” البروباغندا ” تدفع إيران إلى التهديد بعرقلة السفن قبالة سواحل شمال للمغرب

الإثنين 25 ديسمبر 2023 - 16:03

الرباط ــ بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن تشكيل تحالف عسكري دولي يضم 10 دول بهدف “التصدي للتحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن”، هددت طهران، على لسان سردار محمد رضا نقدي، نائب منسق الحرس الثوري الإيراني، بإغلاق البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق في وجه حركة الملاحة البحرية، حسب ما أفادت به وكالة “تنسيم” للأنباء.

ونقل المصدر ذاته عن نقدي قوله إنه “مع استمرار جرائم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في غزة، فإن عليهم أن ينتظروا ولادة مقاومة جديدة وإغلاق الممرات والمضايق المائية والطرق الأخرى أمامهم على غرار البحر المتوسط ومضيق جبل طارق”، مضيفا: “بالأمس كان الخليج ومضيق هرمز كابوسا لهم، واليوم يحاصرهم مضيق باب المندب في البحر الأحمر، ومع الاستمرار في هذه الجرائم، سيتعين عليهم انتظار المزيد قريبا”.

وتطرح هذه التهديدات مجموعة من التساؤلات حول مدى جدية نظام الولي الفقيه في طهران في تنفيذها وطبيعة الفواعل الحكومية وغير الحكومية المعول عليها في هذا الصدد، خاصة في ظل تأكيد مجموعة من التقارير الدولية محاولات إيرانية عديدة للتغلغل في المناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، فيما قلل متتبعون من شأن هذه التهديدات، معتبرين أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد بروباغندا إعلامية لتجاوز حالة الحصار الذي تعانيه طهران في محيطها الإقليمي، مؤكدين في الوقت ذاته أن المغرب وحلفاءه مستعدون لمواجهة هذا النوع من التهديدات.

تهديد قديم وتأهب مغربي

هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، قال إن “التهديدات الإيرانية لحركة الملاحة في المتوسط وجبل طارق ليست جديدة ولكن انتقلت من مرحلة التخطيط والاستعداد السري إلى العلن من أجل ممارسة نوع جديد من التضليل الاستراتيجي في ما يتعلق بما تتعرض له المصالح الإيرانية في منطقتها الجيو-سياسية ومحاولتها إيهام المنتظم الدولي والفاعلين في المنطقة المتوسطية بقدرتها في التأثير على سلامة الملاحة البحرية، وذلك بغية صرف الأنظار عن الضغوط التي تتعرض لها طهران في مناطق نفوذها التقليدية إلى هذه المنطقة من العالم”.

وأشار معتضد، في تصريح لهسبريس، إلى أن “العديد من التقارير الأمنية والعسكرية لفتت إلى تواجد عناصر تابعة للحرس الثوري الإيراني في منطقة الساحل والصحراء، خاصة ضمن بعض الفرق التي تعمل في تنسيق وطيد مع ميلشيات البوليساريو من أجل بناء تحركات مشبوهة تهدد الاستقرار والأمن بالمنطقة. وبالتالي، فمن غير المستبعد أن يكون من ضمن أهداف تواجد عناصر إيرانية في منطقة الساحل والصحراء وبعض دول شمال إفريقيا، بناء منصة تهديد لحركة الملاحة في المتوسط وجبل طارق”.

وحول مدى قدرة إيران على تنفيذ هذه التهديدات، سجل المتحدث ذاته أن “طهران بدون شك لها القدرة على تنفيذ هذه التهديدات عبر تعاونها مع بعض الحركات الإجرامية والمنظمات الإرهابية في المنطقة، التي تعمل على دعمها لوجيستيا وماليا وفنيًا من أجل استغلالها لتنفيذ أجنداتها وتنزيل رؤيتها الساعية لخلق نوع من التمويه الاستراتيجي الهادف إلى نقل الضغط على مصالحها في الشرق الأوسط إلى منطقة شمال أفريقيا وجنوب أوروبا والمنطقة المتوسطية”.

وزاد شارحا: “يجب ألّا ننسى كذلك أن هناك أنظمة في المنطقة لها علاقات قوية مع إيران، على غرار الجزائر التي تجمعها معها علاقات مؤسساتية قوية ومركبة، خاصة في ما يخص التعاون العسكري ومذكرات التفاهم الأمنية بين البلدين، وهو ما يدعم أطروحة استعانة طهران ببعض الأنظمة في المنطقة من أجل القدرة على تنفيذ توجهاتها وتهديداتها في المنطقة”.

وشدد الباحث عينه على أن “المغرب يراقب عن كثب التحركات الإيرانية في المنطقة، وعمل على فضح تواجد عناصر تابعة لحرسها الثوري في الساحل والصحراء والديناميكية التي تعمل على بنائها بعض الأجهزة التابعة للنظام الإيراني مع منظمات إرهابية في مناطق التماس الجغرافي للمغرب، وهذا دفع القيادة في طهران إلى محاولة تغيير نهجها التكتيكي في المنطقة لكن دون تغيير كبير في مقارباتها، وهو ما دفع المؤسسات الأمنية والعسكرية المغربية إلى تتبع الوضع عن قرب وبجدية كبيرة”.

وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “الرباط، بتنسيق وطيد مع المنظمات الدولية المختصة والدول المعنية في المنطقة، غير المتعاونة بطبيعة الحال مع الأجهزة الإيرانية، تعمل على تشخيص الوضع وبناء الاستنتاجات الاستراتيجية وتحديد السيناريوهات الممكنة، وذلك ترقبًا لأي تحرك أو تحول ولو شكلي قد يغير الوضع في الميدان أو يمس من قريب أو بعيد المصالح الحيوية للرباط والمنتظم الدولي”.

بروباغندا إعلامية ومسؤولية تاريخية

أورد البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أن “إطلاق طهران هذه التهديدات هو جزء من البروباغندا الإيرانية التي يهدف من خلالها نظام الولي الفقيه إلى تحقيق مكاسب جيو-سياسية في إطار صراعه مع الغرب”، مسجلا أن “التحالف البحري الذي تقوده واشنطن لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، يشكل تهديدا حقيقيا لمصالح إيران وعملائها. وبالتالي، فالتهديدات الصادرة عن مصادر رفيعة في الحرس الثوري بنقل ساحة المواجهة البحرية إلى البحر المتوسط ومضيق جبل طارق، هي محاولة لحماية أنشطة هذه الميليشيات المتنكرة وراء دعم غزة”.

وقال البراق، في تصريح لهسبريس، إن “إيران تتوفر على أوراق ضغط لتنفيذ تهديداتها في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، خاصة مع وجود دول فاشلة أمنيا تمتلك سواحل مطلة على البحر المتوسط كسوريا ولبنان وتتواجد بها ميليشيات تابعة للحرس الثوري كحزب الله والميليشيات الشيعية في سوريا وغيرها”، لافتا إلى أن “طهران تتخذ استراتيجية الاستثمار في الأزمات كمدخل لبسط نفوذها الجيو-سياسي، وهو ما نجحت فيه في عدد من الأزمات”.

وتفاعلا مع سؤال حول أبرز المناطق المحتمل أن تكون منصة لانطلاق هذه التهديدات الإيرانية، رد الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر بأن “فشل النظام السياسي والأمني والعسكري في ليبيا قد يجعلها مكانا مفضلا لتغلغل إيراني في حوض البحر المتوسط، وهذا لن يتم إلا بتنسيق مع أنظمة إقليمية وظيفية لها التوجه نفسه بدعم الجماعات الانفصالية والإرهابية كالبوليساريو”.

على صعيد آخر، أوضح المتحدث أن “الفواعل المؤثرة في أمن الملاحة في مضيق جبل طارق، تختلف كليا عن الفواعل المؤثرة في أمن الملاحة في مضيق باب المندب؛ فمضيق جبل طارق تحيط به دول قوية ومستقرة وذات سيادة وتمتلك قوات عسكرية بحرية على أعلى مستوى من التجهيز والتدريب والقوة التدميرية. وبالتالي، فتهديد الحرس الثوري الإيراني أمام هذه الحقائق يظل مجرد بروباغندا إعلامية وذهان جيو-سياسي من الصعب جدا تحقيقه”.

وخلص البراق في هذا الصدد إلى أن “المملكة المغربية تتحمل مسؤوليتها التاريخية في حماية الملاحة في مضيق جبل طارق، وأكيد لن تسمح لأي تهديد كيفما كان نوعه أو شكله بالإضرار بالأمن القومي والمصالح العليا للبلاد، كما أن البحرية الملكية المغربية تنفذ مناورات عسكرية بشكل دائم لتأمين الملاحة في البحر المتوسط مع شركائها المتميزين، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وحلف الناتو ومختلف القوى الإقليمية والدولية المعنية بحركة الملاحة في المتوسط التي تشترك معها في أجندة ضمان وصيانة الأمن البحري في هذه المنطقة الاستراتيجية”.

مملكتنا.م.ش.س/و.م.ع

Loading

مقالات ذات صلة

الأربعاء 9 أبريل 2025 - 20:39

الصحراء المغربية .. الولايات المتحدة تجدد خيارا جيوسياسيا يعكس التزاما ثابتا تجاه فاعل رئيسي على الساحة الدولية (خبير سياسي فرنسي)

الأربعاء 9 أبريل 2025 - 20:27

مغربية الصحراء .. الولايات المتحدة تجدد تأكيد “ثبات” موقفها وتشيد بدور المغرب من أجل السلام تحت قيادة جلالة الملك (عضو الكونغرس ماريو دياز-بالارت)

الأربعاء 9 أبريل 2025 - 16:07

تجديد التأكيد على الدعم الأمريكي لسيادة المغرب على صحرائه، “رسالة قوية موجهة للعالم” (إيميريك شوبراد)

الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 22:17

الصحراء المغربية .. مبادرة الحكم الذاتي تحظى بدعم عدة تشكيلات سياسية بيروفية (كيكو فوجيموري)