الرباط ــ هل تزحف البداوة على المجال الحضري خلال فترة عيد الأضحى؟ وما السبيل إلى إبعاد هذه المناسبة الدينية والمجتمعية عن كل مظاهر التقليدانية؟ وإلى أي حد يمكن عصرنة الاحتفاء؟. ربما هذه من بين الأسئلة التي تطرح كلما حل عيد الأضحى، إذ إن المجال الحضري يحتضن خلال هذه الفترة ممارسات يعرفها المجال القروي في الأساس.
“فنادقُ” خرفانٍ داخل الأحياء، وأغنامٌ تبيت في أسطح العمارات ليلة العيد، ورؤوس أضاح تُشوى على قارعة الطريق، ومخيماتٌ لبيع الأعلاف تتوسط التجمعات السكنية، وأكوام من النفايات متراكمة أمام البيوت؛ كلها مظاهر وأمثلة يدفع بها عدد ممن يَدْعُون كل سنة إلى إيقاف “ترييف المدن” خلال فترة إحياء هذه المناسبة السنوية، والكف عن اعتماد سلوكياتٍ قروية الأصل ولا تتناسب مع منسوب الدينامية الحضرية بعدد من المدن.
وتدفع عدد من الأصوات بضرورة التوجه نحو عصرنة الاحتفال بعيد الأضحى داخل المدارات الحضرية، بما يبعد صفة “الفوضوية” عن هذه المناسبة المهمة مجتمعيا ودينيا كذلك، في وقت تبقى للبادية طبيعتها الخاصة. غير أن أصواتا أخرى تربط هذه الممارسات بتأثر السلوك البشري بعوامل عمرانية وسكنية بالأساس.
في الحاجة إلى العصرنة
خالد واعديدي، من الديناميات المدنية المهتمة بالموضوع، قال إن “مدن المملكة باتت متعودة على عدد من الطقوس الموسمية المرتبطة بإقامة عيد الأضحى، إذ دائما ما نرى تجاوزات غير حضارية وغير لائقة بمستوى العيش، بما فيها رمي الأزبال وشي رؤوس الأضاحي بالشارع العام؛ فالواضح أن المجتمع المغربي طبع مع هذه الظواهر حتى بات يظن أن إقامة عيد الأضحى بدونها أمر غير جائز”.
مُصرحاً لهسبريس اعتبر واعديدي أن “السياح دائما ما يتعجبون من الوضعية التي تصبح عليها حتى الأحياء الراقية خلال فترة عيد الأضحى، فما بالك بالأحياء الشعبية؛ فهذه السلوكيات غير منظمة ومؤطّرة وغير متناسبة مع الدينامية التي تعرفها عدد من الأوساط الحضرية التي تتم الإساءة إليها”.
واستدرك المتحدث ذاته بأن “للمجالس المنتخبة وشركات النظافة هي الأخرى مسؤولية في ما يقع، إذ تظل مطالبة بإعلان حالات الاستنفار والتعبئة الشاملة خلال فترة العيد، بما يمكن من تجاوز أي تشويه قد يتعرض له المجال الحضري”، ضاربا المثل بمدينة مراكش التي تعرف خلال هذه الفترة من السنة حسبه “مظاهر بدوية مرتبطة بالأنشطة الخاصة بإحياء عيد الأضحى”.
ودعا المتحدث المغاربة إلى “محاولة تبني تفكير جديد بخصوص عيد الأضحى، بما يتماشى مع منسوب التقدم الحضري الذي تعرفه عدد من جهات المملكة، وبما يخرج كذلك هذه المناسبة الدينية والمجتمعية من مظاهر البداوة حتى لا تلتصق بها، إذ تظل الحاجة إلى العصرنة جد ضرورية، وهو ما يلفت إلى ضرورة توفير مرافق للذبح والسلخ عوضا عن القيام بهذه الأنشطة داخل المقرات السكنية”.
تصورات مختلفة للمجال
لحسن دحماني، باحث في السوسيولوجيا، قال إن “المجال الحضري المغربي مغلق بطبيعته، ويضم فقط أحياء إسمنتية عوضا عن الأدبيات التي تفرض توفره على مرافق تساهم في تجويد الحياة والسكنى، وتمكن القاطنين من ممارسة مختلف الأنشطة الحياتية؛ فالتخطيط العمراني بالمغرب ليس تخطيطا استشرافيا ولا يناصر الحق في المدينة، ما يجعلنا أمام مدن مبيتية في الغالب”.
وأورد دحماني، مُصرحاً لهسبريس، أن “هذه من بين بعض النقاط التي تجعلنا خلال فترة العيد نرى عددا من الممارسات التي يمكن تصنيفها في خانة الفوضوية على مستوى مدن المملكة، إذ إنه بوجود مرافق خاصة بالذبيحة وأنشطة العيد يمكننا وقتها الحديث عن سكن إستراتيجي يمكنه أن يجنبنا ما هو دخيل على المجال الحضري”.
ولفت المتحدث إلى أن “عدم وجود مرافق حيوية وضرورية، خصوصا في فترة عيد الأضحى، جعلنا أمام جنوح الساكنة نحو سلوكيات لا تتناسب مع المجال الحضري، ويمكن تقبلها ضمن المجال القروي المعروف باتساعه في الأساس؛ فمسألة ترييف المدن هي نتيجة لغياب بنيات ذهنية ومادية كذلك يمكن أن تساهم في تمضية مثل هذه المناسبات الدينية والمجتمعية في أحسن الظروف”.
المتدخل ذاته بيّن أنه “حتى الانفجار الديمغرافي الذي تعرفه عدد من المدن يحول دون مكافحة بعض الممارسات التي يعرفها المجال الحضري، لاسيما أننا نجد سكنا اقتصاديا لا تتوفر فيه شروط الحياة، وهو ما ينضاف إلى كون الإنسان المغربي بدوره لديه مفهوم واسع للمجال، يحاول تطبيقه بالمجال الحضري”.
وعاد دحماني ليؤكد أن “الرفع من الذوق العام لا يمكن أن يكون بشكل نظري، بل بشكل مادي من خلال الممارسة التي تحتاج إلى بنيات تتم فيها ممارسة الذوق الجيد، في وقت نجد تركزا كبيرا للساكنة بمنطقة سكنية معينة لا يوازيه تطور في المرافق”، خالصا إلى أن “كل هذه العوامل تدفع المواطن إلى محاولة القيام بأنشطته خلال فترة العيد في وضعيات فوضوية”.
مملكتنا.م.ش.س/و.م.ع