامتياز. حافظت على وقارها وجديتها وصرامتها طيلة مسارها المهني منذ ولوجها وزارة المالية، كموظفة بمديرية التأمينات أوائل الستينات، لتتربع بعد أربع وثلاثين عاماً على رأس المديرية سنة 1994، حتى وافتها في ديسمبر من العام الحالي 2015.
تأبطت زليخة نصري العديد من الملفات الصعبة، فهي المرأة الوحيدة في طاقم مستشاري الملك محمد السادس. تعرفت لأول مرة على جنبات مراكز القرار المتشابكة، عندما عيّنها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1997 كاتبة للدولة في التعاون الوطني، ثم مكلفة بمهمة في الديوان الملكي سنة 1998، لتصبح مستشارة الملك محمد السادس في العام 2000. ليتمّ تكليفها بالملف الاجتماعي، فكانت من المساهمين في وضع اللبنات الأولى لمؤسسة محمد الخامس للتضامن.

العيــــــــــن الساهـــــــــــــــــرة

كانت الناصري العين الساهرة على تفاصيل المشاريع الاجتماعية التي يدشنّها الملك، فلم تكن تتردّد في إخباره بالعراقيل التي تواجه تنفيذ هذا المشروع أو ذاك، وكثيرا ما كانت ترفع إليه أخطاء تحصل في تدبير مؤسسات اجتماعية تهم دور العجزة وغيرها.
لم تصل زليخة الناصري إلى ما وصلت إليه، إلا بالإنصات الجيّد والتدبير العقلاني، والتجرّد من شخصنة قضايا الدولة الكبرى. جديتها في تنزيل توجيهات الملك والتنفيذ الكامل للأوامر الملكية، أهلّتها للعديد من المهام الاجتماعية والاقتصادية داخل البلاد وخارجها. فكانت مقاربتها للملفات التي كلّفها بها العاهل المغربي تطبعها العقلانية ونكران الذات والاهتمام بمصير الملايين من المغاربة.
شهادة العارفين بمساراتها تثبت أن الناصري لم تحتك يوماً بسلبية مع سياسيين أو مستشارين آخرين، بل تميزت بإنصاتها للجميع. بانتباه وحرص شديدين. ما جعلها محطّ احترام الكل، فاهتمت بعملها إلى الحدود القصوى فما عرفت يوماً ما يسميه الناس بعطلة نهاية الأسبوع.
مراقبتها الصارمة والتزامها بالقانون جعلها تطرد في العام 2006 قرابة ستين طالبة من دار الطالبة بفاس، مبينة أن شروط الولوج حينها، لم تحترم. وأن هؤلاء الطالبات حملتهم إلى دار الطلبة المحسوبية، في الوقت الذي كنّ من غير المؤهلات للاستفادة من خدمات الدار.

المــجـــتـــمـــــــع أولا

زليخة الناصري المرأةـ المستشارة، لم تكن تتردد في تنبيه المشتغلين معها إلى أخطائهم، شخصيتها والفعالية التي تميزت بها جعلا العاهل المغربي يكلفها بالمهام والمسؤوليات التي كان يقوم بها المستشار الملكي السابق مزيان بلفقيه الذي وافته المنية في العام 2010.
فكان أوّل اهتمامها الملف الاجتماعي، وهو الحقل الذي يعكس شخصيتها البسيطة والمتواضعة بشهادة الجميع، علاوة على احترامها للبسطاء من الناس. قربها من المجتمع واهتمامها بالفقراء وحاجياتهم جعلها تقف على مأساة سكان الحسيمة إثر زلزال 2004 قاطعة الطريق على كل من حاول تسييس الحادث والركوب على مأساة الضحايا ولم تتباطأ في الوصول إلى جبال الأطلس للتخفيف من ألم الأمهات والوقوف على ما يحتجنه.
لا يخفي الذين عملوا إلى جانبها اهتمامها بكافة جوانب وظروف العمل، وصرامتها في التعامل مع كل الظروف والأشخاص. يحركها بحثها عن الإتقان، تكاد لا تفارق الملك في كل جولاته داخل المملكة وخارجها، وعينها منتبهة لأدق الدقائق.
كانت زيارات العاهل المغربي لأيّ مدينة لتدشين مشروع، تتطلب تكليف مسبقاً للناصري بمهمة استطلاع المناطق ومشاريع التدشين، حينها لا تتورع في توبيخ ومساءلة كل من تقاعس عن أداء مهمته، لتطمئن على أن الأمور باتت على ما يرام، فهي حريصة على أمور البرتوكول وترتيباته.
الملك محمد السادس يعرف المقربون منه أنه طالما أسبغ ثقته على زليخة الناصري لكفاءتها وتجرّدها. فكلفها في غير ما مرة بقضايا حساسة في الملف الاجتماعي كمشاكل السكن ومشروع مدن دون صفيح، لتترأس عام 2011 لجنة مكلفة بالمراقبة الدقيقة لإنجاز السكن الاجتماعي، متمة أشغال العقاريين وملزمة إياهم بالقيام بعملهم وفق أجندة وجدول دقيقين.
وقوفها على الأعمال التي أوكلت إليها يصل بها حد مطالبة القيمين بإنجاز مسؤولياتهم في وقتها وبصورة أقرب إلى الكمال. وكانت الناصري قد تعرّفت على المجتمع المدني وانخرطت في تفاصيله عبر جمعية “أنكاد المغرب الشرقي” قبل أن تحمل أمانة مؤسسة محمد الخامس للتضامن عام 1999.

