القنيطرة – يناقش خبراء مغاربة وأجانب، على مدى يومين بالقنيطرة، جوانب وأبعاد التداخل بين الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان، وذلك خلال ندوة دولية حول “الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: الفرص والتحديات”.
وتشكل هذه الندوة، التي افتتحت أشغالها الاثنين، والمنظمة من قبل المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان وجامعة ابن طفيل، مناسبة لاستحضار التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي في علاقة مع التحولات المجتمعية الثقافية والاجتماعية والبيئية، واحترام الأطر المرجعية الدولية والوطنية الناظمة، وأدوار مختلف الفاعلين المعنيين بالنهوض وحماية حقوق الإنسان في ظل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي.
وتأتي هذه الندوة، المنظمة بشراكة مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ومجلس أوروبا والمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، في إطار التنزيل العملي لأولويات إستراتيجية المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، وإطلاق ديناميكيات تخص القضايا الناشئة في علاقتها بحقوق الإنسان.
وأكد وزير العدل عبداللطيف وهبي، في كلمة له، أن “المغرب لم يتوان على الصعيد الوطني في تنزيل خارطة الطريق التي قدمها الأمين العام للأمم المتحدة من أجل التعاون الرقمي لسنة 2022، من خلال تأهيل ترسانته التشريعية لتعزيز الثقة الرقمية، وإحداث مؤسسات متخصصة، وتطوير إستراتيجيات رقمية”.
وأضاف أن “خلال مراجعة المنظومة الجنائية تم الحرص على إيلاء الأهمية للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي من خلال اعتماد مزاياه في تحديث الإدارة القضائية وعصرنتها وتطوير الجوانب الإجرائية على مستوى مشروع قانون المسطرة الجنائية والتصدي لمخاطر استعمالاته السلبية بتجريم مظاهرها في مشروع القانون الجنائي”.
وأشار وهبي إلى أن وزارة العدل وضعت ضمن أولويات عملها في مجال حقوق الإنسان إطلاق ديناميكيات تخص القضايا الناشئة في هذا المجال، ومن بينها علاقة حقوق الإنسان بكل من الذكاء الاصطناعي والمقاولة والأعمال والتغيرات المناخية وغيرها.
وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبداللطيف ميراوي أن التطور التكنولوجي المتسارع الذي يعرفه العالم في خضم الثورة الرقمية وبروز الذكاء الاصطناعي يساهم في إحداث تحولات عميقة على عدة مستويات، سواء تعلق الأمر بأنماط الإنتاج وخلق القيمة المضافة أو على مستوى التغييرات التي ستطال الوظائف والمهن، فضلا عن الانعكاسات على المستوى المجتمعي.
وسجل ميراوي، في كلمة مماثلة، أنه بالنظر إلى الفرص الواعدة التي تتيحها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات، “فقد عمدت العديد من الدول خاصة المتقدمة وتلك الناشئة إلى الرفع من حجم استثماراتها في مجال الذكاء الاصطناعي قصد تعزيز تموقعها الدولي وتكريس ريادتها في هذا المجال”.
وبعدما أبرز أن الارتكاز على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يساهم في الرفع من الناتج العالمي الخام بنسبة 14 في المئة، وفي تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة وكذلك التأثير على 23 في المئة من الوظائف الحالية، استنادا إلى مجموعة من الدراسات، شدد الوزير على أنه “إذا كانت للذكاء الاصطناعي آثار إيجابية لا تدع مجالا للشك، فإن التحديات التي تطرحها هذه التكنولوجيا تستدعي العمل على ضمان استخدام آمن ومسؤول للذكاء الاصطناعي، من خلال إطار قانوني وتنظيمي ملائم”.
كما أشار إلى أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عملت على صياغة إستراتيجيتها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتي تشتمل على خمسة محاور، هي تعزيز عرض التكوينات في مجال الذكاء الاصطناعي، ودعم قدرات الأساتذة في هذا المجال، وتحفيز البحث العلمي حول الذكاء الاصطناعي، وتعبئة الشراكات بين الجامعة ومحيطها السوسيو – اقتصادي، بالإضافة إلى السهر على الاستعمال الآمن والمسؤول لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
ولفت ياسر بن عبداللاوي عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مارس الماضي، أول قرار أممي بشأن الذكاء الاصطناعي كان قد حظي في البدء برعاية المغرب والولايات المتحدة قبل أن يحصل على دعم 123 دولة عضوا حين اعتماده.
