الشــــرقي رائـــد الثـــــرات المغـــربي عبيـــدات الرمــــى بالمغــــــــــــــرب
يعتبر التراث الشعبي بكل تنوعاته، رافدا مهما من روافد إغناء ذاكرة الشعوب، لما يحتويه من قيم متنوعة يمكنها أن تطور المجالات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية للمجتمع، خاصة إذا تم استغلالها بمنطق جاد وهادف، وبأساليب وتقنيات ومناهج دقيقة ضمن مخططات وبرامج تنموية.
وإن مسؤولية جمع التراث وتوثيقه، تلقى على عاتق الباحثين والدارسين، فإذا كانت النظرة السائدة للتراث الشعبي نظرة احتقار ودونية، مقارنة بالأشكال الأخرى، فإن من الواجب علينا نحن، الباحثين فيه والدارسين له، أن نحلل ظواهره ضمن إشكاليات علمية، تفتح الآفاق وتكون همزة وصل بين حاملي التراث والمادة التراثية.
إن النص التراثي بالنسبة للباحث في التراث الشعبي، يجب أن ينجز، أي أن يتحقق ويصبح ملموسا على المستوى المادي، وهذه المهمة تفترض تدخل إجرائيات : الجمع والتدوين والتحقيق، وهذا يفترض تداخل مجموعة من المختصين، بدءا بالباحث في النص التراثي والعالم اللغوي والفيلولوجي أحيانا.
والنص التراثي، لا يوجد ولا يتحقق إلا من خلال جملة من الروايات للنص الواحد؛ يمكن أن نتكلم عن نص نواة، لكن تعدد الروايات يجعل هذا النص يأخذ تفريعات وتلوينات من حيث اللغة والشخصيات والمعجم والصور حسب سياق التداول، وما يميزه من وقائع وعلامات.فهذا النص يمكن أن يحمل بعض العناصر التكوينية مثل المعجم والصور التي تكون مخالفة لما نجده في منطقة أخرى، في نفس الوقت لا يمكن أن نصف رواية معينة من الروايات بأنها الرواية الحجة.
ولهذا فعلى المهتمين بالظواهر التراثية القيام بمهمة أساسية، والتي يعبر عنها بإشكالية توثيق التراث الشعبي، ذلك أنها تفصل بين الداء والدواء، فمشكل التراث الشعبي، هو أنه في مجمله شفاهي، هذا بالنسبة إلى نوع من أنواع التراث الشعبي، الذي تندرج فيه الأغاني والأمثال والنكت والأحاجي…، إذن فهو أكثر عرضة للضياع والاندثار، إذا لم يتم جمعه، وتصنيفه وتوثيقه، وبذلك يحفظ جزء مهم من تاريخ وحضارة الأمة، وبالتالي إنعاش الذاكرة المفقودة، ونفض الغبار عنها، قصد تعريفها وطنيا و دوليا.
إذن،هناك حاجة ضرورية الآن، للقيام بتوثيق علمي متقدم، ورصد لعناصر التراث الشعبي، سيرا على نهج التجارب الرائدة، واعتمادا على كل الوسائل المتاحة، من أجل تقديمه إلى الدارسين والباحثين، للاستفادة منه، وإبراز تجذر الهوية و تفاعلها المشترك مع باقي الهويات الأخرى.
1- مصطلح الرمى :
جاء في لسان العرب “رمى رميا ورماية، الشيء، ألقاه، ونقول في اللغة : رمى السهم عن القوس أو على القوس، ورمى: قذف .
فالرماية هي تعلم فن الرمي بالقوس أو بالبندقية التي حلت محله، ومن هنا تأتي كلمة “الرماة” لتدل على الفرق المنظمة تنظيما عسكريا أو شبه عسكري.
وقد وردت في القرآن في قوله تعالى :”وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :”وارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا”، فلا جدال في أن الرماية وسيلة للجهاد الذي شرعه الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة و السلام، وإذا كان الجهاد أساسيا في الإسلام، وفرض عين على كل مسلم أحيانا،وفي الغالب فرض كفاية للقادرين عليه كما هو معلوم عند الفقهاء، فإن تعلم وسيلته التي هي الرماية يعتبر من أوجب الواجبات، وإن الإقدام عليها ومدحها والإطراء على الرماة، يجد تفسيرا له في وضع هذا الفعل داخل منظومة القيم السوسيوثقافية.
2- مصطلح عبيدات :
ورد في لسان العرب، مادة “عبد” عبد الله يعبده عبادة ومعبدا ومعبدة: تأله له، ورجل عابد من قوم عبدة وعبد وعباد، والتعبد :التنسك، والعبادة: الطاعة، وقال تعالى :”إياك نعبد” أي نطيع الطاعة التي يخضع معها والعبد: الإنسان، حرا كان أو رقيقا، يذهب بذلك إلى أنه مربوب لباريه عز وجل.والعبد : المملوك خلاف الحر، قال سيبويه :”هو في الأصل صفة”، قالوا :” رجل عبد، لكنه استعمل عمل الأسماء” والجمع أعبد وعبيد3.
ينتج مما قدمناه، أن مصطلح عبيدات الرمى تسمية ضاربة في أعماق التاريخ المغربي وفي التراث الشعبي، وأن ارتباطها بالمقدس الديني والأخلاقي يفسر التسمية، فكلمة عبيدات الرمى، تحيلنا مباشرة على الرماية والجهاد والفروسية، والانتظام في جماعات منظمة متعاونة.
ومن يشاهد اليوم رقصات عبيدات الرمى، يتأكد له تشابه حركات الرجال وهم يلعبون بالمقص والطارة (البندير) والطعريجة، بحركات الخيول و الفرسان.وهكذا تصبح حلقة الفرجة عند عبيدات الرمى بديلا لسرب من الفرسان، فتتصاعد حركات عبيدات الرمى وتنتهي بالقرصة أو الصيحة، كما كانت حركات الفرسان والخيول تتصاعد و تتسارع لتنتهي بالرمية أو الرشقة.
مملكتنا.م.ش.س