ومن مكلفة بمهمة بالديوان الملكي في العام 1998، إلى مستشارة للملك محمد السادس عام 2000، كانت الراحلة تقوم بدور امرأة بمواصفات رجل دولة. وذلك لحنكتها في تدبير مشاكل الملفات الاجتماعية بشكل خاص.

الملك محمد السادس يعرف المقربون منه أنه طالما أسبغ ثقته على زليخة الناصري لكفاءتها وتجردها
               فكلفها في غير ما مرة بقضايا حساسة في الملف الاجتماعي كمشاكل السكن
                      ومشروع مدن دون صفيح لتترأس عام 2011 لجنة مكلفة بالمراقبة
                          الدقيقة لإنجاز السكن الاجتماعي، متمة أشغال العقاريين
                            وملزمة إياهم بالقيام بعملهم وفق أجندة وجدول دقيقين

إثر وفاتها قال وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة المغربي نبيل بنعبدالله عنها “عرفتها منذ سنوات عندما عينت ككاتبة للدولة. وكنت فخورا بها كمناضلة في اليسار تنتصر لقضايا النساء، وترقّت في مختلف المناصب عن جدارة واستحقاق”. ويضيف الوزير المغربي “كانت تنصت لمشاكل المواطنين إلى جانب تدبيرها للمشاريع الكبرى”.

الدولــــة والنــــســــــــــــوية والإنســــــــــــــــان

ساهمت زليخة الناصري في رفع مكانة المرأة في سلّم اهتمامات الدولة، وهي التي كانت ترافق الملك، وساهمت في أن يطلق عليه الناس لقب “ملك الفقراء”. ففي العام 2003، كلفت الناصري بالتنسيق مع الجمعيات النسوية في ما يخص تعديل مدونة الأسرة، كما تقول عنها المستشارة نايلة التازي التي تضيف إن الناصري “كانت سيدة بحسٍّ إنساني عالٍ، وقدرةٍ هائلة على العمل”.
تعلمت زليخة الناصري الإدارة الرفيعة في وظائفها، وتلقتها أكاديمياً أثناء تحضيرها لدبلوم الدراسات العليا المتخصصة في التأمينات في معهد التأمينات في ليون (جامعة جان مولان بفرنسا)، لتحصل على دكتوراه دولة في القانون الخاص. وكان موضوع أطروحتها “قانون التأمينات بالمغرب”، التي صدرت ككتاب عن منشورات لابورت في العام 1982.
ولم تكتف بالمهنة التطبيقية، بل كانت تهتم بالقيام بتدريس خبراتها في معاهد عليا مختلفة، ككلية الحقوق في الدار البيضاء، ومنتسبة إلى عدد من الجمعيات الوطنية والدولية الثقافية والعلمية فكان الإنسان المغربي هو جوهر اهتمامها في كل شأن تقوم به، حتى أنها عينت في العام 2002 رئيسة مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.
أثّر تكليف زليخة الناصري بمنصب مستشارة الملك على صورة المرأة في عقل الدولة، وسرعان ما انعكس نجاحها الشخصي على توطيد ثقة الملك بالمرأة وقدراتها الإدارية، فتم تنصيب سبع وزيرات في الحكومة التي شكلت بعد تعيينها في موقعها .

مملكتنا.م.ش.س/عرب

Loading

مقالات ذات صلة

الخميس 13 فبراير 2025 - 08:08

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

الأربعاء 12 فبراير 2025 - 08:32

توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء

الإثنين 10 فبراير 2025 - 08:55

توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين

الأحد 9 فبراير 2025 - 08:07

توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد