قضية الصحـــــراء المغربيـــــة تعيق تعزيز الأمن المغــــــــــاربي
- يعتبر التنسيق بين دول شمال أفريقيا ضرورة حتمية في ظل التحديات الأمنية الكبيرة، المتمثلة في انتشار الجماعات الإرهابية، ولكن هذا التنسيق تعترضه عراقيل كثيرة منها التوتر القائم في العلاقات بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء.
تعرف منطقة شمال أفريقيا تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية، وارتفع مؤشر الأخطار الأمنية المحيقة بدولها على خلفية انتشار الجماعات المتطرفة في ليبيا وعدد من دول الساحل الأفريقي.
وتفرض هذه التحديات بالضرورة تنسيقا عالي المستوى بين دول المنطقة المغاربية خاصة، وهو ما يبدو أمرا صعبا في ظل احتدام التوتر بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء التي تعد القضية المركزية بالنسبة للرباط.
والسؤال الذي يقفز إلى ذهن المتابع ما السر وراء الدعم الجزائري غير الطبيعي لجبهة البوليساريو التي تدعو إلى انفصال جزء من تراب المغرب، في ظل متغيرات جوهرية لمعادلات إقليمية ودولية تسير نحو عودة الحرب الباردة بالمنطقة، وهو ما يخدم أجندة الجماعات الإرهابية بشكل أو بآخر.
وفي هذا الإطار أشار المهدي بنسعيد، رئيس لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة القاطنين بالخارج، بالبرلمان المغربي، في تصريح لـ”العرب” إلى أن ملف الصحراء المغربية وليد الحرب الباردة، التي كانت لها تداعيات على العلاقة بين المغرب والجزائر، والواقع اليوم هو أنه تحول كذلك إلى صراع بين جيلين من القادة”.
من جهته أكد سعيد الصديقي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العين بأبوظبي، أن قضية الصحراء قديمة ومرتبطة بمرحلة الإرث الاستعماري وأيضا بطبيعة بنية النظام الإقليمي المغاربي، وأما مسألة الجماعات الإسلامية المتطرفة في المنطقة فهي حديثة جدا وهي نتيجة مباشرة للأزمات السياسية وعدم الاستقرار في بعض الدول.
ومن وجهة نظره يقول سعيد الصديقي إنه من الأجدر الفصل بين ظاهرة الإرهاب وقضية الصحراء، إذ كل المؤشرات التي تحاول أن تربط بينهما ضعيفة جدا، لذلك لا يعتقد محدثنا، أن حل قضية الصحراء سيشكل مدخلا حاسما لوقف ظاهرة الجماعات المسلحة العابرة للحدود.
وهذا الموقف يتعارض مع رؤية مجلس وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي في دورته الثالثة والثلاثين بمقر الأمانة العامة بالعاصمة المغربية الرباط في مايو 2015، حين اعتبر أن نجاح الأمم المتحدة في مساعدة دول هذه المنطقة على مواجهة الأزمات التي تمر بها، من شأنه أن يضمن الأمن والاستقرار في منطقة الساحل ودفع عجلة التنمية فيها التي ستنعكس إيجابا على المنطقة المغاربية.
وقال ناصر بوريطة، الوزير المنتدب في وزارة الخارجية المغربية، في ذات الاجتماع إن “تصاعد الهجمات الإرهابية يستدعي تعزيز الأمن المغاربي من خلال الإسراع في بلورة استراتيجية أمنية للحد من ظاهرة الإرهاب”.
ودعا إلى المزيد من التنسيق المغاربي لأجل الحد من الأخطار التي تهدد بلدان المنطقة، وأشار المسؤول المغربي إلى أن، التحديات الأمنية تفرض التنسيق أيضا مع الدول الأفريقية.
وتشهد دول المنطقة المغاربية منذ انطلاقة ما يعرف بـ”ثورات الربيع العربي” تضاعف أعداد الجماعات والفصائل الإرهابية التي تنصب اهتماماتها في ضعضعة استقرار المنطقة تحت مسميات ومبررات مختلفة.