الارتكاز على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يساهم في الرفع من الناتج العالمي الخام بنسبة 14 في المئة
كما أبرز أهمية تعزيز أنظمة الذكاء الاصطناعي الآمنة والموثوقة لمواجهة أكبر التحديات التي يواجهها العالم، بما في ذلك تلك المتعلقة بالقضاء على الفقر، والصحة العالمية، والأمن الغذائي والمناخ والطاقة والتعليم.
وأكدت ممثلة مجلس أوروبا بالرباط كارمن مورتي غوميز أن “الذكاء الاصطناعي يتيح فرصا استثنائية ويقدم حلولا مبتكرة في مجالات حيوية إلا أنه يثير في المقابل مخاوف مشروعة بشأن حماية الحياة الخاصة والأمن الرقمي”.
وأشارت إلى أن في إطار حرصه على مواجهة المخاطر المرتبطة باستعمال الإنترنت وتداعيات استخدام الذكاء الاصطناعي، بذل مجلس أوروبا مجهودات معتبرة لتطوير الحلول والتوصيات الرامية إلى تعزيز الاستخدام المسؤول والأخلاقي لهذه التكنولوجيا، مع تعزيز مكافحة الجرائم السيبرانية.
وذكرت غوميز أن المغرب الذي انضم، منذ 2018، إلى اتفاقية مجلس أوروبا لمكافحة الجرائم السيبرانية، حقق “تقدما بالغا” في تعزيز الترسانة القانونية يتماشى مع معايير القانون الدولي.
ودعا مدير إدارة حقوق الإنسان بجامعة الدول العربية منير الفاسي إلى تعزيز التعاون الدولي ومضاعفة الجهود وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات وكذلك مواصلة العمل القائم الرامي إلى محو الأمية الرقمية.
وأكد الفاسي أن إدماج البعد الحقوقي أضحى ضرورة في كل رؤية إستراتيجية تهم مجال الذكاء الاصطناعي، مشددا على أنه “لا يجب بأي حال من الأحوال أن يمس الذكاء الاصطناعي بالأمن القومي، أو أن يشكل تهديدا لأسمى حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة”.
التطور التكنولوجي المتسارع الذي يعرفه العالم في خضم الثورة الرقمية وبروز الذكاء الاصطناعي يساهم في إحداث تحولات عميقة على عدة مستويات
وبعد أن لفت إلى أنه لا ينبغي أن يشكل تطور مجال الذكاء الاصطناعي ذريعة للتمييز، شدد على ضرورة الاستفادة من مزاياه على نحو يعزز قيم العدل والإنصاف والمساواة.
واعتبرت لين كارمات راسموسن، عن المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، أن المملكة التي حققت إنجازات مهمة في مجال حقوق الإنسان وفي إطار تعزيز إستراتيجية المغرب الرقمي، تواجه على غرار باقي بلدان العالم تحديات في مجال الذكاء الاصطناعي.
أما رئيس جامعة ابن طفيل بالقنيطرة محمد العربي كركب فأشاد بالعمل الذي تقوم به الوزارة الوصية في ما يتعلق بدمج الذكاء الاصطناعي في البرامج التعليمية والبحث العلمي، حيث “جعلت منه ورشا من أهم الأوراش التي نشتغل عليها اليوم بالجامعات، في إطار تنزيل المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
وأكد كركب أن هذا المخطط “يحرص على الارتقاء بمنظومة التعليم العالي، والاهتمام بمخرجاتها للوصول إلى مستويات عالمية تناسب وظائف المستقبل، وتدعم احتياجات الدولة المغربية وتسهم في مواجهة التحديات الراهنة للتنمية”، معتبرا أن استخدام الذكاء الاصطناعي في علاقته مع حقوق الإنسان يطرح مجموعة من التحديات.
وتم على هامش أشغال الندوة، التوقيع على اتفاقية شراكة بين المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان وجامعة ابن طفيل، وقعها كل من الكاتب العام للمندوبية عبدالكريم بوجرادي، ورئيس جامعة ابن طفيل محمد العربي كركب، وعميد كلية العلوم القانونية والسياسية التابعة للجامعة أحمد أجعون، وذلك بهدف فتح قنوات للتواصل والتعاون للاشتغال في إطار انفتاح الجامعة على محيطها، علاوة على تكريس مبادئ حقوق الإنسان والتشجيع على تنزيلها على أرض الواقع.
وتواصل هذه الندوة الدولية أشغالها بمناقشة العديد من المحاور المتصلة بموضوعها الرئيسي منها، على الخصوص، تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي على حماية حقوق الإنسان وآثاره على التمتع بالحقوق والحريات، بالإضافة إلى حوكمة الذكاء الاصطناعي في علاقة بحقوق الإنسان ومستقبل الأجيال الناشئة.
مملكتنا.م.ش.س/و.م.ع