تعيش مخيمات تندوف، منذ مدة، على وقع مظاهر عصيان مدني حاد يبشر بانهيار “المشروع الانفصالي”، بسبب تردي الأوضاع الحقوقية وانسداد الأفق على الأراضي الجزائرية، مقابل حسم المملكة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وأمام الانفلات الأمني المتزايد، كشف البشير مصطفى السيد، الانفصالي الأبرز في جبهة البوليساريو، فشل قيادات الرابوني في السيطرة على الأصوات المعارضة للوضع الإنساني المزمن والحصار الجزائري المفروض قسرا على محتجزي المخيمات.
وفي هذا الصدد، دعا مصطفى السيد، عضو الأمانة العامة للبوليساريو، في رسالة موجهة إلى إبراهيم غالي وقيادته، إلى ضرورة الإسراع بعقد ندوة وطنية لتقويم وترميم الوضع الداخلي المتوتر، وإنقاذ ما أسماه “سفينة المشروع الوطني من الغرق”.
وأشار المتحدث إلى أن “البوليساريو اليوم كمشروع سياسي وصل إلى أدنى درجات التردي”، مضيفا أنه “يسير نحو النهاية السيئة، بل يتجه نحو الضياع في ظل انعدام إحساس قيادة البوليساريو بذلك”.
كما شدد القيادي في الجبهة على ضرورة “إيجاد التدابير الاستعجالية لمنع التدهور وضمان السيطرة على الأوضاع، وسن إجراءات استثنائية لتقويم الوضع في كل جوانبه والانتقال إلى مرحلة التخلص من الغرق في وحل الانشغالات الداخلية وآثار الفراغ الذي لم تنفع ثلاثة مؤتمرات في سده”.
قال إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إن انسداد الأفق السياسي قد أرخى بظلاله على كافة مناحي المشروع الانفصالي الذي بلغ درجة من التآكل والانهيار، بعد أن أصبح معزولا أمام ما يجري في بحر التغيير، الذي تُهدد أمواجه بإغراق سفينة المشروع عاجلا أم آجلا، وهو ما دفع القيادي من الصف الأول، المدعو البشير مصطفى السيد، إلى إطلاق نداء استغاثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
وأضاف الخبير السياسي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الأمر يدفعنا إلى استنتاج الترابط القائم بين الحل السياسي والوضع الإنساني، الذي ما فتئت الجزائر تتهرب منه بفضل الوضع الكارثي على مستوى الأمن الغذائي الذي يهدد 90% من سكان المخيمات بسوء التغذية وانتشار الأمراض المرتبطة به، خاصة في صفوف الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، بل ويهدد بالمجاعة نتيجة نقص حصص المانحين الدوليين بنسبة 30% حسب استطلاع أجرته جريدة الباييس الإسبانية مؤخرا”.
وأكد اسويح أن الانفلات الأمني الداخلي الذي تعيشه المخيمات مرده إلى الوضع الصعب والبطالة وانسداد الأفق في وجه الشباب خصوصا، لافتا إلى أنه “أصبح القنبلة الموقوتة في غياب أي رقابة دولية بعد تخلي الجزائر عن دورها لصالح مليشيات جبهة البوليساريو في منطقة انتشار الأسلحة والجريمة المنظمة والإرهاب، وغير ذلك من مظاهر الفوضى التي كان آخرها سقوط العديد من الضحايا من المنقبين عن الذهب برصاص القوات الجزائرية كمخرج لهذا الوضع المزري”.
“كل هذا شكل أعباء داخلية للتنظيم الانفصالي من حيث السيطرة على الوضع، وتسخير آلياته السابقة في خدمة مشروعه بالتعبئة القبلية وعسكرة المخيمات بدعم جزائري بدا أنه يتآكل الآن”، يسجل الباحث في خبايا ملف الصحراء، قبل أن يضيف أن “الصراعات القبلية بلغت ذروتها، والجزائر تعيش عزلة إقليمية ودولية، كان آخرها تشكيل حزام الجوار كونفدراليةً بين النيجر وبوركينافاسو ومالي، وكذا لتورطها المفضوح دوليا في هذا النزاع المفتعل، حسب تقارير مجلس الأمن الدولي، وآخرها القرار 2703 في أكتوبر الماضي الذي ذكرها كطرف رئيسي ست مرات”.
وسجل المحلل السياسي عينه أن “أوضاع الداخل المزرية جعلت المسؤول الانفصالي يعترف ضمنيا بأن آليات اشتغال التنظيم، المتمثلة في المؤتمرات، لم يعد لها جدوى؛ بحيث ذكّر بأن المؤتمرات الثلاثة الأخيرة فشلت في إنقاذ التنظيم، داعيا إلى ندوة تنسيق كبريق أمل للنجدة والإنقاذ، علما أن التحرك في الظروف الحالية يؤشر إلى اقتراب الانهيار التام للمشروع الانفصالي الذي لم يعد كما كان إبان الحرب الباردة”.
وختم اسويح حديثه لهسبريس بتأكيد أن “الجبهة باتت اليوم محاصرة عسكريا بتفوق الجيش الملكي المغربي على كافة المستويات، وأمنيا بغياب أي تدابير لكبح الانفلات المتنامي، وغذائيا بالوضع الإنساني الذي أصبحت الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية تدق ناقوس الخطر بشأنه، ثم حقوقيا حيث بات يتأكد ما سبق ونشرته هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية سنتي 2008 و2009، وأخيرا الحصار السياسي، أي انهيار خطة التسوية وإقرار مجلس الأمن أن لا حل سوى الحل السياسي العملي الواقعي والمتوافق بشأنه، وهو ما تستجيب له المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية”.
مملكتنا.م.ش.س/وكالات