ويلتقي تهديد هذه الجماعات مع مثيلاتها في دول أفريقية أخرى، الأمر الذي يفرض إيجاد أرضية مشتركة بين هذه الدول للتصدي لهذه المجموعات، تقضي بداية بالسعي إلى التوصل إلى حلول في المسائل الخلافية المكبلة لأي تنسيق فعلي ومنها قضية الصحراء.
المغــــــــــرب أضحى في السنوات الأخيرة رقما صعبا في المعادلة الأفريقية خصوصا في منطقة الساحل والصحراء على كافة المستويات الأمنية والاقتصادية والدينية والدبلوماسيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
وعن دعم عدد من الدول الأفريقية لأطروحة الانفصاليين التي تدعمها الجزائر، فيؤكد المهدي بنسعيد، له، “أن سببه أولا جهل عدالة القضية المغربية وسوء فهم ناتج عن الأموال الهائلة التي تصرف لتسويق أطروحة خصوم وحدتنا الإرهابية”. واستدرك قائلا إن الوضعية أخذت في التطور شيئا فشيئا ولذلك على المغرب أن يستمر في التعريف بقضيته عبر العالم.
أما سعيد الصديقي فيرى في حديثه لـه، أن موقف بعض الدول الأفريقية المساندة للأطروحة الانفصالية مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا فيرتبط بعلاقة هاتين الدولتين الوثيقة بالجزائر، وأيضا بطبيعة التحالفات السياسية في القارة السمراء.
وأضحى المغرب في السنوات الأخيرة رقما صعبا في المعادلة الأفريقية خصوصا في منطقة الساحل والصحراء على كافة المستويات الأمنية والاقتصادية والدينية والدبلوماسية، بفضل حجم البعثات الأمنية والعسكرية والاستثمارات المهمة بهذه الرقعة الاستراتيجية، والسهر على تأطير الحقل الديني والقيام بوساطات دبلوماسية في كل من مالي وكوت ديفوار وبين الأفرقاء السياسيين الليبيين.
وأكد شرقي خطري، الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس والمهتم بالشأن الصحراوي، في تصريح له، أن كل هاته الملفات ترتبط ارتباطا عضويا بالمصالح الجزائرية ما جعل الجزائر “تتحامل” على المغرب انطلاقا من تبني موقف معاد لوحدته الترابية تساندها في ذلك كل من نيجيريا وجنوب أفريقيا في إطار صراع إرادات حول من يملك الحق في أفريقيا وباعثه الأساسي طبيعة المصالح.
واعتبر ذات المتحدث، أن الأطراف المتورطة في معادلة الصراع على الصحراء المغربية عوض البحث عن مخارج للأزمات ومحاولة توحيد وجهات النظر يتم إذكاء الصراعات إما لأسباب أيديولجية ترجع إلى الحرب الباردة أو كاريزماتية زعامتية.
والمعلوم أن نيجيريا التي تساير الطرح الانفصالي وتدعم الجزائر في موقفها ضد المغرب، تعاني من وجود حركات إرهابية انفصالية كبوكو حرام، وكذلك بالنسبة إلى جنوب أفريقيا فترتفع بها معدلات الجريمة وتجارة المخدرات وانتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان بمناجم الذهب والأحياء الهامشية المعزولة، أما الجزائر المعنية أكثر من غيرها في قضية الصحراء فحالتها ضبابية بفعل غموض المستقبل المرتبط بنظامها السياسي.
وأكد خطري الشرقي ، أن هذه التحديات تفرض على الدول الأفريقية احترام مبادئ القانون الدولي والتي من أهم عناصرها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وإعادة بعث دور جديد لاتحاد أفريقي يواكب التحولات السائدة في المنتظم الدولي لإيقاف النزاعات عوض إذكائها خصوصا النزاع المفتعل على الصحراء المغربية ضمانا للسلم والأمن بالمنطقة الأفريقية.
مملكتنا.م.ش.س/عرب